شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في جامعة محمد الخامس بالرباط / آكدال، نقاش أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع، تحت عنوان :””سياسات الحد من الفقر ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا (مدينة نواكشوط نموذجا )””. للطالب الباحث الحسين ولد بديدي.
وحصلت الأطروحة، على مرتبة “مشرف جدا”، مع توصية بالنشر، من طرف لجنة النقاش التي ترأسها، الأستاذ المختار الهراس، أحد أبرز علماء الاجتماع في المغرب، ورئيس وحدة التغير الاجتماعي، والتنمية المحلية، وضمت كلا من محمد شقرون رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس، والأستاذ محمد الأشهب، والأستاذ عبد الغني منديب، المشرف على البحث.
أهداف البحث
وبحسب الباحث الحسين ولد بديدي، صاحب الأطروحة، فقد هدف البحث إلى عدة نقاط من أبرزها :
مناقشة سياسات الحد من ظاهرة الفقر ومنجزاتها، من خلال النتائج واستكشاف الآثار السلبية التي نتجت عنها، سواء تلك التي كانت لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة، ومنها الظروف المجالية والطبيعية والديموغرافية التي أثرت في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ـ القيام بدراسة نقدية لسياسات محاربة الفقر، التي اعتمدت رسميا على المستوى المحلي خاصة في مدينة نواكشوط (مجال الاشتغال)، مع ما يعنيه ذلك من تشخيص واقعي لأداء هذه الإستراتيجيات وتقديم لنتائجها المتحققة ، وتحديد لمكامن القوة والضعف فيها دون أن يعني ذلك أن نحكم عليها بالإيجاب أو بالسلب بقدر ما نقدمها كما هي .
ـ التعرف على الانعكاسات السلبية التي خلفها تبني بعض البرامج والسياسات التي استهدفت مكافحة الفقر ليس فقط على الساكنة والمستهدفين وإنما أيضا على البرامج والسياسات التي جاءت بعدها كحلول بديلة.
ـ تقديم بعض الاقتراحات البديلة، والأكثر ملائمة للمتطلبات العلمية والعملية. فالحديث الرسمي عن البرامج الإستعجالية للسكان الأكثر فقرا ، هو اعتراف ضمني وصريح ، بأن التقدم في تحقيق أهداف إستراتيجيات محاربة الفقر بطيء إن لم يكن غير موجود ، الأمر الذي جعل الوضع استثنائي ويستدعي حلولا عاجلة .
إشكالية البحث
وانطلق البحث من إشكالية مركزية من خلال طرح مجموعة تساؤلات مركزية من أبرزها : “”إلى أي حد استطاعت مختلف البرامج والسياسات الحكومية المتعاقبة الرامية إلى محاربة الفقر أن توفق في تحقيق ذلك ؟
أو بعبارة أخرى هل أدت البرامج والسياسات التي وضعتها الدولة الموريتانية في مجال محاربة الفقر الغرض المطلوب منها في تنمية البلد اقتصاديا واجتماعيا ؟
وهل استطاعت هذه السياسات أن تحدث تغييرات هادفة أثرت على واقع المنطقة المدروسة اقتصاديا واجتماعيا ؟”””.
وقال ولد بديدي إن منطلق هذه الإشكالية يتعدى مجرد القيام بتقييم إيجابي أو سلبي بقدر ما هو بحث عن مختلف أسباب النجاح للتأكيد عليها و تعزيزها وتحديد الصعوبات التي تحول دونها وذلك في أفق تجاوزها.
وأضاف “إنه نوع من التشخيص الذي يعتمد على الانطلاق من البرامج والسياسات المسطرة ليقسها على الواقع”.
