في مارس 2007 انتهت الانتخابات الرئاسية في موريتانيا بفوز سيدي ولد الشيخ عبد الله على منافسه أحمد ولد داداه، في مناسبة أعادت موريتانيا إلى واجهة التاريخ وخرائط الجغرافيا، وجلبت احترام العالم واهتمامه، وحركت غيرة العرب وحسدهم.
تزامن هذا الحدث الجلل مع انعقاد مؤتمر القمة العربية بالرياض في الأيام الأخيرة من شهر مارس، كان خيار تمثيل موريتانيا قد حسم إذ طلب الرئيس الجديد من سلفه تمثيله في القمة، وهي مهمة ليست باليسيرة، فقد لا تكون قيمة رجل سلم السلطة طواعية لخلفه كبيرة، خصوصا بين رجال يتقاتلون – كالوحوش – حتى آخر قطرة دم تشبثا بكراسيهم.
قيض لي أن أرافق الوفد الموريتاني إلى القمة؛ وصلنا إلى الرياض مع الساعات الأولى للصباح، وبدأنا على الفور إجراء الترتيبات الإدارية للحصول على الوثائق الضرورية للمشاركة في فعاليات القمة، وعلى رأس تلك الوثائق تصاريح المرور عبر الحواجز الأمنية الكثيرة التي وضعتها السلطات السعودية في كل مكان تقريبا لتأمين ضيوف القمة من ملوك ورؤساء.
لا أبالغ إذا قلت إن “أعلي ولد محمد فال” كان نجم تلك القمة بدون منازع، فالرجل الذي يترأس وفد بلاده للقمة العربية هو -حسب الوصف- رجل منتهية ولايته، وهي سابقة لم تعرفها القمم العربية من قبل في تاريخها الطويل والممل، ذلك لأن “الولاية” في الجمهوريات الملكية هي ولاية مفتوحة لا تنتهي حتى بانتهاء عمر الولي، بل تتوارث وتنتقل عموديا من الآباء إلى الأبناء والأحفاد، كما تتوارث أفقيا بين رفاق السلاح وأبناء العمومة وأصحاب المصالح.
لذلك وجد الصحفيون في حضوره خروجا على مألوف المؤتمرات العربية حتى لا أقول مللها، كما نظروا إليه بعد نجاحه في إدارة المرحلة الانتقالية وإخراج موريتانيا من عنق الزجاجة، كأحد القادة العرب الذين قدموا مساهمة يعتد بها لدفع حركة التحول الديمقراطي الوليدة في العالم العربي.
عندما وصل” أعلي” أمام مدخل القاعة الكبرى التي يعقد فيها المؤتمر، أثار اهتمام المصورين الصحفيين فكان يبتسم لهؤلاء ويرد على أسئلة أولئك بأدب جم ولباقة، في الراحة التي أعقبت الجلسة الافتتاحية، كان الرؤساء والملوك يسلمون على “أعلي”، بعضهم يعانقه بحرارة وبعضهم يهنئه على انتهاء الانتخابات ونجاحه في إدارة الفترة الانتقالية، وبعض ثالث يتمنى لموريتانيا ازدهارا واستقرارا ورفاهية، إلى غير ذلك من المجاملات العربية التي تخفي أكثر مما تظهر، وتظهر نقيض ما تخفي.
كان من بين الرؤساء الذين جاءوا لمصافحة “أعلي” الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وكان بجانبه عبد الله الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد ورئيس مجلس النواب اليمني، وما أن انتهى صالح من السلام عليه حتى مد الأحمر يده لمصافحته وصاح بأعلى صوته: “أهلا بالرجل الذي وفّي”، لم يفهم “أعلي” سياق الجملة التي تلفظ بها الأحمر، ومع ذلك ابتسم له وصافحه بأدب واحترام، قبل أن يودعه.
بعد ذلك نظر “أعلي” من طرف خفي إلى وزير الخارجية أحمد ولد سيد أحمد، الذي كان يراقب المشهد عن قرب مبتسما، وبدأ يشرح لـلرئيس أن الهدف من جملة الشيخ الأحمر هو إغضاب الرئيس عبد الله صالح والتعريض بوعوده الألف بعدم الترشح، والتي ما يفتأ ينكث بها، ثم بدأ يستعرض له تاريخ الأزمة اليمنية والعلاقات المعقدة بين الأحمر ورئيسه أو بين الرئيس وشيخه.
أذكر أن ” صيحة الأحمر” ظهرت آنذاك عنوانا في العديد من الصحف الغربية، بعد أن رويت القصة لمراسل وكالة أنباء “رويترز” الذي جاءني ضجرا يطلب المساعدة في رواية قصة أو حادثة ينشرها لقرائه الغربيين، بعيدا عن خطابات قادة العرب المملة.
كان “اعلي” رحمه الله يحلم بموريتانيا خارجة عن المألوف العربي، وتحويلها إلى صرح من صروح الديمقراطية، وكان معه فريق رائع من الكفاءات الوطنية التي تعمل معه على تحويل ذلك الحلم إلى حقيقة، إلا أنه وللأسف الشديد – كما ظهر لاحقا – فقد كان ذلك الحلم صرحا من خيال .. فهوى.
