فتحت مراكز الاقتراع الأحد في تونس لثالث انتخابات تشريعية تجري منذ ثورة 2011، وسط أجواء سياسية متوترة.
ودعي اكثر من سبعة ملايين ناخب مسجل لاختيار برلمان جديد من 217 مقعدا في ظل مخاوف من تداعيات نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل ثلاثة أسابيع.
واصطف عشرات الناخبين أمام مركز الاقتراع في العاصمة. وقالت ربح حمدي الستينية لفرانس برس “أريد الأمن والاستقرار، ولتنتهي الانتخابات وننتقل للبناء”.
ويتنافس في الانتخابات النيابية حوالى 15 ألف مرش ح ضمن قائمات أحزاب وائتلافات ومستقل ين متنوعين ومن اتجاهات سياسية عدة.
بدوره يفصح محمد الدعداع (60 عاما) “من واجبي ان انتخب ولكن دون أمل في ان يكون هناك تغير ايجابي في البلاد، لا أثق في أي شخص ولا في الأحزاب”.
وبدأت عمليات التصويت خارج تونس الجمعة وسجلت نسبة مشاركة ضعيفة ناهزت 4,6 في المئة في الساعة 13,00 بتوقيت غرينيتش أمس السبت.
يتابع ملاحظون من منظمات محلية ودولية الانتخابات النيابية في كامل مراكز الاقتراع ويقول علي الرقيقي، عن مرصد “مراقبون كل شيئ على ما يرام الى حد الآن، نسق تدفق الناخبين ضعيف… لانه لا ثقة لهم في الأحزاب القديمة ولا يعرفون جيدا الجديدة منها”.
ويتوقع مراقبون أن يصبح المشهد السياسي في البلاد مشت تا ، مع تركيبة برلماني ة مؤل فة من ك تل صغيرة، ما سيجعل من الصعب التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة، وذلك على ضوء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسي ة التي أفرزت مرشحين غير متوق عين، هما أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعي د ونبيل القروي رجل الأعمال الموقوف بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي.
لم تكن حملات الانتخابات النيابية لافتة ، بل كانت باهتة أحيانا ، بسبب تغيير روزنامة الانتخابات بتقديم موعد الرئاسية على التشريعية جر اء وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، إضافة إلى “صدمة” الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
وسجلت انتخابات الدورة الرئاسية الأولى نسبة مشاركة ناهزت الخمسين في المئة. وتحض الهيئة العليا للانتخابات المسج لين على التوجه الأحد بكثافة للتصويت.
نظم التلفزيون الحكومي ثلاث مناظرات تلفزيونية لمرشحين للانتخابات التشريعية، إلا أن ها لم تلق نجاحا ومتابعة من التونسين كما كان عليه الحال في الدورة الرئاسية الأولى.
كما كان لاستمرار سجن القروي ورفض مطالب الإفراج عنه منذ توقيفه في 23 أغسطس الفائت تأثير على المشهد الانتخابي، وتصدرت قضيته الجدل السياسي خلال الأيام السابقة.
ودعت الأمم المتحدة في بيان الجمعة “جميع الأطراف المعنية إلى ضمان أرضية متكافئة لجميع المترشحين، بما في ذلك تكافؤ الفرص مع الاحترام الكامل للقانون التونسي ولصلاحيات السلطة القضائية”.
بدوره، وصف الرئيس التونسي بالنيابة محمد الناصر الوضع بأنه “غير عادي، وفيه ربما مس بمصداقية الانتخابات”.
وأعلن قيس سعيد أنه “لن يقوم شخصيا بحملة انتخابية للانتخابات الرئاسية التونسية، ويعود ذلك أساسا لدواع أخلاقية، وضمانا لتجنب الغموض حول تكافؤ الفرص بين المرشحين”.
