كلف خزينة الدولة 30 مليون دولار.. وأثار جدلا دينيا كبيرا.. وشكوكا حول نزاهة الرئيس
دكار ـ سعيد ولد حبيب
رجل مفتول العضلات ممشوق العظام يحمل رضيعا يشير بسبابته الى الفضاء بين ساعده وذراعه ثم تتكئ على جنبه سيدة افريقية والثلاثة شبه عراة كأنهم يتطلعون الى شيئ بعيد وقفوا جميعهم على رأس تلة في منطقة هي الاكثر ارتفاعا في العاصمة السنغالية لكنها ايضا هي الاكثر فقرا.. لقد رسمت اللوحة بعناية كحلم قريب المنال.
يثير المجسم الذي بناه مهندسون كوريون وصممه نحات سينغالي، وانتهت الاشغال فيه قبل سنتين فضول مواطني السنغال؛ البلد الذي لا يملك موارد اقتصادية ويعول فقط على مداخيل السياحة التي تشكل نسبة تفوق 60 بالمائة من الناتج الاجمالي.
تمثال النهضة الافريقية؛ كما أطلق عليه، يثير كذلك جدلا دينيا واجتماعيا وسياسا في أوساط السينغاليين؛ إذ يرى فيه بعضهم تحفة قيمة قد تجني منها البلاد اكثر مما صرفت لإنجازها، فيما يراه آخرون رمزا لفساد حقبة الرئيس السابق عبد الله، وقد تكون لدعاية منافسيه في انتخابات إبريل الاخيرة ضد انشائه نصيب الأسد في إلحاق الهزيمة به في الانتخابات الرئاسة التي فاز بها مرشح المعارضة ماكي صال.
تحفة … أم سخافة …؟
أكثر من 30 مليون دولارا انفقت على هذا المجسم في احدى ضواحي العاصمة السنغالية دكار،.. بين حيي ميرموز ومال قرب الكورنيش ينتصب تمثال القارة الافريقية، وهو فكرة من رئيس البلاد السابق عبد الله واد أراد من خلالها تصوير حلم أبناء القارة في التطلع إلى غد أكثر إشراقا بعد عهود من الرق والأصفاد.
تطل العاصمة السنغالية على جزيرة غوري في الاطلسي حيث شهدت تهجير عشرات الالاف من السود كانوا يوضعون في سلاسل ويباعون إلى أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، ومن ذلك استلهم واد فكرة التحرر ليحاول تجسيدها.
يقول مناصرو واد ان العجوز الذي قارب التسعين خريفا لا يريد ن تنتهي مأموريته دون ان يترك للسنغاليين أثرا يذكرونه به بعد رحيله، لكنه بإقامته لذلك التمثال أشعل ازمة في بلاده، حيث اعتبره البعض أحد أهم العوامل التي ساهمت في خسارة الرئيس السابق للانتخابات، فلم يكن واد مقتنعا ان مثل هذه الافكار غير السوية من شيخ فقد التركيز في تفكيره يمكن ان تسبب كل هذا اللغط؛ يقول صحفي السينغالي.
