أين نحن؟ أين نتجه؟ أي اتجاه يسلكون بنا ؟ ما الذي يدور في رؤوسهم؟ وما الذي وراء ذلك؟ وهل سلموا من دوران
ما يدور في رؤوسهم؟ أم أصابهم الدوار ؟
ما الذي يدفعهم ؟ ما الذي يسندهم؟
ما الذي نسمع به في الأسابيع الأخيرة هنا وهناك ، ونراه هنا وهناك . هل سمعتموه أبناء وطني الأعزاء، وهل رأيتموه ؟ أما أنا فلم أستسغ ما وعته أذناي، كما لم اصدق ما رأيته عيناي، أنظر ولا أبصر ، وأستمع ولا أسمع ، وإن كان حقا ما سمعته أذناي وأبصرته عيناي فإنني أتمنى إذن أن أكون حقيقة لا أبصر ولا اسمع .
لا استطيع أن أحصى كم مرة أوردت قلمي إلى مناهل الخواطر لأصدر لكم كتابة تقترح أجوبة على تساؤلات أو تحاول تقديم حلول لمشكلات متحاشيا في كل مرة الزلل والنقد وجرح شعور أي كان.
أما اليوم فبعكس السابق تطل كتابتي هذه لتمطركم! بالتساؤلات لا بالأجوبة كما عهدتم ولا بحلول المشكلات . وأعترف في نفس الوقت بأنها فيض مجروح مقتول في داخله وفي أعماق شرفه الوطني . كلما يرجوه أن لا يجرح أحدا على الرغم من جراحه هو.
آه ، جريح آخر ماذا يفيد في زمن كثر فيه الجرحى ولم يعودوا بحاجة إلى المزيد.
أرجو تعافي جروحي دون أن ألحق أذى معنويا بالآخرين وإن لم أوفق فليس من قصدي إلحاق الضرر المعنوي بالآخرين.
والمعذرة إن كان من الألم ما يمس العقل ، أويضعف المقدرة على ضبط النفس.
أفهموني [أبناء وطني ، قرائي وأعنى بذلك هل تفهمون ما عجزت أنا عن فهمه، إني عاجز عن فهم مرام المعارضة، كما أنا عاجز عن فهم مرام السلطة وعاجز عن فهم مواقفهما جميعا بعد انتخابات 18 يوليو الأخيرة كما لا افهم مواقف فاعلين فرعيين آخرين، سأرجع إليهم في مقالات أخرى ..
لذا أبدأ سلسلة هذه المقالات بالفاعليِْن الرئيسييْن على الساحة : السلطة والمعارضة.
بأي صفة يمكن أن يتصور أن نظاما سياسيا يدعى اكتساب الشرعية من صناديق الاقتراع يريد تسيير بلد بصورة ديمقراطية وهو يصرف الشؤون دون مشاورة .. دون حوار.. دون اتصال .. دون&! nbsp; مجاملات .. ودون أي تعاط مدني مع مؤسسة المعارضة الديمقراطية.. بأي صفة تتصور سلطة هذه صفتها؟، أن تعبث كما فعلت عام 2010 في القاعدة الأولى من قواعد الحكم الرشيد الديمقراطي وتفلت من العقاب.
أو هل تظنون أن الديمقراطية لعبة انتخاب تنتهي بإيصال مرشح إلى السلطة يقلب ظهره لشريحة عريضة من طبقة السياسيين وجزء كبير من المواطنين يمثلان 48% من السكان، ليصبح متحللا من كل قيد إلا ما يحلو له أن يفعله هو.
” إنه ككل الرؤساء صرح بمناسبة تنصيبه أنه رئيس لجميع الموريتانيين” فهل نسي أم أن هذا الرئيس أزله النموذج الديمقراطي الذي يدافع عنه البعض -والذي لا يعدو كونه نظاما للرشوة الرمادية يندد العالم الذي نحن من أعضائه بها.
نظامهم هذا الذي يقول الأغلبية تحكم والمعارضة تعارض والأغلبية تسحق وتتجاهل الأقلية وتقول لا تقاسم للسلطة وكأن (السلطة كعكة) تخصهم وحدهم.
مع أن السلطة في الحقيقة عبء ومسؤولية، وكلما كثر الذين يحملون العبء كلما كان أخف على الجميع، والمثل الحساني يقول (حمل اجماع ريش).
