اطلعت كغيري من القراء على مقالة الشيخ الدكتور عائض القرني المنشورة في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 12 أكتوبر 2010م التي شنع فيها على حفظ النصوص والمتون وادعى أنها تشغل عن القرآن والسنة وخص الشناقطة بنصيب من ذلك التشنيع أجمله في أنهم لم يقدموا منهجا تجديديا في الدين..
وقبل الرد على بعض ما ورد في مقال الداعية وطالب العلم الكبير الشيخ عائض حفظه الله ،أود التنبيه إلى أنني كنت وما زلت من المعجبين بالشيخ في بعض جوانب دعوته خاصة طرقه وأساليبه التي فيها شيء من الطرافة والتشويق في العرض سواء تعلق الأمر بكتاباته أو محاضراته وأحاديثه مع أنني أعرف أن مساحة الاختلاف مع الشيخ ليست ضيقة خصوصا في مجال العقائد والسبب طبعا أن الشيخ حفظه الله ينتمي لمدرسة فكرية يرتكز أصحابها على ركائز رئيسة أولاها الإقصاء – وإن أنكروا ذلك قولا- فمن ليس على فهمهم لا حظ له من الدين ولا فهمه وأحسن حالاته أن يكون مشركا شركا أصغر. أما الركيزة الأخرى فهي أنهم هم وحدهم من يمثل ما كان عليه السلف وبذلك هم الفرقة الناجية بعينها وغيرهم لا نصيب له في النجاة وليس له إلا الهلاك، وثالثة الركائز دعواهم أنهم مظلومون وأن الناس تحسدهم وتهاجمهم لتمسكهم بالدعوة إلى التوحيد والملة الخالصة… هكذا يرون الأمور..
ومع هذا نعترف لهم بإسهاماتهم المشكورة المحمودة في نشر الدين والدفاع عنه ولولا بعض غلظة وجفاء تجاه بعض إخوتهم في الملة لكانوا من أفضل المدارس الإسلامية.
لكن الشيخ عائض حفظه الله انتهج نهجا فيه شيء من الذكاء الدعوي في تقديري وأظن أنه نجح إلى حد ما في ذلك النهج لذلك كان له هذا القبول الواسع في كثير من أنحاء العالم الإسلامي..
وقد سألني أحد الإخوة الأفاضل قبل ليلتين من نشر مقال الدكتور القرني عن بعض مشايخ الدعوة السلفية بمن فيهم الشيخ عائض فأشدت به وباسلوبه وذكرت لأخي الكريم أني أعده من عقلاء مشايخ السلفية وأنه يتميز إضافة إلى أسلوبه المرح والمشوق أحيانا بغزارة انتاجه فقد ألف كثيرا من الكتب والرسائل وله حضور كبير في الفضائيات وغيرها من الوسائط الدعوية فأجابني الأخ ممازحا أنت أغزر انتاجا من جدك محمد بن النحوي مشيرا إلى بضعة مقالات من كلام عادي نشرتها هنا وهناك..ليقول لي بذلك أن الانتاج وحده ليس دليلا كافيا على العلم فلا بد من حفظ النصوص والمتون وتحمل المشاق والصبر والجلد في سبيل ذلك فضلا عن سعة الصدر وعدم احتكار الصواب وهذا هو المنهج الذي انتهجه جدي وأضرابه من الشناقطة ووجدوا ثماره وإن كان المنهج لا يعجب الشيخ عائض القرني..
وأؤكد هنا أن الرد على الشيخ عائض القرني لا يعني الانتقاص من مكانته مهما اختلفنا معه وحتى إن كان هو كبا كبوة فهو ليس معصوما إلا أن حقه محفوظ…
سأتناول في هذه السطور الأمور التالية :
– أحوال وأطوار الشيخ عائض
– قضية النصوص والمتون
– عناية الشناقطة بالقرآن والسنة
الشيخ عائض حفظه الله داعية محبوب لا شك في ذلك لكنه صاحب أحوال وأطوار حتى لا أقول أدبا مع الشيخ صاحب اضطراب فقد أصبح صاحب مواسم إثارة ففي كل سنة يشغل وسائل الإعلام ببعض الآراء أو الأحوال المثيرة لحد التناقض أحيانا ولا أسوق هذا الكلام من باب نفي أو إثبات الحق في أحوال الدكتور وإنما للتأكيد على أنه لا مفاجأة في مقاله الذي حط فيه من قيمة علم الشناقطة..
فالشيخ حفظه الله تارة يمدح أبا منقاش الفلاح العراقي الذي اسقط الآباتشي الأمريكية خلال الأيام الأولى من دخول الغزاة الأمريكان للعراق وذلك يحسب له وتارة يمدح باراك أوباما الذي يقتل جنوده العراقيين والأفغان والفلسطينيين ويخنق بعض المستسلمين الفلسطينيين للحصول منهم على توقيع على شيك أبيض لبيع فلسطين وتضييع حقوق أهلها والشيخ عندما يمدح أوباما ينزله منزلة فيها كثير من التخويف للمسلمين ودعوتهم الضمنية للاستسلام له فإذا كان هذا كلام الدعاة فكيف يكون حالنا نحن العوام
وحتى لا نظلم الشيخ نقول إنه امتدح بعض مظاهر العدل والحرية في أمريكا – داخل أمريكا – التي فقدناها في كثير من بلداننا لكننا نتنقد على الشيخ هذا التهويل والتخويف من جبروت وقوة باراك أوباما ونأخذ عليه كذلك عدم انتباهه للصورة الكاملة لانتخاب اوباما وقراءته المتعجلة لخطابه في القاهرة وأخشى أن يكون أحمد مطر كان هنا أكثر قدرة من الشيخ على إعطاء صورة أوباما الحقيقية .
