في آخر مؤتمر لحزب الشعب عام 1978، أجمع المؤتمرون على مطالبة الرئيس المختار ولد داداه بأن يتمسك بالسلطة ليبقى رئيساً لموريتانيا مدى الحياة، كان ولد داداه يستمع لمداخلات المؤتمرين، قبل أن يعقب عليها بالقول: «إن في الخمر معنى ليس في العنب»، فهل يرضى محمد ولد عبد العزيز أكلَ العنب بعد أن اعتاد خمرَ السلطة.
ذلك هو السؤال الذي ظل يطرحه الموريتانيون منذ أن خفت بريق المأمورية الثالثة، وانتخب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً للبلاد، سلمه ولد عبد العزيز السلطة وغادر بهدوء مشوب بكثير من الحذر، تاركاً أبواباً كثيرة نصف مفتوحة خلفه، من أبرزها باب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ومقعد رئيسه الشاغر.
انتظر الموريتانيون لأكثر من ثلاثة أشهر، قبل أن تبدأ شظايا الإجابة على سؤالهم تتناثر، فعاد ولد عبد العزيز بشكل مفاجئ من عطلة خارج البلاد، ودون أن يضيع الوقت عقد اجتماعاً مع لجنة تسيير الحزب الحاكم، معلناً بداية دخوله المعترك السياسي، وهو الذي يحمل صفة «رئيس سابق».
ولكن بدا واضحاً أن ولد عبد العزيز يدخل الساحة السياسية وهو لا يحب صفة «رئيس سابق» التي لم يرد ذكرها في بيان لجنة تسيير الحزب، واستبدلت بصفة «الرئيس المؤسس» للحزب الذي يوصف بأنه هو «الحزب الحاكم»، ما يعني أن الرجل يرى نفسه «شريكاً» في الحكم، شراكة لم يسبق أن تحققت في موريتانيا، فالمقعد هنا لا يقبل القسمة على اثنين.
ربما اعتقد ولد عبد العزيز أن صديقه ورفيق دربه سيترك له حرية دخول الساحة السياسية، والهيمنة على أكبر حزب سياسي في البلاد، الحزب الذي يمتلك أغلبية مطلقة في البرلمان تخوله تشكيل حكومة وحجب الثقة عن أخرى.
لقد كانت هيمنة ولد عبد العزيز على الحزب الحاكم تعني أنه سيكون شريكاً قوياً في الحكم، لا مناص من الخضوع له أو مواجهته، وقد حدثت هذه المواجهة مبكراً لأنها كلما تأجلت كانت أشد وأكثر وطأة على البلد.
لم تكن المواجهة مباشرة بين «الصديقين اللدودين»، وإنما جرت مواجهة على رقعة «الحزب الحاكم» حيث تضاربت البيادق فيما بينها، لينتصر معسكر «ولد الغزواني» الهادئ، والذي جسد الأمل والمستقبل الواعد، بينما خسر معسكر «عزيز» المنهك، والذي كان يمثل الماضي المتوتر وسنوات التصعيد والتأزيم.
لقد أراد عزيز أن يكسر قاعدة الرؤساء الذين سبقوه، فكسرته القاعدة، وانضم إلى سرب الرؤساء الذين اكتشفوا وهم خارج السلطة أن السياسة من خارج القصر ليست بتلك السهولة واليسر.