أما تلك الشعارات وتلك المسوغات التي يتحجج بها أصحاب نظام الرشوة الرمادي (الديمقراطي) فهي مخجلة ولا زلنا نسمعها هنا وهناك في افريقيا وموريتانيا، وهي شعا! رات في الحقيقة تعكس قواعد تسيير نظام الفساد الرمادي، فالرجال الذين في السلطة يتصورونها منجما من الغنائم يسمح لهم بأن يصلوا بصفة تلقائية لظروف معيشة الإنسان الاوربي في بلادنا المتخلفة، وبالنسبة لهؤلاء الديمقراطيين (الاكثرية) لكي لا أقول هؤلاء المرتشين الرماديين -بالنسبة لهم تستهلك مقدرات الدولة فرديا وجماعيا لحظوظهم، بل فاق الاستهلاك الفردي مع الوقت الاستهلاك الجماعي هنا، وهؤلاء لا ينتظرون -كما هو مفروض- أن تصل الدولة عن طريق الحوار الاحتوائي والمجدي، إلى مكامن المصلحة العامة والحلول الوسطية بشفافية ما بين الفاعلين المختلفين..
في عيون الذين يدافعون عن نظام الرشوة الرمادية تظهر الدولة فقط كمعمل من الخيرات لا مالك له، ويصبح الأقوى أو الأقوى بمساندة مجموعته مالكا له بصفة شرعية وديمقراطية ومتصرفا طليقا فيه، ويشرك معه مجموعته.
في الحقيقة إن الديمقراطية نظام أكثر حداثة وأكثر مدنية مما يصور هذا المنهج الذي يختزلها في صورة صورية كاريكاتورية.
ولذا فإن هذا النوع من النظام خارج حدودنا يسمى نظام الرشوة الرمادية، ونحن في موريتانيا لا نعرف هذا ولسنا على إطلاع من! ه، ومازلنا للأسف لا نميز بين الديمقراطية والرشوة الرمادية..
هذا النظام وأكررها مرة أخرى يعرف خارج حدودنا بنظام الرشوة الرمادية، وهو يتأسس في الحقيقة على تقاسم مقدرات وموارد الدولة بين أطرافه كل حسب قربه من مركز القرار والسلطة على حساب أعضاء المجموعات الأخرى التي بالتالي يحشرها هذا النظام في زاوية الاحتجاج على شرعية سلطات القرار.
وبهذا نصبح كما أمس واليوم في طريق مسدود بصفة دائمة..
وكما لا أفهم السلطة فلا أفهم المعارضة الديمقراطية التي هي في حملة دائمة، إما لمساندة مرشح أو لإزالة رئيس منتخب..
لماذا المعارضة إذن قبلت التفاوض مع المرشح محمد ولد عبد العزيز وممثليه المتعاقبين؟
لماذ وقعت اتفاقية داكار؟ لماذا قبلت الدخول في حكومة احتوائية تشرف على انتخابات الثامن عشر يوليو؟
وبما أن المعارضة شاركت في هذا الذي تم اعتباره في وقته أنه عملية مرضية لإنقاذ وضعية البلاد، كيف تصف المعارضة إذن النتائج المترتبة عليها بأنها مهزلة وتزوير غير مقبول.
ولو افترضنا أن ما قالته المعارضة مؤسس له وصحيح أليس حريا أن تبتلع ما ترتب على اختيارها؟
أليس عليها أن تحترم العمل المشترك الذي كان تحت رعاية دولية ولا ت! بدو في أعين العالم بأنها لاعب يزدرد قواعد اللعبة.
إذا افترضنا أن ما تقوله المعارضة صحيح، ألا تكون حريصة على مصداقيتها وعلى صورة الإنسان السياسي الموريتاني في الخارج.. بديهي أن الالتزامات التي أخذها الإنسان الموريتاني أمام المجموعة الدولية يجب أن تحترم بغض النظر عن الاعتبارات الشخصية واعتبارات المجموعات، نحن شعب عظيم وعلى ممثلينا أن يحترموا الإلتزامات السياسة والمعنوية نصا وروحا، وينبغي لاتفاق دكار أن ينشر في جريدة الشعب و(أوريزونه) وكل الصحف المستقلة والمواقع الإخبارية الالكترونية وحتى في المحال العمومية، فالشعب الموريتاني له الحق في معرفة فحواه ومحتواه ليكون فكرته عن الاتفاق وبالتالي يشكل رأيا واعيا بخصوصه، وعلى تلك القاعدة يمكن أن نوجد نقاشا عاما حقيقيا يخرجنا من الطريق المسدود، وتنتهي معه دوراتنا المفرغة في الحلقات المفرغة..
نحن في الحقيقة لم نراوح نفس المكان منذ خمس سنوات (مدة فترة رئاسية كاملة)، منذ خمس سنوات ونحن ندور كما لم نزل في حلقة مفرغة، وإلى متى؟ متى سنخرج من هذه الحلقة؟ لندور في حلقة أخرى حميدة.
لماذا أصبحت الحياة السياسية في مجتمعنا خالية من ال! سياسة مليئة بالنزاعات، خالية من السياسة لأن الرهان لم يعد في توخي مستقبل مجتمع أو وطن.
