نواكشوط ـ إبراهيم ولد المصطفى
“أسعدتم مساء مستمعي الكرام وإليكم هذه الطائفة من بلاغاتكم واتصالاتكم الشعبية”، عبارة تعودها جمهور الإذاعة الموريتانية بأصوات رجالية مميزة، وذات مساء من صيف العام المنصرم صدرت عن صوت أنثوي، أثار انتباه المستمعين، انهالت الاتصالات على الإذاعة للاستفسار عن هو أول “مبلغة”، من تكون؟ ما اسمها؟.
كانت سابقة، فمنذ ما يقارب خمسة عقود هي عمر برنامج “البلاغات الشعبية” الذي تبثه الإذاعة الوطنية استطاع البرنامج الحفاظ على رجاليته كما أرسى ـ ربما عن غير قصد ـ تقليد “التكتم” على هويات مقدميه ، فالغالبية الساحقة من مستمعي الإذاعة لا يعرفون اسم أي من مقدميه بدء بمحمد الأمين ولد آكاط مرورا بالمصطفى ولد بونه وانتهاء بيحيى ولد الطالب، ولذا فقد كان بديهيا أن تنضم آمنة بنت حيبلا صاحبة الصوت آنف الذكر إلى قائمة الجنود المجهولين بهوياتهم وأسمائهم ذائعي الصيت بنبراتهم.
ورغم أن برنامج البلاغات الشعبية فقد الكثير من ألقه بفعل ثورة الاتصالات فما زال محتفظا بجمهور واسع يتشكل أساسا من كبار السن وسكان المناطق التي لم تشملها تغطية الهاتف، إضافة إلى جمهور من خارج الفئتين يتابع البرنامج بدوافع مختلفة، قد يكون أولها الفضول.
عشية ذلك اليوم جمع التطلع إلى معرفة هوية هذه السيدة كل هؤلاء، وكانت تلك أول خطوة على الطريق الذي انتظرت عند بدايته أكثر من عامين آمنة بنت حيبل الفتاة التي نصفت عقدها الثالث، دخلت عالم المتاعب سنة 2007 من بوابة إذاعة صوت المواطنة الخاصة، وبينما كانت تجري تدريبات صوتية وتتمرن على تقنيات التحرير، عاجل القدر إذاعة صوت المواطنة، لكن آمنة التي تقول إن عشق الصحافة ولد معها، لم تستسلم ولم تقبل الخروج من المبنى العتيق الذي دلفت إليه بأحلام عريضة قبل تحقيق بعض ما تصبو إليه، فعملت في القطاع الفني بإذاعة موريتانيا.
وفي أحد كواليس الإذاعة صادفت رئيس قسم “البلاغات” يحي ولد الطالب الذي عرض عليها العمل معه، فرفضت في البداية ، وفي المنزل أعادت التفكير في الموضوع ، وعرضته على ذويها ، فشجعوها على خوض هذه التجربة.
وتقول آمنة إنها واجهت في بدايتها مع البلاغات العديد من العقبات ليس أدناها السخرية المريرة التي قابلها بها زملاء المهنة، و صعوبة أسماء الأعلام والأماكن التي ترد في البلاغات، لكنها لم تلبثت أن استطاعت التأقلم مع وضعها الجديد، وتجاوزت عقدة “البلاغات”، وأصبحت ترد على عبارات من قبيل “لدي بلاغ” التي ما تزال عبارة بعض زملائها المفضلة، بالقول “ادفع للمحاسب وأنا في انتظارك“.
باتت آمنة بحكم السن والخبرة الفنية المسؤولة الأولى عن برنامج البلاغات، حيث تتولى التسجيل والمونتاج، ورغم اقتناعها ببرنامجها فإنها تؤكد أن طموحها المهني لن يتوقف عند هذا الحد فهي تنوي إعداد برنامج آخر، تفضل أن يكون برنامج أطفال، دون أن تتخلى عن البلاغات، قائلة :”لن أغادر قسم البلاغات تحت أي ظرف فهو الذي وضعني لأول مرة أمام هذه الآلة التي طالما عشقتها، مشيرة إلى الميكرفون، وأنا على ثقة بأنه سيحقق لي من الشهرة ما لن يحققه أي برنامج آخر مهما بذلت فيه من جهد، هذه هي خصوصية برنامج البلاغات“.
ورغم تعلقها بهذا البرنامج ، فإنها لا تخفي ما تعرضها له أخبار الوفيات التي تقدم في البرنامج كل مساء ، فهي لا تريد أن تصبح ناعيا في أذهان متلقيها ، ولهذا تكون أكثر ارتياحا كلما انخفضت نسبة الوفيات في كل الحلقة.
وتهتم بنت حيبلا كثيرا برأي جمهور برنامج البلاغات فيها، وتتطلع إلى معرفته، قائلة “اعلم أن من بينهم من سيكونون راضين عن أدائي ، ومن هم غير راضين تماما ، لهذا احرص على معرفة آراء من يزوروننا منهم في المكتب ، وآخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار، وأشعر بأن أدائي مقنع لغالبية من يقابلونني ، ولله الحمد“.