قدم الباحث الموريتاني الدكتور سيدي أحمد ولد أحمد سالم ولد الأمير. كبير باحثي مركز الجزيرة للدراسات الإستراتيجية بقطر، مساء أول أمس في الدار البيضاء المغربية، محاضرة علمية حول (الثقافة الموريتانية..والرافد المغربي).
وجاءت المحاضرة ضمن الأنشطة الثقافية والعلمية التي تنظم في إطار فعاليات معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب، في دورته التاسعة عشر.
وتصدرت محاضرة د. ولد الأمير؛ ندوة علمية، حول موضوع “الحضور المغربي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”، قدمت خلالها ثلاث محاضرات.
وسبق للدكتور سيدي أحمد أن عمل أستاذا بالمدرسة العليا للتعليم في نواكشوط، وباحثا في المعهد الموريتاني للبحث العلمي.
وقال الدكتور سيدي أحمد في بداية محاضرته، إن الثقافة الموريتانية، ذات روافد متعددة، و كثيرة المشارب، ولكنها تميزت بترابطها بجذورها العربية “وقد حقق العديد من الكتب والمخطوطات، ولديه مقالات ومؤلفات حول التاريخ الموريتاني”الإسلامية. مبرزاً أن المغرب كان في مقدمة المناطق التي احتك بها العلماء الموريتانيون.
وكانت التبادلات الثنائية، تتم عبر قوافل الحج، حيث أن المغرب يعد أول محطة للحجاج الشناقطة، وآخر محطة أيضا قبل عودتهم إلى ديارهم، وكذلك الحركة التجارية بين المنطقتين، وحركة طلاب العلم، والمراسلات بين العلماء، وكذلك إهداءات الكتب وتمليكها.
بدايات الاتصال
في الجانب الأول من عرضه، تحدث الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير؛ حول بدايات الاتصال الثقافي بين الموريتانيين والمغرب، وقال إنه من الصعب ضبط وتحديد بداية ذلك الاتصال، ولكن من أقدم الآثار التي تم الإطلاع عليها، هو دراسة العالم محمد سعيد اليدالي(عاش في القرن 10 للهجرة)، في تافيلالت بالمغرب، حيث أخذ منها علوم النحو، وعاد إلى دياره في الجنوب الغربي لموريتانيا، فبدأ تعليم النحو ونشره. وفي تلك المنطقة، ظهر المختار بن بونه، والحسن بن زين، ويحظيه بن عبد الودود، وهم أبرز علماء النجو واللغة في البلاد.
ومن نماذج الاتصال بين العلماء الموريتانيين، انتقال العالم الموريتاني سيدي عبد الله بن بكر التنواجيوي، في القرن 12 للهجرة، إلى سيدي أحمد الحبيب السجلماسي، فأخذ عنه القراءات العشر، وعاد إلى البلاد، ليصحح اللحن في القرءان، وينشر القراءات الصحيحة.
وينقل الدكتور سيدي أحمد عن، بن أطوير الجنة الحاجي، في “”رحلة المنى والمنى”” قوله إن العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم، أمضى فترة في المغرب، وتلقى عن شيوخ مغاربة، منهم سيدي محمد البناني، وسيدي محمد التاودي بن سودة.
المغرب.. مصدر الكتب
يؤكد الباحث الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير أن المغرب يعد بلا منازع المصدر الأول للكتاب بالنسبة للموريتانيين الشناقطة، فقد ظلت المكتبات الموريتانية تتزود بالكتب من المغرب أو عن طريقه.
ورغم الصعوبة التي أكدها الباحث في إمكانية حصر وتعداد كل العلماء الذين زاروا المغرب، فإنه يمكن القول إن المغرب شكل، ولفترة طويلة، أهم مصدر للكتب الموريتانية، سواء كانت شروحا أو تلخيصات، أو استنساخات لكتب معروفة.
وأورد عدة نماذج، لاقتناء العلماء الموريتانيين للكتب من المغرب، فسيدي عبد الله التنواجيوي، اقتنى مكتبة هامة من المغرب، وسيدي عبد الله بن محمد (المعرف بابن رازكة)، اقتنى أيضا مكتبة من المغرب، في حين كان الشيخ سيدي المختار الكنتي يتوصل سنوياً بدفعات جديدة من الكتب من فاس والقيروان، وكذلك الشيخ سيديا، الذي اشترى خلال زيارته لمراكش، قائمة كتب، بلغت 400 كتاب، و لائحة عناوينها لوحدها 14 صفحة.