رحم الله أعلي ولد محمد فال، وغفر له ورعى موريتانيا وحفظها.
تزامن هذا الحدث الجلل مع انعقاد مؤتمر القمة العربية بالرياض في الأيام الأخيرة من شهر مارس، كان خيار تمثيل موريتانيا قد حسم إذ طلب الرئيس الجديد من سلفه تمثيله في القمة، وهي مهمة ليست باليسيرة، فقد لا تكون قيمة رجل سلم السلطة طواعية لخلفه كبيرة، خصوصا بين رجال يتقاتلون – كالوحوش – حتى آخر قطرة دم تشبثا بكراسيهم.
قيض لي أن أرافق الوفد الموريتاني إلى القمة؛ وصلنا إلى الرياض مع الساعات الأولى للصباح، وبدأنا على الفور إجراء الترتيبات الإدارية للحصول على الوثائق الضرورية للمشاركة في فعاليات القمة، وعلى رأس تلك الوثائق تصاريح المرور عبر الحواجز الأمنية الكثيرة التي وضعتها السلطات السعودية في كل مكان تقريبا لتأمين ضيوف القمة من ملوك ورؤساء.
لا أبالغ إذا قلت إن “أعلي ولد محمد فال” كان نجم تلك القمة بدون منازع، فالرجل الذي يترأس وفد بلاده للقمة العربية هو -حسب الوصف- رجل منتهية ولايته، وهي سابقة لم تعرفها القمم العربية من قبل في تاريخها الطويل والممل، ذلك لأن “الولاية” في الجمهوريات الملكية هي ولاية مفتوحة لا تنتهي حتى بانتهاء عمر الولي، بل تتوارث وتنتقل عموديا من الآباء إلى الأبناء والأحفاد، كما تتوارث أفقيا بين رفاق السلاح وأبناء العمومة وأصحاب المصالح.
لذلك وجد الصحفيون في حضوره خروجا على مألوف المؤتمرات العربية حتى لا أقول مللها، كما نظروا إليه بعد نجاحه في إدارة المرحلة الانتقالية وإخراج موريتانيا من عنق الزجاجة، كأحد القادة العرب الذين قدموا مساهمة يعتد بها لدفع حركة التحول الديمقراطي الوليدة في العالم العربي.
عندما وصل” أعلي” أمام مدخل القاعة الكبرى التي يعقد فيها المؤتمر، أثار اهتمام المصورين الصحفيين فكان يبتسم لهؤلاء ويرد على أسئلة أولئك بأدب جم ولباقة، في الراحة التي أعقبت الجلسة الافتتاحية، كان الرؤساء والملوك يسلمون على “أعلي”، بعضهم يعانقه بحرارة وبعضهم يهنئه على انتهاء الانتخابات ونجاحه في إدارة الفترة الانتقالية، وبعض ثالث يتمنى لموريتانيا ازدهارا واستقرارا ورفاهية، إلى غير ذلك من المجاملات العربية التي تخفي أكثر مما تظهر، وتظهر نقيض ما تخفي.
كان من بين الرؤساء الذين جاءوا لمصافحة “أعلي” الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وكان بجانبه عبد الله الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد ورئيس مجلس النواب اليمني، وما أن انتهى صالح من السلام عليه حتى مد الأحمر يده لمصافحته وصاح بأعلى صوته: “أهلا بالرجل الذي وفّي”، لم يفهم “أعلي” سياق الجملة التي تلفظ بها الأحمر، ومع ذلك ابتسم له وصافحه بأدب واحترام، قبل أن يودعه.
بعد ذلك نظر “أعلي” من طرف خفي إلى وزير الخارجية أحمد ولد سيد أحمد، الذي كان يراقب المشهد عن قرب مبتسما، وبدأ يشرح لـلرئيس أن الهدف من جملة الشيخ الأحمر هو إغضاب الرئيس عبد الله صالح والتعريض بوعوده الألف بعدم الترشح، والتي ما يفتأ ينكث بها، ثم بدأ يستعرض له تاريخ الأزمة اليمنية والعلاقات المعقدة بين الأحمر ورئيسه أو بين الرئيس وشيخه.
أذكر أن ” صيحة الأحمر” ظهرت آنذاك عنوانا في العديد من الصحف الغربية، بعد أن رويت القصة لمراسل وكالة أنباء “رويترز” الذي جاءني ضجرا يطلب المساعدة في رواية قصة أو حادثة ينشرها لقرائه الغربيين، بعيدا عن خطابات قادة العرب المملة.
كان “اعلي” رحمه الله يحلم بموريتانيا خارجة عن المألوف العربي، وتحويلها إلى صرح من صروح الديمقراطية، وكان معه فريق رائع من الكفاءات الوطنية التي تعمل معه على تحويل ذلك الحلم إلى حقيقة، إلا أنه وللأسف الشديد – كما ظهر لاحقا – فقد كان ذلك الحلم صرحا من خيال .. فهوى.
رحم الله أعلي ولد محمد فال، وغفر له ورعى موريتانيا وحفظها.