“صحراء ميديا” تستكشف مناحي الحياة في مدينة قامت على أنقاض “خطوط التهريب وصراع العصابات”
انبيكت لحواش – محمد ولد زين
قبل عامين قررت الحكومة الموريتانية أن تستحدث مقاطعة جديدة في منطقة ظلت لسنوات خلت مطافا لشبكات التهريب والعصابات؛ فاختارت منطقة “اظهر” المهجورة بالحوض الشرقي؛ لتعلن عن إنشاء مقاطعة “اظهر” الجديدة وعاصمتها “انبيكت لحواش”؛ الواقعة حاليا عند منطقة كانت تعرف بـ”لكراع لزرك”؛ بعد ان رفض سكان “انبيكت لحواش” الأصليون إقامة المقاطعة المستحدثة عند بئرهم؛ فازاورت الحكومة عنهم ذات الشمال وعلى بعد 25 كليومترا؛ كي تنشأ المدينة الجديدة “محتفظة بذلك الإسم؛ احتراما لهيبة الدولة”؛ يقول محمد يسلم.
على بعد 160 كليومترا شرقي مدينة النعمه؛ عاصمة ولاية الحوض الشرقي؛ وفي منطقة صحراوية قدر لـ”انبيكت لحواش” أن تكون؛ فكرت الحكومة وقدرت فأنشات 12 مبنى إداريا؛ من الطراز الجيد، يحتوى في العادة سكنا للعمال لترغبيهم في القدوم إلى منطقة نائية حكاياتها مع العزلة فصول لا تنتهي.
كان علينا أن نجرب وعثاء طريق وعر وغير سالك به من المطبات الشيء الكثير؛ “هنا يحظر بشكل بات تحرك السيارات ليلا”؛ يضيف “زايد” دليلنا؛ وهو سائق خبر المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
الطريق إلى “انبيكت لحواش” يتطلب المسير ثلاثة ساعات ونصف عبر محورين؛ اختار دليلنا أحدهما يشق تجمعين سكنيين فقط؛ وما سواها تفرض الطبيعة إملاءاتها موحية بصعوبة ما هو قادم.. سلاسل رملية وحيوانات سائبة؛ وأحيانا دوريات عسكرية عليك الامتثال لأوامرها والتوقف أمتارا منها.. وإلا سيتم قصفك.
بعد أن اجتازت سيارتنا بصعوبة بالغة الحجاز الرملي المحيط بـ”انبيكت لحواش” واستنفد سائقها كافة وسائل المساعدة؛ وتحت صفارات عناصر الدرك والتلويح بالبنادق؛ التي يراد منها لفت انتباهنا أننا دخلنا من الجهة الخطأ؛ توقفنا لدقائق عند نقطة تفتيش الدرك الوطني وبدا عناصر الكتيبة صارمين.. نبهوا دليلنا أن المدينة يتم دخولها عبر ممر واحد؛ وأن عليه ان يدرك ذلك مستقبلا.. دققوا في هويتنا للحظات؛ قبل أن يرد قائدهم ببتسامة عريضة “مرحبا بصحراء ميديا هاهنا”.
“انبيكت لحواش”.. كما بدت لنا
على الأرض؛ وبلغة المعطيات تحتضن عاصمة مقاطعة “اظهر”؛ مستوصفا صحيا بطاقم من 4 ممرضين ودكتور؛ و”لا يتوفر على سيارة إسعاف؛ ويعاني نقصا حادا في الأدوية”، مما جعل الأطباء يوفرون “الأدوية عبر صيدليات خاصة”؛ حسب تعبير سيدي أحمد.
وفي مجال التعليم؛ تتوفر “انبيكت لحواش” على مدرسة ابتدائية من 6 حجرات؛ و3 مرافق ومسكن لطاقم التدريس؛ وعددهم 5 معلمين ومدير؛ يرتاد هذه المؤسسة اليتيمة قرابة 230 تلميذا؛ منذ افتتاحها قبل عامين؛ يقول المعلم المزدوج “كيلي جوبو با”؛ 35 عاما.
ويزاوج تلامذة هذه المدرسة بين التعليم النظامي و المحظري؛ في مدينة تضم 4 محاظر قرآنية عريقة.
وفضلا عن ذالك تتوفر انبيكت لحواش على مجموعة من المباني الحكومية: مثل مبنى المقاطعة، الحالة المدنية، الدرك، الشرطة، الحرس الوطني، المستوصف، صونلك، البيطرة.. ولا تتوفر المدينة المستحدثة على مسجد؛ وهو “أمر غير مفهوم”؛ يضيف الشيخ أحمد.
وفي مجال المياه؛ تحتوي “انبيكت لحواش” على مضختين إحداهما تابعة للمقاطعة بسعة 19 طنا للساعة؛ وتؤمن الماء الشروب للساكنة؛ في حين تخصص المضخة الثانية لمشروع الخضروات و المزرعة النموذجية؛ وهذا المشروع يقع على مساحة 300 هكتار كقطعة صالحة للزراعة؛ تستغل منها حاليا 500 متر مربع؛ وتستهلك 210 أطنان من المياه يوميا.
