راشد يذرف الدموع، وأطفال أبرياء ومراهقون ينزفون بفعل حفنة من البالغين أقل ما يقال إنهم فاقدون الوعي أو إنهم ضالعون.. هؤلاء الأبرياء غادروا أمهاتهم صباح الخميس لكي يعودوا ككل يوم تتقاطر أصابعهم من دواة المعارف فإذا بهم مضرجة أكفهم بالدماء، أي دماء ؟ إنها دماؤهم هم ..
جرعة المعارف التي كان يفترض أن يتزودوا بها لمنازلهم – والتي هي مجهودهم اليومي- في الأمل المعقود على مستقبلهم الذي بدوره يجد فيه الآباء عزاء عن ما ينفقون عليهم لتغذيتهم بالدماء التي تغدوا إلى التحصيل.
تلك الدماء التي توهم الآباء أن يعود بها أبناؤهم أريقت فجأة دما حقيقيا ينزف، وبدلا من أن يعودوا بالدم الموهوم سالت دماؤهم بلا عوض.. إلا الغاز المسيل للدموع والوصفات الطبية والمتابعات العلاجية والإعاقات المؤقتة، هذا هو عوضهم حالا، ومآلا الشعور بالندم.
يا له من غبن ويا لها من خسارة..
إنهم صغار عن التجربة.. وككل الأحداث فهم حساسون نزيهون وبرؤاء، تم شحنهم واستغلالهم من طرف بالغين يعملون في الظلام، مجربين ليس لديهم إحساس ولا نزيهين، ولكن مستغلين..
لمن هذه القلوب! النبيلة؟ والأدمغة المتأهبة؟ إنها لطلابي. أنتم طلابي، طلابي أنا، ومن منكم يعرفني يعرف إلى أي درجة أنا مخلص لكم وإلى أي حد أحبكم بغض النظر عن ألوانكم وعن دمائكم.
ألوانكم في قاموسي اسمها المحبة ودماؤكم تعني لدي المقدّس، وها أنتم الآن يا طلابي تنزفون الدم المقدس بغزارة. أي خسارة..
أنا لا أجرمكم، فلا تجرموا أنفسكم، الخطأ ليس خطؤكم، الخطأ خطأ أساتذة سلبيين وأغبياء يوجهونكم حيث لا توجد المقاعد المستنيرة بالعلم. هؤلاء الأساتذة ظلاميون يملون عليكم في الأوقات الضبابية المبادئ الحشرية والمتوحشة. ولا يميزون بين الملكية والعندية..
هؤلاء لا يريدون لكم أن تمتلكوا لغة أجنبية، هؤلاء هم الذين يقولون لكم أنتم كذا إذن فهكذا، وأنتم لستم كذا إذن فلستم هكذا.
وهو كذلك خطؤنا نحن أساتذتكم على مقاعد العلم في الجامعة والمدارس الذين لم نثقفكم ونحصنكم ضد أولئك الظلاميين الذين يطرقون أبوابكم في الخفاء حاملين إليكم السموم.
واختصارا أدعوكم يا طلابي الأعزاء إلى الاستعاذة من شياطين الإنس والجن وأناشدكم أن تتلافوا أنفسكم، فاللغة العربية هي موروثنا واللغة الفرنسية جزء من تراثنا.! تعلم لغة أجنبية بما فيها اللغة الفرنسية مفيد لكل من تعلمها.
ومن الذي يستطيع أن يرفض العربية أو يعارضها وهي لغة الإسلام والقرآن ولغة محمد صلي الله عليه وسلم ولغة حضارة عريضة غنية، هذه اللغة التي نشأ فيها ما لا يتناهى من العلماء والأولياء قبل وإبان وبعد الاستعمار – كيف نقبل الفرنسية ونتعامل بها ونرفض العربية التي هي جزء منا وكل شيء يدعونا إليها وليست هي كالفرنسية التي لا يدعونا إليها إلا التاريخ والواقعية.
ليس على من جهل لغة أن يعاديها وإنما عليه أن يتعلمها.
الفرنسية جزء من تراثنا ومن تاريخنا أيضا، وتوصلنا بمائتي مليون من البشر منها مائة مليون من جيراننا الأفارقة.
الفرنسية سمحت لأجيالنا بولوج جامعات ومراكز بحوث عالمية عريقة من بين هذه الأجيال من بدأوا تكوينهم بالعربية ثم توجه إلى الجامعات الغربية لأنه نابذ للكسل وطموح وقد فضل تنمية معارفه في المركز الفرنسي للبحث العلمي مثلا أو هيئات علمية أخرى بعكس المتكاسلين .
