يزيد طولها عن 18 ميلا.. وتعاني تسرب الأسماك وانجراف التربة وفقدان سوق محلي
كنكوصه ـ الرجل بن عمر
مع خيوط الفجر الأولى يدلف الصياد الموريتاني الشيخ عمر كي وبعض الصيادين لتثبيت شبابيكهم في مواضع مختلفة من أعماق تلك البحيرة، التي ألفوا اصطياد أسماكها على مرمى حجر.
بحيرة كنكوصة رحلة 18 ميل عبر مياه شريط كاراكور، تقسم المدنية الصغيرة؛ جنوب شرقي موريتانيا إلى شاطئين تنشط في ربط اوصالهما زوارق صغيرة وقودها المجداف المحرك للمياه الراكدة.
الصياد الشيخ عمر كي – 42 سنة؛ هو أحد الصيادين القلائل الذين يؤمنون بالبحيرة لدرجة التوكل، وهو من الرجال القلائل؛ الذين عرفوا بصيد السمك عن طريق السباحة.
سليل “فوديا كي” جد أول أسرة استوطنت المدينة منحدرة من مدينة مقامة بولاية كوركل جنوبي موريتانيا؛ حيث اعتادت الأسرة السوننكية، الترحال في مواسم للصيد قبل أن تقرر أخيرا الاستقرار على الحاجز الرملي في الشاطئ الرئيس للبحيرة.
تحتضن البحيرة ذات المياه الدافئة أسماكها التي تتكاثر أثناء فصل الخريف، ويعتبر الصيف الموسم الذهبي لصيد أسماكها، فيقبل عليها السكان على اصطياد مختلف أنواعها “صادفو” و”السمك الأسود” و”الفور”؛ كما يصدر جزء منها لبعض القرى المالية المحاذية للمدينة كقرية “أزويمليه”؛ 30 كلم إلى الجنوب الشرقي.
يقول عمر كي؛ السكان يأكلون كل ما نصطاده من أعماق البحيرة؛ حتى أن البعض يشتري كميات أكبر من حاجته لتحويلها لاحقا إلى سمك مجفف؛ خاصة أثناء ارتفاع منسوب مياه البحيرة إبان فصل الخريف.
ومع تنامي إقبال العشرات من الصيادين على حرفة الصيد، حصل تحول جذري في العادات الغذائية للسكان، الذين اصبح السمك يتصدر موائدهم الرئيسية.
وتتوفر البحيرة على عدة محاور للصيد تبدأ من محور كنكوصة، مرورا بمحوري آكماميل1 وآكماميل2 ووقوفا على محور “غار الله”؛ 18كلم جنوبي البحيرة التي تمون السوق المحيلة بأطنان الاسماك الطازجة.
تباع أسماك بحيرة كنكوصة بأسعار لا تتجاوز 600 أوقية للكغ مقابل 900 أوقية بالنسبة للأسماك التي تحملها الدراجات النارية إلى قرى مالي المجاورة.
كثير من الصيادين الكبار من أمثال فوديا كي جمعوا ثروتهم من الماء، لذلك منعوا أبناءهم من دخول المدارس النظامية خوفا من انصرافهم بعيدا عن البحيرة، هكذا يروي ـ عمر كي عن والده.
ويضيف لم يورث لنا الآباء غير البحيرة ونحن لا نملك إلا أن نصونها كما يصان العهد مع السلف، على الرغم من أن عطاءها غالبا ما يكون على اساس الحظ والنية الحسنة.
مشاكل..
عدد من الصيادين بمحور “آكماميل2” يواجهون مشكلة عويصة سببها انجراف التربة الذي يحول دون استقرار الأسماك بأعماق مصائدهم التقليدية.
لا حقا يتفاقم المشكل حين تزداد قوة الفيضان، الذي يركب أمواجه العاتية قادمة من مقطع “أسفيرة” بولاية لعصابة بعد أن دمرته المياه السنة الماضية.
هذا العصف المناخي الهائج؛ حدث أن جرف المحاور الصيدية الأربع بالمدينة وأدت أمواجه إلى تسرب اسماك البحيرة بإتجاه كاراكورو مرورا ببحيرة كورغل لغاية مصب نهر السنغال وشكلت الحادثة نكسة أليمة؛ يعلق أحد الصيادين.
وفي المقابل يطالب هؤلاء ببناء سد بآكماميل1 وآكماميل2 ليمنع تسرب الأسماك أثناء مواسم الفيضان، وفي مخيلتهم سد محاك لسد فم لكليته أو ماننتالي؛ حيث يتسنى لهم التحكم في حركة الأسماك وكذا تسيير المياه التي تزور البحيرة.
ورغم أن حرفة الصيد تكسب المرء مهارة الصبر في صمت؛ لكن معاناة صيادي بحيرة كنكوصة تخرجهم عن الروتين فيتهمون حكومة بلادهم بغض الطرف عن معالجة أسباب تسرب اسماكهم إلى مياه بعض الدول المجاورة في إشارة ضمنية لجمهورية السنغال.
ويضيف هؤلاء “طلبنا من وزارة الصيد فريقا فنيا لتعميق بعض المحاور من أجل منع أسماكنا من التكاثر خارج المياه الإقليمية الموريتانية، خاصة بعد أن أحدثت جروف ساهمت في هجرة كميات معتبرة، “كان يقف وراءها إفواريون وسنغاليون”؛ يقول الصيادون.
وفي سياق متصل يقول هؤلاء” توجهنا ـ كذلك ـ إلى السلطات البلدية لمنح قطعة أرضية لإقامة سوق لتسويق الأسماك بالمدينة، للتخفيف من الضرائب وغلاء أسعار الإيجار لكن الرد كان صادما كطلبنا توفير ثلاجات كبيرة لصيانة المنتوج.
لم يشح الصياد عمر كي؛ بوجهه عن البحيرة وهو يروي قصصه مع الماء، رغم النرفزية التي انتابته قليلا بشأن شائعة نضوبها سنة 1969؛ كما تقول بعض الروايات المحلية.
إطالة النظر في البحيرة بالنسبة لشاب سوننكي لا يروق له العمل على متن إحدى السفر الكبرى عبر شواطئ نواذيبو، إلا في حالة عبورها إلى القارة البيضاء، هو وداع ضمني يمهد لهجرة يصر صاحبها على أن تكون شرعية.