الأمن تحول إلى هم اجتماعي وسياسي..و”القاعدة” حاضرة بقوة
باسكنو ـ يعقوب ولد باهداه
أصوات محركات الدراجات النارية تملأ المكان..لا صوت يعلو فوق صوتها، فهي وسيلة النقل الأولى، وسيارة الأجرة المفضلة في باسكنو، حيث السيارات في مجملها وجدت لهدف آخر…أن تعبر الصحاري وتجوب المنطقة شرقا وغربا.
إنها أجواء شوارع باسكنو بعمرها الذي يقارب 300 سنة..تحاول المدينة اليوم استعادة ذلك الهدوء الذي عرفته طيلة السنوات الماضية، وشكل هجوم القاعدة في مطلع الشهر الجاري طعنة هدوء المدينة الصحرواية المعزولة، مما جعل “محاربة الإرهاب” والتوعية ضده همًا يجمع مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في المدينة.
في مقر فرع حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم يجتمع عدد من الأطر الشباب، بعضهم لا ينتمي للحزب، لكن الهاجس الأمني جمعهم، وباتوا مجبرين على التنسيق لمواجهة خطر داهم، بل انه “خطر داخلي” يقول احدهم.
رغم انقسام الحزب الحاكم في باسكنو إلى قطبين متصارعين، إلا أن الهم الأمني يجمع كل من تظله سماء باسكنو التي لا تعرف في المقابل تعددية حزبية، حيث يقتصر التمثيل الحزبي فيها على “الاتحاد” الحاكم، باستثناء تواجد طفيف وشخصي لاثنين من أحزاب المعارضة.
عبدالله ولد سيدي ولد حننه، ناشط سياسي في الحزب الحاكم، قال لصحراء ميديا إن المشاكل الأمنية الأخيرة جعلت الوعي يزداد بضرورة الحذر، وتعبئة الجماهير لمواجهة الخطر. وأضاف نشاطات قسم حزب الاتحاد باتت تعطي أولوية للقضايا المتعلقة بالأمن، وأن تعليمات قد صدرت بذلك.
وأضاف ولد حننه إن مساعي تعبئة الجماهير ضد الإرهاب بدأت قبل الهجوم الأخير، غير أنها تعززت بعد الهجوم حيث ظهر مدى تفاقم الخطر الإرهابي، وأكد أن الجهود تلاقي تجاوبا كبيرا جدا، وأن المدنيين في باسكنو يؤكدون استعدادهم للمشاركة في الحرب ضد القاعدة.
وكشف عبد الله ولد حننه لصحراء ميديا النقاب عن طلب تقدم به فرع الحزب الحاكم إلى السلطات الإدارية لتنظيم مظاهرات لتأييد الجيش والدولة، بعد الهجوم الأخير غير أن السلطات رفضتها لدواع أمنية.
وأشار ولد حننه ـ وهو ابن لزعيم تقليدي بارز ـ إلى أن باسكنو تعاني من تحديات تتعلق بالعزلة والنقص الحاد في الكهرباء، وضعف التغطية الصحية. غير انه تحدث عن التحسن الأمني الكبير الذي تشهده المنطقة، وارتفاع مستوى الجيش خاصة في التسليح والعتاد والجاهزية للقتال والدفاع عن موريتانيا.
من جهته قال الن يسلم ولد ابراهيم موظف حكومي ينحدر من بلدية أظهر التابعة لباسكنو، إن ضعف حضور الدولة في تلك البلدية يجعل السكان غير مطمئنين بل وخائفين، ولا يمكنهم التعاون لحفظ الأمن، خاصة في ظل ضعف مستوى التنمية الخدمات الأساسية.
وأضاف ولد ابراهيم : المواطن ذليل، ولا رابطة بينه والسلطات إلا حين تريد أن تنزل به عقوبات، ولا توجد توعية او بعثات تجوب المناطق المعزولة.
وقال ولد ابراهيم ان السكان أحيانا لا يميزون سيارات الجيش ولا البزات العسكرية ولا العلم الوطني ، إضافة إلى أن التعاون الأمني مع السلطات لا بد له من طابع السرية والحيطة، وأن المواطن أحيانا قد لا يُصدَق حين يبلغ معلومة للجيش أو الأمن، بل انه قد يصبح محل التهمة والاشتباه، وهو لهذا السبب قد يتجنب تقديم المعلومات.
