قبل سنوات من الآن قامت الدنيا ولم تقعد، أو “قعدت ولم تقم” عندما تم الإعلان عن قيام علماء وأطباء أوروبيين باستنساخ نعجة سموها- تيامنا- “دُولي”.
خرجت “دُولي” إلى الوجود، بعد عملية علمية طبية مخبرية معقدة للغاية، اعتمدت أسلوب “التهجين” حيث دمجت “بويضة مخصبة” بطريقة علمية معقدة مع “خلية حية” معالجة وراثيا، وزرع الخليط في رحم إحدى النعاج المراقبة علميا ومخبريا.
لم تكن “دولي” نعجة بالمعنى “البهائمي” للكلمة، بل يمكن القول إنها لا تملك من خصائص النعاج سوى شكلها، الذي لعبت المخابر دورا بارزا في إخراجه وصياغته، فلم تمتلك “دولي” – بالقطع- ألفة النعاج، ولا حليب النعاج، ولا حنان النعاج، ولا حتى صوت النعاج، أو نمط عيشها وتفكيرها الداجن.
أثارت ولادة “دولي” يومها ضجة علمية ودينية وطبية، لم تنقطع حتى اليوم لأنها متصلة بجدل عالمي – متعدد الأوجه- حول شرعية الاستنساخ، وقيمه القانونية والطبية، وحتى الأخلاقية.
بالنسبة لنا في موريتانيا لا يسمح لنا “القصور التقني” والطبي، حتى بمجرد التفكير في الاستنساخ ومساراته العلمية المعقدة، حتى وإن كنا نقوم به تلقائيا، ويوميا دون أن نحدث ضجيجا بشأنه، وحتى دون الالتفات إلى ما يثيره من جدل عبر العالم.
نعم.. نقوم بعمليات “استنساخ” و”تهجين” شبه يومية ولستم بحاجة لأمثلة تؤكد ذلك، ولكن يمكن أن نتحدث معا عن آخر “الكائنات” المحلية التي استنسخناها تهجينا، وعملية تهجينها واستنساخها المتواصلة حاليا تحقق نجاحا مذهلا.
يتعلق الأمر- تأكيدا- بعملية استنساخ وتهجين الحزب “دولي”، وهو حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية”، المستنسخ بواسطة تهجين خلايا “نائمة أو مستيقظة” من “هياكل تهذيب الجماهير”، مع بويضات مخصبة – رغم عقمها الوراثي- من “الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي”.
تماما مثل النعجة “دولي” لا يملك الحزب “دولي” أية خصائص حزبية فهو بلا مشروع سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي واضح المعالم، وهو بلا مناضلين مؤمنين بأطروحاته، بل إنه لا يمتلك أية أطروحات، وبلا مرجعية فكرية محددة.
إن الحزب “دولي” يملك خصائص ومواصفات مشتركة بين “الهياكل” و”الحزب الجمهوري” مهجنة ومعدلة وراثيا، تجعله مجرد “مضغة (سياسية) غير مخلقة” منهما، وبالتالي فالعبارة التي يمكن وصفه بها هي أنه مجرد “دولي” سياسية، قد تسرع خصائصها الوراثية بنهايتها، وطي ملفها إلى الأبد ومن تلك الخصائص “الجمهيكلية” المكتسبة:
-يمكن للفرد الواحد أن ينتسب للحزب مائة مرة دون أن تكتشفه الوسائل “اللوجستية” الضخمة -معلوماتيا وإعلاميا- المتوفرة لدى الحزب وهياكله الإعلامية والتقنية.
-يسمح للموظف أن يتغيب عن عمله -مهما كانت أهميته وحساسيته- دون عقاب إذا ذهب لدعم عمليات الانتساب للحزب، أو الإشراف عليها، وهو تغيب يماثل “الجهاد الأكبر”، لأنه يحول موظفا للدولة إلى مجرد موظف للحزب.
-يمنح المشرفون على عمليات الانتساب إكراميات مالية يومية اقلها15000 أوقية ولا احد يسال الحزب من أين له بتلك الميزانية الهائلة التي ينفق منها بغير حساب.
-تجاوز عدد المنتسبين للحزب في إحدى القرى شرقي العاصمة1500منتسب، رغم أنه قرية صغيرة، لا يتجاوز عدد منازلها 22منزلا ’تقطنها اسر لا يتجاوز عددها مجتمعة مع أفرادها من خارج القرية67فردا.
-أذكت عمليات الانتساب إلى الحزب نعرات اجتماعية قبلية عرقية، لم يسبق لها مثيل، وصلت- أحيانا- حد القطيعة داخل القبيلة الواحدة.
-يقال للسكان إن إعانات غذائية ونقدية ستدفع للمنتسبين بمجرد اكتمال عمليات الانتساب، وبالمقابل فان الرافضين للانتساب سيواجهون الحرمان من خدمات الدولة مستقبلا سواء كانوا أفرادا أو جماعات.
يكفى هذا للتدليل على أن حزب “دولي” ليس إلا وريثا غير شرعي للهياكل “الهيدالية” والجمهوري “الطائعي” بكل ما يرمزان له من تاريخ سياسي محلي بغيض.