أثار خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني، السبت الماضي، نقاشا سياسيا حادا بين أكبر حزبين في البلاد، حزب «تواصل» المعارض وحزب الاتحاد من أجل الجمهورية «الحاكم»، حين تراشقا بوابل من الأسئلة أثارت الشكوك حول قابلية استمرار «التهدئة السياسية».
حزب تواصل وبعد ثلاثة أيام من خطاب الرئيس، أصدر بيانا صحفيا بدا واضحا أنه من البيانات المتأنية، وصف فيه حديث ولد الغزواني عن الفساد ومحاربته بأنها «شعبوية تلامس حدود الاستخفاف»، وهي العبارة التي أثارت «غضب» الحزب الحاكم وأنصاره.
الحزب الحاكم لم يتأخر في الرد، فأصدر بيانا صحفيا «شجب» فيه بيان حزب تواصل ووصفه بأنه «متهافت»، بل زاد واتهم الحزب المعارض بأن لديه «نوايا مبيتة وأجندات لا تخفى على أحد»، قبل أن يدخل الحزبان في التراشق بالأسئلة التي تستبطن مواقفهما السياسية.
حالة إحباط
حزب «تواصل» بدأ بيانه الصحفي بالحديث عن الظروف التي جاء فيها خطاب الاستقلال، مشيرا إلى «خطورة» الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية و«تحكم المفسدين» في الدولة و«تكريس» القمع، وقال إن «حالة إحباط» تعم المشهد الوطني.
ربط الحزب المعارض هذا الإحباط بزيارة الرئيس لمدينة روصو وما حدث من «استقبالات كرنفالية مهينة»، كما ربطها بخطاب الاستقلال الذي قال إنه بدل استشعار الأزمة قدم «صورة وردية»، واصفا الإنجازات التي تضمنها الخطاب بأنها «حلول مرتجلة فاقدة للرؤية»، ثم أرسل وابلا من الأسئلة قال إنها «تظهر تقصير الحكومة، بل غيابها».
تساءل عما قامت به الحكومة للحد من تأثير ارتفاع الأسعار عالميا، وإن كانت «ألغت الزيادة غير المبررة على أسعار المحروقات؟» أو عملت على «الحد من تصدير نوعيات السمك المستهلكة محليا لضبط سعرها»، كما تساءل إن كانت الحكومة «رفعت الأجور» لدعم القدرة الشرائية.
اللعب بالمشاعر
الحزب الحاكم في رده على أسئلة تواصل، اتهمه بمحاولة «اللعب بمشاعر الناس»، وقال إن «الحديث عن زيادة في الأسعار ينم عن مستوى من اللعب بمشاعر الناس»، قبل أن يبرر ارتفاع الأسعار بـ «التخضم في اقتصاديات العالم».
وهاجم الحزب الحاكم بشدة تواصل، ملمحا إلى مرجعيته الإخوانية، حين قال إنه في بيانه الصحفي تجاهل التفاف الموريتانيين حول غزواني «وصدوده عن الأفكار المستوردة، والأجندات والتجارب التي أثبتت فشلها عبر العالم».
اللغة التي تحدث بها الحزب الحاكم في بيانه غير مألوفة في قاموس الحزب منذ وصول ولد الغزواني إلى الحكم، فقد وصف التيار السياسي الذي ينتمي له تواصل بأنه من «المبادرات السياسية المتجاوزة، والفاقدة للمصداقية والمكشوفة الأهداف المتصلبة على المواقف التقليدية للمعارضة السلبية، من خلال التذبذب والمواقف المتناقضة من أجل خلق موطئ قدم في ساحة لم تعد تعترف إلا بالصادقين الأوفياء».
حرب الفساد
كان واضحًا أن الحرب على الفساد، موجودة في قلب العاصفة بين الحزبين، فقد اعتبر «تواصل» أن حديث الرئيس في خطاب الاستقلال عن الفساد يستدعي طرح عدة أسئلة «تحتاج أجوبة بالأفعال لا بالأقوال»، وتساءل: «من الذي عين المفسدين وأعاد تدويرهم ومكن لهم في أهم مفاصل الدولة ؟».
ولم يتوقف الحزب المعارض عند ذلك، بل تساءل عن سبب «تعطل» نشر تقارير التفتيش، وقال: «من الذي أفرغ التحقيق البرلماني من محتواه، وكرس الانتقائية في التعاطي مع المشمولين ضمنه؟»، في إشارة إلى «ملف فساد العشرية».
وختم الحزب المعارض بالتلميح إلى تغاضي ولد الغزواني عن الفساد، حين تساءل: «من الذي تغاضى وربما شجع انتشار ممارسات الفساد وصفقاته.؟!!!».
ولكن الحزب الحاكم في رده على تواصل، قال إن الحزب «كان عليه أن يتساءل أولا عن من وفر للجنة البرلمانية جوا لعملها الرائد، في الوقت الذي كان أفقه مسدودا لأسباب يعرفها الجميع؟!، ومن أطلق يد الهيئات الرقابية الوطنية؟!، ونشر تقارير محكمة الحسابات؟!».
وأضاف الحزب الحاكم أن تواصل كان عليه أن يتحدث عن «النجاحات التي حققتها شركة (اسنيم) بعد التهاوي الذي كاد يعصف بها!!»، مشيرا إلى أن تواصل «لعله لم يدرك بعد أن فخامة رئيس الجمهورية هو الذي أسقط الديون عن بلادنا وعن غيرها».
وخلص الحزب الحاكم إلى أن خطاب الاستقلال كان «يتحدى المتقولين، والمصطادين في مياه الإفك والشائعات، المقتاتين على التحريض والاستفزاز، المتربصين بالوطن وقضاياه الهامة»،
إن ارتفاع حدة الخطاب المتبادل بين الحزبين، مؤشر على الصعوبات التي تواجه التحضير للتشاور السياسي المرتقب، خاصة بعد مهرجان تواصل الأخير الذي دق فيه «ناقوس الخطر»، وبيانه الذي أعاد المعارضة والموالاة إلى «الحلبة» بعد عامين من «التهدئة».