نعم أقول ذلك لأني ثقافيا وسياسيا وتاريخيا وعاطفيا وبوصفي عربيا وبوصفي إفريقيا وبصفتي موريتانيا أشعر بقرب الشعب الفرنسي مني ومن قضايا العرب والأفارقة والوقوف معهم في محنهم سواء ما قرب منها وما بعد.
الفرنسيون ليسوا من فرض الفرنسية ولا هم البولار ولا السوننكي ولا الولوف، ولا هم سكان أي من مناطق موريتانيا الذين سبقوا إلى المدارس قبل الآخرين إنما الذي فرضها هو التاريخ والعالم والحياة وواقع موريتانيا.
لماذا إذن نوجه تركيز الشباب إلى الشكل دون المضمون والأهمية إنما هي للمضمون.
العلم والمعرفة هما المضمون واكتسابهما هو الرهان، أما اللغة فوسيلة ولا شك أن لها أهميتها ولكن ليست هي كل شيء.
أعرف أنه سيقال إلى متى سنظل مزدوجين عربيا فرنسيا، ولهؤلاء أقول إننا على المدى الطويل سنموت كلنا ولكن هذا لا يوجب أن نموت قبل أواننا ذلك يسمى الاغتيال، أي اغتيال بلدنا، وتفكيكه وإلحاق الضرر باللغة العربية أو الفرنسية يساوي الهجوم على بلدنا سواء كان هذا الهجوم أتى من موريتاني أو من أجنبي أو من موريتاني أجنبي، وهذه الفئة الأخيرة يحسب حسابها وهي سبب أحداث الخميس.
هؤلاء أجانب بالقلوب وأجانب بالفكر ولكن موريتانيين بساحة المعركة وبتأجيج المعركة.
سننتهي من ازدواجية العربية والفرنسية إذا كانت لدينا ثلاثة أو أربعة لغات أجنبية.
لا شك أن يوما ما سنستطيع أن نستخدم! في الإدارة لغتنا العربية ولغات وطنية أخرى وهذا حق مشروع، ولكن نفعل ذلك فقط إذا كنا قادرين على ذلك ومستغنين في واقعنا وتعاملنا عن لغة أجنبية، إذا وصلنا إلى مستوى من النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي يخولنا ذلك لا أنه يأتي بعصا سحرية أو بدعوات سيئة الطوية.
من يريد غير ذلك يسعى لتفكيك موريتانيا سواء كان مأجورا من العرب أو من اليهود أو من الاثنين – أو من الإنس أو من الجن – وحتى إذا استخدمنا العربية ولغاتنا الوطنية فيما بيننا فسنظل محتاجين للفرنسية واللغات الأجنبية الأخرى لنتواصل مع الأحياء والبالغين في العالم.
أم هل سنشن حربا في العالم ضد كل من يدرس العربية أو الفرنسية.
طلابي الأعزاء خدعتم وسخرتم ويجب طي هذه الصفحة التي لا توجد في دفاتركم، هذه الصفحة أتت من قمامات الشوارع ويجب أن تمزقوها بدلا من أن تتمزقوا فيما بينكم وينبغي أن تتعانقوا وتعانقوا كل العلوم وتهبوا للحصول عليها ولا تكونوا عنصريين مع أي لغة قد تحصلون على علم عن طريقها.
العربية والفرنسية هما المحركان اللذان نتشبث بهما، من يعرف العربية عليه أن يتعلم الفرنسية ومن يعرف العكس فالعكس ومن لا يعرفهما ينبغي أن يخجل من كسله وعزوفه عن تجشم المشاق بدلا من أن يرمي بعجز! ه وكسله على الآخرين.
على من يعرف العربية أن يعلمها لمن لا يعرفها ومن لا يعرف الفرنسية يتعلمها ممن يعرفها.
وفي هذه الحالة يستفيد كل واحد منا من ثقافة صاحبه ودمائه بدلا من أن يجرحه ويُبكي والديه، وبدلا من أن نصبح شيئا فشيئا بلا ثقافة.
كما برهنت على ذلك أحداث الخميس التي كشفت عن عجز اللغات وبالتالي العجز عن الحوار، إذ لا تسيل الدماء من الكلمات وإنما من الحجارة.