واستشهد الباحث، بقول ابن طوير الجنة إن أحد شرفاء فاس، أعطاه كتاب “إضاءة الأدموس من اصطلاحات القاموس”، لصاحبه، سيدي أحمد بن عبد العزيز، وهي بخط يد المؤلف، وربما توجد تلك النسخة الآن في ودان، شمال موريتانيا.
وقال د. ولد الأمير، إن مكتبة المعهد الموريتاني للبحث العلمي، تزخر بالكتب التي عليها إهداءات وتمليكات من طرف علماء مغاربة لنظرائهم من الموريتانيين.
وأكد أن أبناء مايابي تركوا تأثيراً علميا واسعاً في المغرب والمشرق، وقد توفي أحدهم المغرب، وهو محمد العاقب، ودفن في فاس، وقال عنه المختار ولد حامدُن إنه أعلم أخوته الإثنى عشر.
الطرق الصوفية..وتأثير الموريتانيين
أبرز الباحث الدكتور سيدي أحمد أن الطرق الصوفية السائدة في موريتانيا، جاءت كلها من المغرب، وهي على الخصوص، القادرية، والتيجانية، والشاذلية.
وتحدث المحاضر عن تأثير العلماء الموريتانيين في المغرب، مستشهدا بتأكيد العالم محمد يحيى الولاتي بأنه أقام في الرباط، لمدة حوالي خمسة شهور، وأنه قام بتدريس بعض أكابر العلماء، فأخذوا عنه، واستنسخوا كتبه.
وكذلك لمجيدري بن حب الله، فقد أخذ عنه عدد من العلماء في المغرب وتتلمذوا عليه، وقد بلغ الأمر درجة أكبر من التيجاني الكبير بن بابه بن أحمد بيبه، فقد أخذ عنه كبار أعلام المغرب، وفي مقدمتهم سيدي العربي بن السائح، الذي شرح كتاب التيجاني بابه، المسمى (منية المريد).
وقد بلغ محمد الخضر بن مايابى من العلم والتأثير، لدرجة أن أخذ عنه السلطان مولاي عبد الحفيظ، العلم، وتتلمذ عليه.
وفي ختام المحاضرة، أكد الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير، أن المغرب قام بدور فعال وخلاق في إعطاء التفاعل الثقافي مع موريتانيا معناه، وقال إن محاضرته لم تسع لتحديد كيفية التفاعل، بقدر ما هي محاولة للتعريف بأدواته وأشخاصه وقنواته، والاقتراب من الموضوع.
وقال إن موريتانيا تتلمذت على المغرب في العلوم العربية والإسلامية، “”لكن هذا التلميذ سرعان ما شب واستوى عوده، فاستوعب علوم شيخه، فتمكن منها وصار أستاذاً دون أن ينسيه ذلك إجلال الشيخ واحترامه وتقديره، والإشادة به””. حسب تعبير الدكتور سيدي أحمد.
بعد ذلك، قدم الدكتور أحمد شكري، الأستاذ بجامعة محمد الخامس، والباحث في مركز الدراسات الافريقية، عرضا حول الثقافة والمجتمع في المنطقة، وتاريخ علاقتها بالمغرب.
في حين قدم الدكتور رحال بوبريك، هو أستاذ السوسيولوجيا والانتربولوجيا في جامعة محمد الخامس بالرباط، عرضا حول التبادل الثقافي، والتفاعل المشترك بين المغرب ودول جنوب الصحراء، مركزاً على نموذج مالي، وتحديداً مدينة تينبكتو، من خلال نماذج؛ من أبرزها أحمد بابا التينبكتي.
وقال بوبريك ـ وهو متخصص في الصحراء وموريتانيا ـ إن على الباحثين والدارسين تحييد النظرة السياسية لعلاقة المغرب بجنوب الصحراء الكبرى، قائلا إنها ليست علاقة هيمنة أو سيطرة، حيث أن النظرة السائدة أن الشمال دائما هو مصدر القوة والخير، غير دقيقة، مقدما أدلة على أن المغاربة استفادوا وتعلموا من الجنوب. مبرزا أن الصحيح هو أن العملية هي تبادل وتعاط وتثاقف.
ويعد رحال بوبريك، من أبرز الباحثين الصحراويين المغاربة، المتخصصين في مجال الصحراء وثقافة مجتمع البيظان، وهو يرأس مركز الدراسات الصحرواية في جامعة محمد الخامس، ويدير وحدة ماستر متخصص في الدراسات الصحراوية، ولدى بوبريك العديد من الكتب والدراسات، حول الصحراء وموريتانيا، باللغتين العربية والفرنسية.