إنه لمن دواعي الغضب الشديد واستنهاض غيرة الأمة على هتك حرمات مقدساتها، قيام بيرام ولد اعبيدي بحرق أمهات كتب المذهب المالكي،التي تختزن بين دفتيها الأحكام الشرعية المستنبطة من أزاهير آي الكتاب الكريم، والسنة النبوية المطهرة ،التي تهرع الأمة إلى ظلال دوحتهما الوارفة في نوازلها الدنيوية والأخروية.
ولئن كان ذلك التصرف الأرعن والمستهتربمشاعرالأمة في مشارق الأرض ومغاربها ،سينضاف لامحالة في رمزيته الشنيعة إلى سجل حرق ا”لتتار” لمكتبة بغداد العظيمة والزاخرة آنئذ بنفائس الكتب التي لاتقدر بثمن، فإنه كذلك قد وضع أمامنا صورة فاقعة لفكروعقيدة بيرام ولد اعبيدي،وللبرنامج الخطير الذي يحمل بين جوانحه تجاه معتقدات وثوابت الشعب الموريتاني خاصة والشعب المغاربي ،بل والأمة الإسلامية عامة،علما بأننا كنا نتوقع كغيرناعودة الرجل إلى جادة الصواب، وأن يرعوي ارعِواء بعدما تتكون لديه الخبرة السياسية الكافية، ويتقن فن دغدغة مشاعر رجل الشارع، لكن يبدو أن ذلك التوقع لم يكن في محله البته.
ذلك أن الكلام المصاب بمرض فقر الرصانة (وغلظ الحاشية) لم يكونا يوما من الأيام من شيمة القادة الطامحين إلى احتلال الصدارة في المشهد السياسي لأوطانهم ، ولا كذلك من صفات القادة الكبار الذين يحملون رسالة مثلى وغاية أسمى إلى مجتمعهم، تهدف إلى تنوير العقول وصقلها من الرواسب الاجتماعية البغيضة المتراكمة عبر الأيام والسنين في الذاكرة الجمعية للمجتمع، إذ لايتصورأن يتأتى ذلك مطلقا إلا فيمن كانت شخصيته متوازنة وقادرة على احتلال حيز كبير من جغرافية عقول المجتمع وقادة الرأي فيه، الأمر الذي جعلنا نقول من صميم قلوبنا، ليتك يا بيرام ولد اعبيدي،بدأ ت م!
ن حيث وجدت السادة الأفاضل أمثال، السيد المحترم مسعود ولد بلخير، والسيد المحترم بيجل ولد حميد، والسيد المحترم/ عمر ولد يال، الذين ضربوا أروع الأمثال في الوطنية والنخوة والإباء والمحافظة على وحدة الأمة ، جنبا إلى جنب مع المنافحة الدؤوبة من أجل تطهير أرض المنارة والرباط من درن “الرق” وتبعاته البغيضة، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح ، ورغم ذلك لم يحدث مطلقا – في حدود علمنا -أن أحرقوا ورقة ناهيك عن كتاب ، أو وجهوا سُبة لعالم أوفقيه ،أو حتى سكبوا قطرة ماء على الأرض، رغم ان حالة الرق في زمنهم كانت بارزة للعيان كبروز الشمس في رابعة النهار.
ذلك أن أخلاقهم الرفيعة وإيمانهم العميق-المتأصل في نفوسهم كأصالتهم في ربوع هذه الأرض- بأن لافرق بين ( نار بخيص، وبين ناربنيول)(إلا بالتقوى )حسب تعبيرالسيد/ بيجل ولد حميد أثناء مقابلته الأخيرة مع التلفزة الموريتانية، – جعلهم يزواجون ويماهون بين كل ما من شأنه أن يجمع شمل الأمة ويوحد كلماتها ويعضد من وحدتها ويآلف بين لحمتها، وبين عدم التراجع قيد أنملة عن مبادئ وجوهر قضيتهم الوطنية النبيلة التي آمنوا بها ،وسخروا أنفسهم لخدمتها، ولهذا ندرك دون عناء المكانة الكبيرة التي يحتلونها اليوم على مستوى ساحتنا الوطنية.
ثم إن لفظ (العبودية) في موريتانيا اليوم قد أصبح ضمن قائمة الألفاظ الوقحة، والممجوجة في قاموس الموريتانيين، فما بالك بممارسة الفعل،لكن يأبـــى البعـــض إلا أن يجعــــل مــــن ذلــك ( المصطلح) “ملفا” يتخذه حصان طروادة يركبه، بغية زعزعة ثوابت المجتمع ومعتقداته ،عله يحقق بذلك ما تأفف عنه أولئك السادة الكبار ، مسعود ، وبيجل وعمر ، وغيرهم من السادة قادة ( الحر) الأكارم.
وفي هذا السياق رب ضارة نافعة، فزلزال( محرقة أمهات كتب المذهب المالكي) وارتداداته العنيفية قد أحرقا بيرام ولد اعبيدي ومن على شاكلته لحد التفحم – والعياذ بالله-، في الوقت الذي مذهبنا المالكي الزكي وأئمته الألمعيون لم يتضرروا إلا كما تضرر سيدنا إبراهيم على السلام من نار النمرود أو النمروذ التي كانت عليه بردا وسلاما.