احتضن المركز الثقافي المغربي بالعاصمة نواكشوط مساء الثلاثاء محاضرة القاها الدكتور أحمد ولد حبيب الله أستاذ الأدب الموريتاني ورئيس فريق المنارة للدراسات والبحوث والتحقيق تحت عنوان: الاداب المغاربية بين التغييب والحضور في تاريخ الادب العربي الحديث ،الادب الموريتاني نموذجا،وذلك بحضور عدد من رموز الثقافة والفكر والأدب وبعض الدبلوماسيين أبرزهم القائم بالاعمال في السفارة المغربية بنواكشوط.
وقد قدم للمحاضرة الدكتور محمد القادرى مدير المركز الثقافي المغربي معتمدا على أبرز النقاط الاساسية التي تتطرق لها المحاضرة وقال في هذا الاطار “: إن الحياة الأدبية في الوطن العربي عامة والغرب العربي خاصة أسرة واحدة متناغمة ومتكاملة وممتدة في الزمان والمكان، فلا حواجز ولا حدود بينها. والآداب المغاربية كانت وما زالت ذات شأن عظيم ودفق عميم بعدما تهيأت لها الأسباب والأدوات الفنية التي مكنتها من تأكيد ذاتها وتفاعلها وانفعالها بغيرها، فحافظت على شعلة الأدب العربي منيرة وهاجة تبدد الظلام والجهل والغلو والتطرف في الغرب الإسلامي والقارة السمراء، في الوقت الذي كانت فيه صافية نقية، قوية بعيدة عن الضعف والجمود والركود وغير ذلك من أمراض الأدب في المراكز الكبرى كبغداد ودمشق والقاهرة، كما يقول الدكتور محمد محمد طه الحاجري المصري والأستاذ عبد الله كنون المغربي والأستاذ سيدي أحمد ولد الدي الموريتاني.
وأضاف الدكتور قادري إنه يضيف على ما تفضل به الدكتور أحمد ولد حبيب الله، أن هنالك نص بليغ لابن خلدون في مقدمته، يقول فيه بهذا الشأن: ” إن كانت الأمصار العظيمة التي كانت معادن العلم قد خربت، مثل البصرة والكوفة، إلا أن الله قد أدال منها بأمصار أعظم من تلك. وانتقل العلم منها إلى عراق العجم بخراسان وما وراء النهر من المشرق، ثم إلى القاهرة وما يليها من المغرب”،
اما المحاضر احمد ولد حبيب الله فقد تطرق للعلاقة بين الشرق والغرب ،تلك العلاقة المحكومة دائما بالصراع والسعي الحثيث من قبل المغاربة لإثبات الذات في مجال الادب والفكر رغم تحفظ او رفض المشارقة،ولهذا يضيف المحاضر”رغم ذلك ما فتئ المغاربة يجأرون بالشكوى من التغييب أو التجاهل لآدابهم في المركز بعد ما بات من البديهي أن الأخذ يعقبه العطاء والاستفتاء يأتي بعده الإفتاء والإملاء يفضي إلى الاستملاء والإجلاء يؤدي إلى الاستجلاء والإجازة والاستجازة والحوار والمحاورة والمناقشة والمثاقفة بين الأشقاء والأصدقاء ثم التلاقح والتبادل ثم الاختراع والإبداع….
ومضى يقول “كما أضيف على ذلك ما ورد في مقال جيد نشر في الصيغة الإلكترونية لمجلة الثقافة المغربية التي تصدرها وزارة الثقافة بالمغرب للباحث الدكتور د. عبد الدين حمروش: حول موضوع
المحيط والمركز في علاقة المغرب بالمشرق ثقافيا
من بين ما جاء فيه:
في تاريخ مضى، استقبل كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي في المشرق، بعبارة “بضاعتنا ردت إلينا”. كانت العبارة، بالتأكيد، مؤشرا فعليا على استكمال المركزية المشرقية مختلف مقوماتها، بعد تمددها جغرافيا من الشرق إلى الغرب: من بلاد فارس، عند حدود الهند والصين، إلى المغرب الأقصى، وشماله ممثلا في شبه الجزيرة الإبيرية.
ويتابع الباحث قوله بأن هذا التمدد كان جارفا، بحيث صهر، في بوثقته، مختلف الثقافات لتصير، بالتالي، عنصر غنى وتنوع للوافد الجديد. كل ذلك تم بتسويغ ديني، في ظل راية خفاقة، لم يكن حملها سهلا بوجه شعوب قضت من المدنية والحضارة عصورا، إن لم يكن قرونا. إنها سطوة التاريخ، التي ما انفكت تحكم بقبضتها أمر توزيع “صكوك” الحضارة على مختلف ساكنة المعمور، تحت طائلة نضج شروط موضوعية معينة. وقد عبر عن هذه السطوة شاعر أندلسي بحكمة مرة، توفرت له جراء معاينته سقوط أوراق الأندلس، الواحدة تلو الأخرى.. والشاعر هو أبو البقاء الرندي .
إن التداول الحضاري بين الشعوب، من يد إلى يد، مثلما يحصل بين الحضارات المختلفة، لا يندر أن يحصل، أيضا، في ظل الحضارة الواحدة، أي من مركز إلى آخر، كما هو الحال بالنسبة لنموذج الحضارة الإسلامية، أي في انتقال عنوان السلطة، في كل تجلياتها، من صفحة إلى أخرى: من دمشق إلى بغداد، إلى قرطبة، إلى فاس، فإلى القاهرة، ثم إلى إسطنبول.
وقد اعتبر العرب الوافدون إلى المغرب، جزءا من عملية تمدد المشرق في المغرب، نظرا لكونهم يشكلون جزءا من ذلك التراث الثقافي، ومن ديناميته. فانخراطهم في ذلك التراث، باستعادته قراءة وإنتاجا، لم يكن أمرا غريبا، وذلك باعتبارهم ” ورثة” شرعيين له، مثل باقي إخوانهم في مختلف الأمصار العربية. وحتى بالنسبة للسكان المحليين، الأمازيغ في حالة المغرب الكبير، فإن اندماجهم في سيرورة الثقافة العربية، جعل منهم عربا بالعقل والروح، مثل باقي نظرائهم في بلاد فارس، وغيرها من بلاد العجم: سيبويه، الجاحظ، عبد القاهر الجرجاني، أبو تمام، ابن الرومي، بديع الزمان الهمداني، أبو الحسن اليوسي، أبو محمد القاسم السجلماسي، وغيرهم كثير ممن تفيض بذكرهم كتب السير، والتراجم، وما إلى ذلك.
وقد عقب على المحاضرة عدد من الحاضرين كالشاعر احمدو ولد عبد القادر والكاتب الولى ولد سيدي هيبة وغيرهم ،تمحورت مداخلاتهم حول العلاقة الشائكة بين المغرب والمشرق وما قدمه المغاربيون من ابداع في مختلف المجالات.