أعلنت الحكومة الموريتانية شهر سبتمبر 2020، خطة للإقلاع الاقتصادي بعد جائحة «كوفيد – 19»، وبعد مرور عام على هذه الخطة، تتحدث السلطات عن «إصلاحات عميقة» من أجل إنعاش الاقتصاد عبر التركيز على جلب الاستثمارات في القطاع الخاص لتجاوز تداعيات الجائحة.
أطلقت الحكومة الموريتانية عدة نداءات تحث فيها المستثمرين على التوجه نحو الاستثمار في موريتانيا، وعرضت الفرص المتاحة، سواء في معرض «إكسبو دبي 2020»، أو في معارض دولية أخرى، أو في ندوات ونقاشات ذات طابع اقتصادي، ولكن ما هي «المغريات» التي تقدمها موريتانيا لهؤلاء المستثمرين.
الوزير الأول محمد ولد بلال، قال في نقاش نظمته الأسبوع الماضي منصة (AFRICA CEO FORUM)، إن حكومته تعمل على «إجراءات موسعة لتعزيز المكتسبات وسد نواقص ترقية الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال»، وأضاف مخاطبًا المستثمرين: «أطلب منكم الاستثمار في موريتانيا، وستجدون أمامكم أعمالا واعدة، وضيافة موريتانية أسطورية».
ولكن الوزير الأول، قال في كلمة ألقاها عبر النقاش المنظم عبر تقنية الفيديو تحت عنوان (استثمر في موريتانيا)، إن حكومته قامت بما سماه «إصلاحات هامة» تهدف إلى جعل موريتانيا «وجهة مفضلة للمستثمرين»، مشيرًا في السياق ذاته إلى «عصرنة الحوار بين القطاعين العام والخاص، عبر إنشاء مجلس أعلى للاستثمار يرأسه صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بالإضافة إلى لجنة وزارية أتولى رئاستها».
وأوضح الوزير الأول أن حكومته تعمل على «جيل جديد من الإصلاحات الأكثر عمقًا، سيتم إطلاقها خلال الأيام المقبلة، وستشمل إصلاح العدالة الاجتماعية، عصرنة السجل التجاري، رقمنة الإجراءات على مستوى الشباك الموحد، رقمنة وسائل الدفع».
مشاكل هيكلية
أما وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الانتاجية أوسمان مامودو كان، فقد استعرض ما قال إنها «مشاكل تواجه رواد الأعمال في موريتانيا»، والآليات التي اتخذتها الحكومة للتغلب على هذه الاختلالات البنيوية التي تعيق الاقتصاد الموريتاني.
وقال الوزير إن المشكلة الأولى هي «الحاجة إلى التمويل»، مشيرًا إلى أن الحكومة أنشأت للتغلب على هذا المشكل «صندوق الاستثمار»، بمساهمة من الدولة الموريتانية، إلى جانب القطاع الخاص الوطني والدولي.
أما المشكلة الثانية التي تحدث عنها الوزير، فهي «الحاجة إلى موارد مالية طويلة الأمد»، وقال إن الحكومة قررت مواجهتها بمبادرة «مراجعة سياسة القروض في صندوق الإيداع والتنمية (CDD)، الذي يعد اليوم البنك العمومي الخاص بتمويل التنمية».
ولكن الوزير قال إن التمويلات تواجه مشكلة «الضمانات»، التي يجب أن تكون متماشية مع التمويلات المطلوبة، وتعد أكبر عائق أمام حصول رواد الأعمال على التمويل، مشيرًا إلى أن الحكومة «قررت تسريع إطلاق الصندوق الوطني للضمانات، والوصول إلى آليات ضمان دولية لصالح الفاعلين الاقتصاديين الموريتانيين».
وفي الأخير، قال الوزير إن هنالك مشكلة «الحاجة إلى معلومات اقتصادية موثوقة، وبيانات قوية، ومنه جاء إصلاح المنظومة الإحصائية الوطنية، وإنشاء الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديمغرافي والاقتصادي».
