مئات المسلحين، أغلبهم شبان عاطلون عن العمل وفاقدون للأمل، قبل أن تقرر حكومة بوركينا فاسو تدريبهم وتسليحهم، مطلع العام الماضي (2020)، ليشكلوا الخط الأمامي من حرب شرسة تدور ضد مقاتلي «داعش» و«القاعدة»، في واحدة من أكثر مناطق العالم خطورة.
أودت الحرب في شمال بوركينا فاسو، على الحدود مع النيجر ومالي، بحياة مئات المدنيين، وأرغمت أكثر مليون شخص على النزوح من مساكنهم صوب المجهول، في حين يقف جيش بوركينا فاسو عاجزا عن استعادة الاستقرار والأمن، بل إنه يفقد بشكل متزايد مساحة نفوذه لصالح الإسلاميين المسلحين.
أمام عجز الدولة، قررت تشكيل مليشيات مدنية وتسليحها لمقارعة الجماعات الإسلامية المسلحة التي تنشط في المنطقة، فصادق البرلمان البوركينابي على قانون ينظم عمل هذه الميليشيات، مطلع العام الماضي، في خطوة شبيهة بقوات العشائر التي أنشئت في العراق عام 2006 لصد هجمات تنظيم القاعدة.
حملت المليشيات اسم «متطوعون للدفاع عن الوطن»، وهي عبارة عن مدنيين يخضعون لتدريب عسكري يشرف عليه الجيش، مدته ثلاثة أسابيع فقط، وهو ما يثير الشكوك حول جاهزيتها وانضباطها، وقدرتها على الصمود في الميدان أمام مقاتلي القاعدة وداعش.
شروط الانتساب لهذه «الصحوات» في غاية السهولة، إذ يكفي لأي مواطن بوركينابي أن يتجاوز الثامنة عشر حتى يكون قادرا على الانخراط في هذه المليشيات.
يوقع المنتسبون على «عقد» مدته عام واحد، وقابل للتجديد خمس مرات فقط، وفق القانون الذي أقره البرلمان البوركينابي العام الماضي.
أما مهام هؤلاء المجندين فتتركز في الدفاع عن القرى، والأولوية للقرى التي ينحدرون منها، وكذا توفير معلومات للجيش والسلطات الأمنية عن «الإرهابيين» الذين يتحركون في المنطقة، وأماكن وجودهم، إذا هي مهام «عسكرية واستخباراتية»، يقوم بها السكان المحليون لصالح الجيش.
ينص القانون المنشئ لهذه المليشيات على أن مهمتها الأساسية هي صد أي عدو، في انتظار تدخل الجيش، أي أنه ليس مطلوبا منهم شن الهجمات ولا حسم المعارك، وإنما الجاهزية للتصدي والصمود، ثم إبلاغ الجيش ليتحرك بسرعة، إلا أن وحدات الجيش بطيئة ودوما تأتي بعد وقوع الكارثة.
الإحصائيات تشير إلى أن هذه المليشيات خسرت العام الماضي، الذي أنشئت فيه، أكثر من مائة قتيل، وكانت الأكثر عرضة للهجمات، إذ أن الجماعات الإسلامية المسلحة كانت تبحث عن «المتطوعين» في المليشيات لتصفيتهم والإيقاع بهم في كمائن محكمة.
رغم الخسائر التي تكبدتها المليشيات المحلية، والجدل حول جدوائتها، إلا أن الحكومة ما تزال متمسكة بها وتدافع عنها وعن «دورها المحوري في الحرب على الإرهاب».
لا تكشف الحكومة أي تفاصيل حول التكاليف المالية لهذه المليشيات، ولا كيف يتم تمويلها، وإن كان عناصرها يتقاضون رواتب أو يحصلون على منح، رغم كونهم «متطوعون»، ومع ذلك فقد تحولت هذه المليشيات إلى ما يشبه العصابات في المناطق البعيدة والمهملة، حسب صحف محلية في بوركينا فاسو.
التقارير تقول إن هؤلاء المتطوعين أصبحوا يفرضون قوانينهم في المناطق النائية، ويجبرون الشركات والسكان على دفع الغرامات، وينهبون الماشية دون أن يتمكن أحد من الشكوى.
كما يواجهون اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، حتى أن بعض هيئات المجتمع المدني وصفتهم بأنهم: «يزرعون الدمار والخراب تحت ستار مكافحة الإرهاب».
من جهة أخرى حذرت منظمات دولية من الاعتماد الكبير الذي توليه بوركينا فاسو لهذه المليشيات، مشيرة إلى أنها تسببت في تعميق وتجذير الانفلات الأمني، خاصة وأن الحكومة تكتتب مقاتلي المليشيات على أسس عرقية، وهو ما دفع بعض المنظمات إلى التحذير من «حرب عرقية» في شمال بوركينا فاسو.
وذهب أحد التقارير الدولية إلى أن هذه المليشيات وما ترتكبه من أخطاء تساهم في تعزيز فرص القاعدة وداعش للسيطرة على المنطقة وبسط نفوذها بشكل أكبر.