محمدنا ولد سيدي الأستاذ بثانوية باسكنو و الناشط السياسي في المدينة، قال إنه من الضروري العمل المتواصل لزيادة الوعي ونشر ثقافة المواطنة والولاء للدولة، قائلا إن سكان المنطقة وطنيون بطبعهم غير أنهم يحتاجون للتواصل ولتفعيل دور الدولة، ولبرامج اجتماعية تساعد في التغلب على انتشار الإرهاب، أو التعامل مع الجماعات المسلحة.
بحكم واقع باسكنو الجديد، يفترض أن يكون كافة سكان المقاطعة البالغ عددهم 35 ألفا، حوالي 10 آلاف منهم في عاصمة المقاطعة، عيونا لرصد أي تحركات “مشبوهة” لعناصر تنظيم القاعدة، وبحسب إزيد بيه ولد سيدي المختار رئيس فرع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بباسكنو فإن السكان يتفاوتون في التعاطي مع حملات التحسيس والتوعية ضد الإرهاب، بقدر تفاوتهم في حب الوطن، وفي مستوى الوعي، “بعضهم ضعفاء وفقراء ولا يفهمون ماذا نعني بالإرهاب….همهم الأول ما يطعمون به أبناءهم”
وأكد ولد سيدي المختار أنهم قاموا بالتحسيس والتوعية وان 16 ألف منتسب للحزب الحاكم، رقم مهم في هذه العملية، معربا عن أمله الكبير في أن تأتي نتيجتها لمواجهة الخطر الإرهابي.
من جهة أخرى قال يب ولد محمد عمدة بلدية باسكنو لصحراء ميديا إن كل مواطن موريتاني في باسكنو عليه واجب اتجاه بلده، وليس لفئة أو جهة معينة، بل لأجل المصلحة العليا للوطن.
وأكد ولد يب أنه لا الرئيس ولا والوالي ولا الحاكم ولا العمدة يمكنه مواجهة التحديات، بل لا يمكن ذلك إلا من خلال التعاضد والتحالف بين كل من يهمه أمر موريتانيا.
وقال عمدة باسكنو إنه من الضروري الاهتمام بالتنمية، خاصة في ظل صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في باسكنو، والتي تكون “مزرية” في الصيف، حيث تنتشر الحرائق ويضطر المنمون للعبور نحو مالي، وأما في الخريف فتتضاعف أسعار المواد الأساسية ثلاث مرات، وقال إن الحل يكمن في إعطاء أهمية خاصة للزراعة خاصة الموسمية منها
وطالب ولد محمد بضرورة نبذ الخلافات والصراعات المحلية، و تفعيل الروح الوطنية، قائلا إن بعض الأخبار والمعلومات تصل لتنظيم القاعدة من مصادر داخل باسكنو، وهو أمر محزن، ويتطلب عملا جماعيا لتجاوزه والتغلب عليه.
في جانب آخر من المدينة شباب ليست لديهم انتماءات سياسية اختاروا تأسيس “الرابطة الشبابية للنهوض بباسكنو وانبيكت لحواش”، وتعمل هذه الرابطة على نشر الثقافة الدينية الصحيحة على أساس الوسطية والاعتدال بحسب رئيسها محمد ولد الديه.
وقال ولد الديه لصحراء ميديا إن الرابطة تعمل في كل من فصاله وباسكنو وانبيكت لحواش، وتهدف لإشاعة الروح الوطنية والشعور بالانتماء له والمسؤولية الفردية والمشتركة عنه.
وتعمل الرابطة على نشر ثقافة التطوع، والعمل على فك العزلة، ونشر الوعي الصحي والثقافي، وقال رئيس الرابطة إنهم يعملون على تجنب استغلالهم من طرف السياسيين، مما جلب إليهم اتهامات من كل الأطراف بالعمل للطرف الآخر.
وقال محمد ولد الديه إن الرابطة تضم عددا من الطلاب والتجار والناشطين في مختلف مجالات الحياة، وأكد أنهم بدأوا حملة واسعة للتوعية ضد الإرهاب، وقدموا عرضا للجهات الإدارية المعنية بالتعاون من أجل مصلحة موريتانيا العليا، شاكرا لحاكم المقاطعة المعاملة الطيبة والتفهم لدورهم ولعملهم، غير أنه أشار في حديثه لصحراء ميديا إلى السلطات الإدارية أبلغتهم بمنع الاجتماعات اليومية خاصة تلك التي تتم ليلا، وذلك لأسباب أمنية مؤقتة.