من جهة أخرى راهن الوزير على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقال إنها «تمثل طريقًا آخر لإنجاز مشاريع محورية في بلدنا، لذا راجعنا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حتى نجعله عمليًا أكثر، مع خلق إدارة مركزية مختصة في تنفيذ هذه الشراكات».
وأوضح في السياق ذاته أن «محفظة مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص أصبحت غنية ومتنوعة، لتتجاوز أكثر من عشرين مشروعا أوليًا، تنطلق من مشاريع التزود بالماء الصالح للشرب لتصل إلى مخازن المحروقات».
وأكد الوزير أن العام المقبل (2022) «سيشهد إنجاز العديد من المشاريع الهامة التي وصلت مراحلها النهائية، من ضمنها مشاريع للبنية التحتية».
تحديات التمويلات
تراهن موريتانيا بشكل كبير على دور القطاع الخاص، لتحقيق انتعاش اقتصادي، ذلك ما أكدته المديرة العامة لوكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا عيساتا لام، خلال مداخلتها في النقاش، وهي التي تقود وكالة أنشئت خصيصًا للعب دور الوسيط مع القطاع الخاص.
وقالت لام إن دور وكالتها هو «تسهيل عملية تحسين مناخ الأعمال»، مشيرة إلى أنها أعدت «لائحة بالإجراءات والإصلاحات الضرورية لذلك، تبدأ من العدالة التجارية والضرائب وصولا إلى الجمارك والشباك الموحد».
كما أكدت أن دور الوكالة الأساسي يتمثل في «توفير المعلومات والبيانات، من خلال الصلة المباشرة مع المستثمرين الدوليين والوطنيين، حتى نتمكن من توفير حلول ملموسة نقدمها لأصحاب القرار».
ولكن تبقى مشاكل جوهرية تتعلق بالتمويل، مرتبطة أساسًا بالقطاع المصرفي الموريتاني، حيث تنشط 19 بنكًا، من ضمنها أربعة بنوك برأس مال أجنبي، بالإضافة 21 مؤسسة ائتمان مصغر، تختص في الادخار والقرض.
وتعليقًا على دور المنظومة المصرفية، قالت ليلى بوعماتو، التي تدير «بنك موريتانيا العام»، إن هذه المنظومة المصرفية تساهم في تمويل الاقتصاد الموريتاني بما يصل إلى «74 مليار أوقية جديدة، أي ما يعادل حوالي ملياري دولار أمريكي، و60 في المائة من هذه القروض موجهة إلى القطاعات الأساسية والمحورية في الاقتصاد، مثل التجارة وقطاع الخدمات والصيد والصناعة».
وأضافت بنت بوعماتو خلال النقاش المنظم تحت عنوان (استثمر في موريتانيا)، أن هنالك «تحديات» تواجه القطاع المصرفي من أبرزها «إقناع الفاعلين في القطاع غير المصنف بالاستفادة من النظام المصرفي والاندماج فيه».
وقالت سيدة الأعمال إن هنالك تحديات تتعلق بمناخ الأعمال، مشيرة إلى أن السلطات الحالية اتخذت إجراءات مهمة، ساهمت في تحسين مناخ الأعمال، قبل أن تضيف: «نحن اليوم نقترح الذهاب أبعد من ذلك، في رأيي الشخصي، لا بد من العمل على أن تكون الإدارة أكثر قربًا، وأكثر فعالية وأقل بيروقراطية»، وفق تعبيرها.
وأضافت أن التحديات على مستوى البنوك تتمثل بشكل أساسي في «الوصول إلى التمويل، خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمصانع الصغيرة والمتوسطة، على سبيل المثال معضلة الضمان، تشكل إحدى أكبر عقبات حصول المؤسسات الخاصة على التمويل».