جدل ديني
تدين السنغال بنسبة تناهز 95 %بالإسلام ، وغالبية السينغاليين مسلمون متصوفون، ورغم الطابع العلماني الليبرالي للدولة الحديثة فان لرجال الدين هيمنتهم وهيبتهم، كما ان لهم الدور البارز في منح بطاقة المرور الى القصر في جمهورية السينغال، لذا حاول واد تمرير مشروع التمثال من خلال اقناع المرجعيات الدينية بأهميته من الناحية الاقتصادية لكنه فشل في تسويق ذلك لهم رغم اغراءاته، فلا يزال التمثال رغم اكتمال الاشغال فيه يثير سخط المتدينين ويعتبرونه عارا لدولة مسلمة، قائلين إن أي شخص سيصاب بالاشمئزاز أمام ذلك المشهد المقزز الذي يعود بالسنغال الى عهود الوثنية، فليس من المقبول تجسيم الاشياء بهذه الطريقة لان ذلك لا ينبغي في دولة مسلمة؛ يعلق مواطن سينغالي في سوق كالوبانو الشعبي وسط داكار
واعتبر الكثيرون ان واد الذي كان يريد ان يحصل على 35 بالمائة من مداخيل متوقعة للتمثال قد اهدر ميزانية كبيرة كان يمكن ان تستغل في مشاريع لتوظيف جحافل العاطلين في بلد لا يملك موارد وقد تم انشاء المجمع المذكور عن طريق عملية مقايضة بارض مملوكة للدولة بحيث لم يتم دفع المال نقدا لكن ذلك لم يزد الكثير من مواطنيه الى تشكيكا في قصده وانتقادا له.
دائما يقول واد ان الافكار هي التي تصنع المال، لكن فكرته وهو في خريف عمره قد جلبت له الخسارة والنقد وادت الى عزوف السنغاليين عن تأييده، وهو الذي كان يعول عليهم في انتخابات الرئاسة الاخيرة، والتي كان يريد ان يختم بها مشواره السياسي ليترك لابنه كريم واد ذي الام الفرنسية ميراث السلطة والمال.
لحسن حظ السنغاليين ان مخططات العجوز قد احبطت لتزامنها مع الثورات العربية، وتأثر اكثر من بلد افريقي من تلك الاحداث التي غيرت مجرى التاريخ لكثير من البلدان؛ يعلق مواطن سينغالي يقطن في الحي الذي يقع فيه التمثال .
فمن المفيد الاستثمار في الفنادق والمنتجعات السياحية الاكثر فائدة خاصة وان داكار جربت تميزها في ذلك من خلال تمتعها بأرقى المنشآت الفندقية في القارة السمراء، واكبر دليل على ذلك هو وجود فندقين فخمين يساهمان بفاعلية في السياحة والتشغيل.
من بعيد يرى الزائر الى داكار تلك المعلمة فقد بنيت على تل مرتفع وحفت بالنباتات الخضراء ومراكز الاستجمام والراحة، وهي تشبه في فنها التماثيل في العهد السوفيتي وقد غضب السنغاليون على ذلك معتبرين ان عاصمتهم التي تفتخر بتمثال النهضة انما تحتفي بتماثيل تحيلك الى مجسمات ماو ولينين .
نزاع..
في أوج زهو رئيس السينغال السابق بتدشين التمثال البروزني، ادعى نحات سينغالي مشهور اسمه عثمان صو انه هو صاحب الفكرة، وقال صو للصحافة “انا من اقترحت المشروع وصممته في ذهني قبل أن يوجد على الارض، لكن واد سرق الفكرة كما سرق مال الشعب السينغالي”.
دافع واد عن تبنيه للمشروع والفكرة وقال لقد كلفت بيير غوديابي ببنائه وهو نحات وبناء ماهر وقد انجز الحلم.
وواجه التمثال انتقادات من الفنانين والمعماريين في السينغال، حيث اعتبروه ضربا من التخريف لا يمتلك أي قيمة فنية ولا معمارية، فهو ليس تحفة بل هو سخافة، واعتبر الكثير منهم انه لا معنى لتمثال يترجم النهضة الافريقية، فلا افريقيا نهضت ولا هي في طور النهضة، ولكن يمكن لأي رئيس يستغل السلطة لجمع المال أن يقدم الحجج والذرائع لهدر أموال الشعب.
أما اليوم، وبعد هزيمة واد في الانتخابات الرئاسية، فقد طالب الكثيرون في السينغال بضرورة تصريح الرئيس السابق بممتلكاته حتى يتأكد المواطنون من عدم استغلاله لثروة البلاد للتربح من إنجاز مشروع تمثال النهضة الإفريقية؛ على حد قولهم.