خطة الدراسة
من حيث طبيعة المقاربة
قال الباحث الطالب إنه ركز في دراسته على الجانب التحليلي لظاهرة الفقر في موريتانيا معتمدين بصورة أساسية على المعطيات الرسمية بما فيها من أرقام وإحصاءات ودراسات وتقارير تتصل بموضوع الفقر، صدرت عن المكتب الوطني للإحصاء وغيره من المؤسسات العمومية، بالإضافة إلى ما كتبه خبراء واقتصاديون في موضوع الفقر وكذا على التقارير الدولية والمحلية التي تناولت الشأن الموريتاني في بعض جوانبه الاقتصادية والاجتماعية ، ناهيك عن الجانب الميداني للدراسة الذي مكننا من قياس مدى فعالية السياسات والبرامج التي نفذتها الدولة في مجال محاربة الفقر ومدى مصداقية الأرقام والإحصاءات المعلنة رسميا في التقارير والدراسات الحكومية ، حيث أنه ولاستكمال جوانب الدراسة كان من الضروري القيام بعمل ميداني واستجواب مجموعة من معيلي الأسر المستهدفة من سياسات مكافحة الفقر وكذا عدد من الفاعلين الحكوميين والخبراء.
وأضاف :”وهو ما قمنا به على المستوى الميداني ، وبطبيعة الحال فقبل النزول إلى الميدان ثم إعداد استمارة ودليل مقابلة ثم اختيار عينة متنوعة شملت معيلي الأسر والخبراء والفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين”.
أما بخصوص الأدوات السوسيولوجية التي اعتمدت بها في هذه الدراسة فقد تعددت هي الأخرى وتنوعت، حيث شملت إلى جانب تقنتي المقابلة والاستمارة تقنيتا الملاحظة وتحليل المضمون وذلك حرصا على معرفة أدق لمضامين ومرتكزات سياسات محاربة الفقر المنفذة ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها المرسومة .
من حيث المضمون
تتألف الأطروحة من أربعة أبواب وثلاثة عشر فصلا بالإضافة إلى مدخل عام للموضوع تليه مباشرة إشكالية البحث وفرضياته وأهدافه، وتقديم لمجتمع الدراسة، والعينة وخصائصها، ومنهجية البحث وتقنياته….. فبخصوص مضمون الباب الأول والذي يحمل عنوان الإطار النظري والمرجعي للبحث، فقد تضمن ثلاثة فصول ، تناول في الفصل الأول منها المفاهيم الرئيسية للبحث.
وقد ركز البحث فيه على مفهومي الفقر والتنمية سواء تعلق الأمر بالتحديد الإجرائي للمفهومين أو تعلق الأمر في العلاقة بين جهود التنمية ومكافحة الفقر أو بعبارة أخرى كيف يمكن أن تؤسس محاربة الفقر لعملية التنمية الشاملة بشكل عام . كما توقفنا فيه عند مفهوم ثقافة الفقر عند اوسكار الويس وكذا مقاربة جورج سيمل للفقر.
وفي ما يتعلق بالفصل الثاني من هذا الباب فقد تناول المؤشرات المعتمدة لقياس الفقر في موريتانيا ، حيث تعرضنا فيه وبشكل مفصل إلى أبرز المقاييس المعتمدة دوليا ومحليا في قياس الفقر، و يجد هذا الأمر مبرره في أن التحدي الأكبر والأكثر إلحاحا في الوقت الراهن أمام الحد من انتشار ظاهرة الفقر هو وضع مؤشرات قابلة للتطبيق على أرض الواقع تحدد الفقير من غير الفقير ، وبالتالي تكون أساسا لتحديد الفئات والشرائح المستهدفة من سياسات وبرامج محاربة الفقر ، وهو ما سينعكس إيجابا على نتائج تلك البرامج والسياسات.
أما الفصل الثالث والأخير من الباب الأول فقد تناول الفقر وتجلياته السوسيومجالية أو بمعنى آخر التوزيع الجغرافي للفقر في موريتانيا وكيف أثر ذلك على فعالية استراتيجيات مواجهته ، خاصة وأن البلد يعاني من اختلالات في التوزيع الجغرافي للفقر ، حيث يتركز الجانب الأكبر منه في المناطق الريفية.
وبخصوص الباب الثاني من الأطروحة فقد خصص لمنطقة البحث أو بعبارة أخرى مجتمع الدراسة : المميزات الطبيعية والديموغرافية ، حيث أننا في الفصل الأول من هذا الباب تعرضنا إلى مرحلة تأسيس مدينة نواكشوط كيف تطورت بفعل عوامل متعددة من بينها الجفاف الذي ضرب البلاد في بداية السبعينات كما تحدثنا فيه عن طبيعة الموقع الجغرافي للمدينة وكيف لاقت بداية تأسيسها صعوبات كبيرة.