اعل بوي ولد بمبه؛ 36 سنة؛ مسير شبكة المياه ومشروع الحزام الأخضر بـ”انبيكت لحواش”؛ أكد لصحراء ميديا، أن الماء متوفر بما فيه الكفاية عبر مضختين تزودان حاليا السكان بالماء الصالح للشرب؛ وقد تم حتى الآن “إدخال المياه لـ 20 أسرة، بالإضافة إلى 11 حنفية للمباني الحكومية، و10 حنفيات عمومية تبيع الماء بسعر زهيد لمن لا يتوفرون على حنفيات منزلية”؛ وفق تعبيره.
وشدد ولد بمبه؛ على أن خدمة المياه “ستعمم على الجميع في القريب العاجل”، بعد الانتهاء من إنجاز 1000 توصلة مجانا تعهدت بها مؤسسة النفاذ الشامل؛ مشيرا إلى أن هناك “نقصا في الحاسبات”.
وأضاف مسير مياه انبيكت لحواش؛ أن المدينة تتغذي على بئرين أحدهما يوفر 45 طنا و يقع على عمق 105 أمتار؛ والثاني ينتج 158 طنا؛ على عمق 102 مترا؛ منها 75 مترا من المياه.
أما الكهرباء فيتم توفيرها للساكنة خلال فترتين في اليوم؛ الأولى تبدأ من الساعة 9 صباحا وحتى 2 ظهرا؛ و الثانية في المساء من 7 إلى 10 ليلا؛ وتستفيد 20 أسرة فقط من أصل 500 أسرة من خدمة الكهرباء؛ والسبب عائد إلى السكان أنفسهم فأغلبهم لم يجرب يوما سوى المصابيح ولا يلقي بالا للكهرباء.
ويقول السكان إن اشتراك الكهرباء كان في السابق 2000 أوقية؛ و هو اليوم 41000 أوقية؛ مما جعل أغلبهم “لا يستطيع الاستفادة منها نظرا لغلاء سعر الاشتراك”؛ وفق تعبير محمد ولد سيدي.
شواغل الساكنة
رغم عمرها القصير؛ وحداثة نشأتها وما تتوفر عليه من منشآت خدمية لاتتوفر عليها مقاطعات سبقتها من حيث النشأة والنمو الديمغرافي؛ إلا أن الساكنة هنا تشكو من عديد الصعاب يتصدرها في المقام الأول مشكل العزلة؛ الذي يجعل الوصول إلى هذه المدينة محصورا في رحلة أسبوعية يسيرها التجار في محجتهم لتسويق بضائعهم من مدينتى النعمه وباسكنو فيما بات يعرف محليا في انبيكت لحواش بيوم “الصوك” في إشارة إلى السوق الاسبوعي الذي ينعش الحركة التجارية ويكسر جوانب من هدوء ساكنة خبرت العزلة وعايشت الهدوء ردحا من الزمن.
مشكل النقل مزمن هاهنا؛ بفعل عدم وجود سيارات تزاول النقل بين انبيكت لحواش وعاصمة الولاية؛ ويبقي يوم “السوق” المتنفس الوحيد لمن يريد المجيئ أو مغادرة المدينة؛ ويتطلب الأمر دفع رسوم تتراوح مابين 2000 أو 5000 أوقية بالنسبة لنقل الاشخاص؛ ولنقل الأمتعة حكاية أخرى ورسوم تصل 800 أوقية مقابل نقل خنشة القمح مثلا؛ حسب تعبير محمد يسلم ولد محمد؛ 59 عاما رئيس منظمة “التيسير” غير الحكومية؛ وأحد أعيان المنطقة.
القطع الأرضية هاجس يؤرق سكان “انبيكت لحواش”؛ خاصة فيما يعرف هنا بـ”القطاع التجاري”؛ الذي وزعت قطعه الأرضية على 3 رجال أعمال نافذين في ولاية الحوض الشرقي؛ حسب إفادات السكان.
محمد ولد سيدي ولد أحمدو 53 عاما؛ تاجر ومنمي؛ قال لصحراء ميديا؛ إن كل قطعة في الشارع التجاري دفعت عنها رسوم لاتتجاوز 12000 أوقية؛ وقد حصل عليها “سياسيون ورجال أعمال ليسوا من أهل انبيكت لحواش، ويحظر على المواطن العادي التواجد في شارع التجار ولم يحصل أي مقيم على قطعة فيه”؛ على حد تعبيره.
من جهته اعتبر الوجيه محمد يسلم؛ أن كل مواطن مقيم حصل على قطعة أرضية بمقاسات 20x 30 متر؛ ويدفع عنها رسوما تبلغ 2000 أوقية؛ مشيرا إلى أن القطاع التجاري “حرم منه السكان ومن يستخدمونه حاليا وفق نظام الاعارة وليس الملكية”؛ حسب قوله.
وللجفاف قصة في هذه الربوع وتداعياته يحدثك عنها الجميع؛ بدءا بأحوال الماشية وأسعارها المنخفضة؛ فنقص الأعلاف وغياب تدخل الدولة؛ ويؤكد المواطنون هنا أن الدولة استثنتهم من خطة أمل 2012 ومن قبلها التضامن؛ في حين تعاني حوانيت الدمج من نقص في بعض المواد الغذائية التي يكثر عليها الطلب.
ولا تذكر الساكنة هنا سوى تلك المساعدة التي قدمتها الحكومة الموريتانية عام 2011 والمتمثلة في توزيع 900 خنشة من أعلاف الحيوان مجانا على السكان؛ يضيف الشاب سيدي أحمد.