منتصف يناير من العام الماضي، زار الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدينة بروكسيل، العاصمة البلجيكية، وأجرى مباحثات مع الأمين العام للحلف جان ستولتابيرغ، تركزت حول قضايا الأمن والدفاع في منطقة الساحل الأفريقي.
وأعلن حلف الناتو آنذاك أن ولد الغزواني هو أول رئيس موريتاني يزوره منذ استقلال موريتانيا 1960، مشيراً إلى أن موريتانيا «بلد شريك» لحلف الناتو منذ 1995، في خطوة بدا أنها تمهد لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة بين الحلف وموريتانيا.
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي قال وقتئذ إنه «سعيد بالحوار المثمر» الذي أجراه مع ولد الغزواني، مشيراً إلى أن هذا الحوار «يمكن أن يقود إلى تعاون أوسع ما بين الناتو وموريتانيا، خاصة في مجال تأمين الحدود».
خلال آخر قمة للحلف نهاية يونيو الماضي، وصف الأمين العام المساعد المكلف بالشؤون الأمنية في (الناتو)، خافيير كولومينا، موريتانيا بالشريك الوحيد للناتو في منطقة الساحل.
يرى مراقبون أن العلاقة بين موريتانيا والحلف الذي يضم 20 دولة بينها قوى عظمى، وصلت إلى درجة تصنيفها «كحليف استراتيجي»، نظرا لما تلعبه من دور «محوري» في منطقة الساحل، إضافة إلى دورها القيادي في مجموعة الدول الخمس في الساحل، ونجاح مقاربتها الأمنية ضد انتشار الجماعات المسلحة، وسيطرتها على كامل أراضيها، في ظل سياق أمني معقد تمر به المنطقة.
خلال أواخر مايو الماضي، قال الأمين العام المساعد للشؤون السياسة والسياسة الأمنية بحلف شمال الأطلسي جافيير كولومينا، إن الحلف سيتخذ خلال السنوات القادمة حزمة من الإجراءات لتعزيز التعاون مع موريتانيا.
كولومينا قال إن الحلف يعمل على تعزيز وتعميق التعاون مع موريتانيا باعتبارها دولة «محورية في المنطقةّ» و «شريكا قديما للحلف».
جهود إسبانية
نجحت نواكشوط مؤخرا في أن تكون وجهة لقيادات بارزة من الحلف ومن دول منضوية فيه، آخرها رئيس أركان الدفاع الإسباني الأميرال تيودورو إستيبان لوبيز منتصف الأسبوع الماضي.
وتقود اسبانيا مبادرة التقارب بين موريتانيا والحلف، حيث تعتبر مدريد أن «الخطر يأتي من الجنوب كما يأتي من الشرق»، في إشارة إلى عدم الاستقرار الذي قد ينفجر في منطقة الساحل الأفريقي، وهي أقرب الدول الأوروبية للقارة السمراء.
وشددت إسبانيا خلال قمة مدريد الأخيرة على ضرورة التصدي للخطر القادم من القارة الأفريقية، فسيطرة الجماعات المسلحة على مناطق واسعة وعدم استتباب الأمن، قد يفجر موجة هجرة غير نظامية، ستكون اسبانيا أول البلدان الأوروبية تعرضا لها.
وبحكم موقها الجغرافي، يتطلع الحلف أن تلعب موريتانيا دور خط الدفاع الأول، حيث تشترك حدودا شاسعة مع مالي، التي بدأت مؤخرا التقارب مع روسيا، العدو الأول لحلف شمال الأطلسي، وهو ما يبرر زيادة التقارب بين موريتانيا والحلف الساعي إلى التصدي للتمدد الروسي الذي بدأ في المنطقة على حساب الحليف لتقليدي للبلدان فرنسا..
حليف تقليدي
لكن علاقات التعاون بين موريتانيا والحلف، ليست جديدة، فموريتانيا انضمت إلى مبادرة “الحوار المتوسطي عام 1994″، والتي تشكل إطارا للتعاون العملي من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بين الحلف ودول متوسطية إضافة إلى موريتانيا.
بدأ مستوى التعاون يتطور منذ عام 2010، والتوقيع بين موريتانيا والحلف على “برنامج التعاون الفردي”، الذي عرف بالصندوق الائتماني الخاص بتمويل من مليوني يورو. وتمحور البرنامج حول تدمير الذخائر المندثرة، بناء مستودعات للذخائر، إضافة إلى إعادة دمج قدامى العسكريين.
لكن التعاون بين نواكشوط والحلف، تطور إلى مجالات محاربة الإرهاب والتصدي للهجرة غير الشرعية، وذلك عبر تقديم التمويلات لزيادة قدرات موريتانيا العسكرية وتدريب الجيش، وتطويره.
وهذا ما أكد عليه الأمين العام للحلف يان ستولتنبرغ في مقابلة مع صحيفة اسبانية، قبيل قمة مدريد، حيث قال إن “موريتانيا مهمة بالنسبة لنا، وسيتفق القادة على حزمة مساعدات لهذا البلد، لأننا متأكدون أن أمن جيراننا يعني أمننا”.
وأوضح ستولتنبرغ، في مؤتمر صحفي عقب القمة، أن حزمة المساعدات «لدعم بناء القدرات الدفاعية لموريتانيا»، ستتركز على «الاستخبارات والأمن البحري والعمليات الخاصة، ومحاربة الهجرة غير النظامية».
وتدخل هذه المساعدة في إطار خطة الناتو للعقد المقبل المعروفة ب”المفهوم الاستراتيجي الجديد”، والذي أكد على أهمية منطقة الساحل الأفريقي والخطر المحتمل الذي قد يأتي منها.
لكن عين الحلف على التمدد الروسي في المنطقة، حيث وصل إلى مالي، التي اختار قادتها العسكريون الارتماء في حضن الدب الروسي، رامين بعرض الحائط اتفاقيات عسكرية جمعت لعقود البلد الأفريقي الذي يعاني من انعدام الأمن والاستقرار، مع فرنسا المستعمر السابق، وأحد أعضاء الناتو.
العلاقات القوية بين موريتانيا مع الحلف، والتطور المتسارع لتلك العلاقات خلال العقد الأخير تطرح أسئلة عن ما إذا كانت موريتانيا ستتحول إلى بوابة للحلف للدخول إلى منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وأي ثمن ستدفعه موريتانيا مقابل دعم الناتو لقدراتها العسكرية، في وقت اقترب إنتاج الغاز الموريتاني السنغالي، في حقل آحميم المنتظر أن يستخرج منه ملايين البراميل، وسط حديث عن اكتشافات كبيرة للغاز على الشواطئ الموريتانية، وزيادة حاجة الغرب للغاز والطاقة، بعد الأزمة الروسية الأوكرانية.