هل سمعتم حديثا بين السياسيين والسلطة يدور حول أي سياسات لهذا البلد ، أي سياسة اقتصادية.. أي سياسة مالية.. أي سياسة جبائية .. أي سياسة مصرفية.. أي سياسة نقدية .. أي سياسة صناعية .. أي سياسة زراعية .. أي سياسة ظرفية .. أي سياسة هيكلية .. أي سياسة ثقافية.. أي سياسة اجتماعية.. أي سياسة شغل أي سياسة …؟
كل الدول في العالم لديها سياسة في هذه المجالات وأحزابها في السلطة أو المعارضة تقترح مثل هذه السياسات التي تصمم على أساس تشخيصات علمية موجهة لأهداف محدَّدة ، محدِّدة الوسائل والآليات التي ستستخدم أو تتخذ لها .
أبناء وطني،
أدعوكم إلى التدقيق في البيانات والخطابات ، في الصحف والإذاعات في المقابلات ، في المهرجانات والمؤتمرات الصحفية لرجال سياستنا في السلطة والمعارضة سوف تتأكدون من أن قواميسهم خالية من هذا الكلمات.
فقط رجال يفتخرون أو يشتمون أو يتوعدون.. ينتقدون ، يساندون، يصفقون، يعترضون، ويكررون جملا طافحة بالضمائر لا من الضمائر: أنا أنا وأيضا أنا وأنت أنت وأيضا أنت!
هذه الأنات والأنتات لا يتبعها إلا أنت كذا وانا كذا، ! وباختصار سياستهم شعارات ولافتات، وأبدا لا تسمع تقريرا من فلان من اللجنة الفلانية أو الخبير الفلاني أوالوزير الفلاني عن الموضوع الفلاني، وأما آلية الاحصاء التي هي آلية الذكاء الحديثة فغائبة عندهم وليست معروفة.
لاتسمع إحصائيات عن البطالة ولا إحصائيات عن الشغل مثلا كم يوفر من فرصة عمل…
إخوتي أين الذكاء الموريتاني سوف تسمعون أن القبيلة الفلانية أقصيت من الإدارة والقبيلة الفلانية يجري اقصاؤها من الاقتصاد وأن القبيلة الفلانية تمت ترقيتها وتم توشيحها بأوسمة. وأن فلانا تم تعيينه وفلانا تم تجريده، ثم يقال لنا هذه هي السياسة، هي الديمقراطية، هي الجمهورية..
واحسرتاه يا ابناء وطني المعتدلين، ما هكذا تورد الإبل ولا هكذا السياسة ولا التسيير.
وليست السياسة أيضا باصطدامات دائمة بين مجموعات متعطشة لامتيازات، ومغريات السلطة.
والحقيقة أن الجميع يشارك في تحريف السياسة والديمقراطية بأغلبية تسحق الأقلية وتهمشها وبمعارضة تحتج، وهذا ليس ناتجا عن قصور أخلاقي ولكن نتيجة نظرة موروثة عن ماضي استعماري قريب.
ولعامل آخر هذه ثقافة ومسلك ناتج أيضا عن سلوك طريق سيئة يوما من أ! يام يوليو 1978 وبالتحديد يوم 10.
ولكي نعيد الاعتبار للسياسة ونمنحها نبلها اللازم في دولتنا يجب أن نعمل سويا لنزيل هذا النوع من الثقافة ونأتي بثقافة أخرى نابعة من قيمنا: قيم الانفتاح، قيم الشهامة، الرفعة، الشرف، الإخاء، العدالة المتماشية مع الحداثة الحقيقية أو المعاصرة التي اسمها الحكم الرشيد.
يجب أن نزاوج الديمقراطية مع مسألتين هما: الحرية والحكم الرشيد.
فالديمقراطية لها معنيان متغايران تغايرا شديدا، فهي حق للمجموعة بأن يكون بيدها مصيرها وأن تختار رئيسا وحكومة يعبران عن إرادتها الجماعية. ولكن أيضا هي في نفس الوقت الحق لكل مواطن وكل مجموعة سياسية أن لا تتضرر من إفراط السلطة ولا تفريطها وهي الضمانة للمعارضة والأقلية بأن لا تسحق ولا تهمش..
وهذا إذن يتطلب أن ننطلق من مبادئ ثلاثة أساسية:
1- الحوار الشفاف وإلا فمعنى ذلك الدكتاتورية.
2- هيئات (رئيس وحكومة أقوياء ومعترف بهم قادرون على تسيير الحوار وتنفيذ قراراته وإلا فستكون الفوضى(.
3- العدالة في تطبيق القرارات وإلا فستكون الليبرالية المتوحشة.
ويتطلب أيضا أن نطوي صفحة الحالة الشعورية السلبية ونأخذ طريق التصالح والحالة ! الشعورية الإيجابية بصفة دائمة.
كما يتطلب أن نفرض في تخومنا السلم والعافية وإذا فرضت علينا الحرب فلا بأس ولكن أبدا أبدا لا نشن الحرب على أنفسنا.