وأثار نشر السلطات الأميركية نسخة من عقد ي ظهر تلقي وكالة متخصصة في ترتيب لقاءات مع شخصيات سياسية دولية واسعة النفوذ أو ما يعرف بـ”اللوبيينغ” مبلغا ماليا كبيرا مقابل أداء خدمات للقروي جدلا واسعا في البلاد، وقد نفتها حملته لاحقا .
تعد الانتخابات الحالية مفصلية في تاريخ البلاد التي تمر بأزمات اقتصادية واجتماعية خانقة منذ ثورة 2011.
وأظهرت توجهات التصويت للدورة الرئاسية الأولى أن الناخبين التونسيين اختاروا اللجوء الى “تصويت العقاب” ضد رموز المنظومة الحاكمة التي عجزت عن إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية وبخاصة في ما يتعلق بالبطالة وارتفاع الأسعار والتضخم.
يدخل الانتخابات متنافسون جدد الى جانب الأحزاب، على غرار المستقلين الذي يمثلون ثلثي القائمات المشاركة، ومن المنتظر أن يحدثوا مفاجأة وأن يحصلوا على عدد مهم من المقاعد.
وأثار ظهورهم بقوة تخو فا لدى بعض الأحزاب، فقد دعا رئيس حركة النهضة الاسلامية راشد الغنوشي إلى عدم التصويت لهم، معتبرا أن “التصويت للمستقل ين تصويت للفوضى”.
وتمكن حزب “قلب تونس” لمؤسسه نبيل القروي من تكوين قاعدة شعبية مهمة وذلك من خلال حملات التبر ع والزيارات الميدان ة التي كان يقوم بها القروي للمناطق الداخلية منذ ثلاث سنوات ووزع خلالها مساعدات وسد فراغا تركته السلطات في هذه المناطق المهمشة.
ويشير بعض استطلاعات الرأي غير الرسمية الى أن “قلب تونس” سيتمكن من نيل المرتبة الأولى أو الثانية.
وأعلن “قلب تونس” في المقابل أنه لن يخوض في أي توافقات وتحالفات مع حزب النهضة واتهمه “بالوقوف وراء سجن القروي” وبأنه المستفيد من ذلك.
ويظهر حزب “ائتلاف الكرامة” كمنافس قوي على مقاعد البرلمان بعد أن نال رئيسه المحامي سيف الدين مخلوف ترتيبا متقدما في الدورة الرئاسية الأولى وحصد 4,3 في المئة من الأصوات.
وتضم قائمات “ائتلاف الكرامة” مرشحين محافظين، وكانوا عبروا عن دعمهم لسعيد.
كما ان جمعية “عيش تونسي” التي تديرها ألفة تراس تنافس على مقاعد في البرلمان وقد دشنت حملة انتخابية تقوم على مقاومة الفساد ومعالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد.
إن تعدد الأحزاب واختلافها يجعل من إنجاز بقي ة مراحل المسار الانتخابي أمرا صعبا ، خصوصا أن تشكيل الحكومة يتطل ب توافقا واسعا وغالبي ة 109 أصوات. وتظهر في الأفق بوادر نقاشات محتدمة من أجل التوص ل إلى توافقات.
وأمام البرلمان الجديد ملف ات حس اسة ومشاريع قوانين أثارت جدلا طويلا في السابق وأخرى مستعجلة وأهم ها احداث المحكمة الدستورية وقانون المالي ة للسنة المقبلة.
ولم تتمكن البلاد من التوفيق بين مسار الانتقال السياسي الذي تقد م بخطوات كبيرة منذ الثورة، وبين الانتقال الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يزال ي عاني مشاكل لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول لها.
وتجري الانتخابات فيما تعيش تونس تهديدات أمنية متواصلة، ولا تزال حالة الطوارئ سارية إثر عمليات مسلحة شنها متشددون في السنوات الفائتة وألحقت ضررا كبيرا بقطاع السياحة الذي يعد أحد ركائز الاقتصاد التونسي.
المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية ( أ ف ب )