أما الفصل الثاني من هذا الباب فتحدث فيه عن التوسع المجالي والديموغرافي للمدينة “مجال الاشتغال ” التي شهدت تطورا سكانيا مذهلا خلال العقود الأخيرة ، لكونها العاصمة السياسية ومركز نفوذ البلد، ناهيك عن ما تحويه من أنشطة تجارية وخدمية متعددة.
أما الباب الثالث من هذه الأطروحة فيحمل عنوان استراتيجيات مكافحة الفقر ، وقد تتبع الباحث فيه أبرز الاستراتيجيات والبرامج التي نفذتها الدولة الموريتانية في مجال محاربة الفقر والنتائج التي حققتها على أرض الواقع ، وذلك من خلال تناولها في أربعة فصول تضمنهم هذا الباب من الأطروحة ، بدء ببرامج الإصلاح الهيكلي ودورها في مكافحة الفقر، مرورا بالبرنامج الإطاري لمكافحة 1993ـ1996 وصولا لإستراتيجية مكافحة الفقر التي تبنتها الدولة في الفترة الممتدة ما بين 1998 ـ2001 وانتهاء بالإطار الاستراتجي لمحاربة الفقر 2001ـ 2015 مع التركيز بالأساس على تحليل نتائج مرحلتيه الأولى والثانية.
أما الباب الأخير من الأطروحة فيحمل عنوان الملامح العامة للفقر في نواكشوط، وقد تضمن هذا الباب أربعة فصول، و تعرض في أولها للمناطق العشوائية كمجال كاشف للفقر بمدينة نواكشوط. ويندرج تحليل وضعية السكن في هذا الدراسة ـ خاصة العشوائي منه ـ في إطار تقييم أبعاد الفقر الذي يمثل أحد المكونات الهامة للتنمية البشرية المستديمة، كما أنه يبحث في مدى فاعلية استراتيجيات مكافحة الفقر في جانبها المتعلق بالسكن.
أما في الفصل الثاني من هذا الباب فقد تناول فيه النساء في استراتيجيات محاربة الفقر المعتمدة رسميا، مركزين بالأساس على البرامج والسياسات التي استهدفت النساء في المدينة مجال الاشتغال ، ويجد هذا الأمر مبرره في أن تأنيث الفقر يعد من أبرز المشكلات المجتمعية التي تواجه بلدان العالم المتقدم والنامي على حد سواء.
أما الفصل الثالث من هذا الباب فقد تعرضنا فيه إلى ” إشكالية التشغيل والبطالة في سياسات وبرامج محاربة الفقر التي تبنتها الدولة ، حيث أنه أصبح اليوم من الثابت وبصورة متزايدة أن إيجاد وطائف مدرة لمداخيل مجزية هو أفضل طريقة لمكافحة الفقر ، وذلك من خلال خلق أنماط أجور تندرج ضمن منظور التنمية البشرية المستديمة، وقد توقفنا في هذا الفصل تحديدا عند أبرز السياسات الوطنية في مجال التشغيل، محددين مكامن القوة والضعف فيها ومبرزين للنتائج التي حققتها على أرض الواقع.
أما الفصل الرابع والأخير من هذا الباب بل ومن الأطروحة بشكل عام فقد تناول مكافحة الفقر في نواكشوط بين المعطيات الرسمية والواقع الميداني ، حيث حاولنا فيه وبشكل أكثر إيجازا وتركيزا إبراز حجم الهوة بين المعطيات المعلن عنها رسميا في الوثائق الحكومية كمؤشرات على مستوى التقدم في جوانب من الأهداف العامة لمكافحة الفقر والواقع الميداني.
واستند الباحث في ذلك على مقارنة بين النتائج المعلن عنها رسميا في بعض التدخلات والبرامج الخاصة التي استهدفت أساسا قطاعات : السكن والمياه والتعليم والتغطية الصحية ، وكذا على بعض النسب المعلنة حول معدلات انتشار الفقر خاصة في مدينة نواكشوط وكذا نسب البطالة والنشاط وبين معطيات الواقع الميداني للفئات المستهدفة من تلك البرامج انطلاقا من نتائج بحثنا الميداني.
وأخيرا خرجت الدراسة بجملة من الملاحظات والاستنتاجات كما قدمت بعض التوصيات.