والشيخ يمدح الفرنسيين تارة ويصب جام غضبه في ذات الوقت على العرب كما جاء في مقالته عن رحلته العلاجية إلى فرنسا
وللانصاف أيضا نقول إن معظم ما قاله الشيخ لا يجافي الحقيقة لكن الصورة ليست على إطلاقها دائما..
ملاحظتي الوحيدة على الشيخ هنا أنه لم يصادف فئة من الفرنسيين منهجها : je n’ai pas ton temps
والشيخ داعية صاحب هيبة ويليق بغيره ما لا يناسبه هو ومع ذلك فقد شغل الوسط الدعوي بصفقته مع الفنان محمد عبده وكانت المسألة مادة مثيرة لوسائل الإعلام والأمر هنا ليس من باب الاعتراض على الدكتور عائض القرني في هذه المسالة فالقصيدة أو “الطلعة ” كلماتها جميلة وهي ابتهالات طيبة فيها رقة ودعاء وقد لحنها محمد عبده بصوت جميل وأسلوب شائق لكنها سجلت على أنها من الأطوار “الموسمية” للشيخ .
وهو أيضا داعية جاد ومثابر يحاضر ويؤلف ويحاور لكنه تارة يعتزل كما قرر قبل سنوات قليلة ثم يعدل عن قراره ولا باس بذلك كله لكنها الأطوار والأحوال دائما..
والشيخ يمدح الجزائريين وهم أهل لذلك وأكثر يقول حفظه الله :”.. وفاضت دموعي في الجزائر، يوم دخلت الإستاد الرياضي في العاصمة الجزائرية، والناس أمامي كالغمام، وقلت في نفسي: من أنا حتى يجتمع لي الناس؟ من أنا حتى تحتفي بي هذه الألوف؟ وأنا الإنسان البسيط المقصر؟ ..ولكني عرفت السبب، إنه الإسلام العظيم الذي أنا أحد خدامه الصغار، إنه الوحي المقدس الذي أحمل بعض نصوصه، إنها الرسالة المحمدية الخالدة التي رويت بعض حروفها، وليس لشخصي الضعيف الفقير إلى الله. شكرا للكرم الجزائري، فكل بيت يرحب، وكل وجه يتهلل، وكل قلب يحيي، كلما دخلنا بيتا للضيافة قاموا كبارا وصغارا يتسابقون على الإكرام والإتحاف وحسن الضيافة، كلما دخلنا شارعا أو سكة رحب أهله وتبسموا ولوحوا بأيديهم: أهلا وسهلا. وعرفت أن الكلمة اللينة والبسمة الرائقة تفعل في الناس فعل السحر، “
ونسي الشيخ حفظه الله الكلمة اللينة وأثرها في الناس عندما تحدث عن الشناقطة وهو لم يزرهم وحكم عليهم حكما مجملا غير منصف يستغرب من أمثاله من الدعاة وطلبة العلم ولعله سلمه الله لم يستحضر وقت كتابة المقال قوله تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، يقول حفظه الله :
“كل هذه المتون والفنون جعلت الجيل في «حيص بيص» فشغلت الذهن، وأسقمت العقل، وشتتت الانتباه، حتى إني رأيت بعض المشايخ في بعض الدول التي زرناها يحفظ عشرات المتون ويعيدها ويكررها ليل نهار حتى صار نحيفا نحيلا كالجرادة الصفراء، فأصبح كآلة التسجيل، فقط يحفظ ويكرر، وشُغِل عن الكتاب والسنّة وعن التفقه في الآيات والأحاديث، ولهذا انظر – مع احترامي للشناقطة – ما هي الحصيلة من هذا الحفظ المذهل المدهش للمتون؟ فقط جلسوا يكررونها على الطلاب ولم يقدموا للعالم الإسلامي فقها للنصوص أو مشروعا تجديديا للدين، حتى إنهم قالوا عن موريتانيا: إنها بلد ألف حافظ.
وأعتقد أن الواحد منهم يحفظ أضعاف ما يحفظ الشيخ الألباني والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، ولكن انظر البون الشاسع بين فهم هذين الإمامين وكتبهما ومدارسهما وبين عطاء أولئك الفضلاء ونتاجهم.”
وللقارئ الكريم أن يلاحظ الفرق بين مخاطبة الشيخ للجزائريين ومخاطبته للشناقطة.. وبالمناسبة فالشيخ عائض الف كتابا عن أدب الحوار…
قضية النصوص والمتون
قال الشيخ حفظه الله: “كان الصحابة والقرون الثلاثة الأولى المفضلة عاكفين على الكتاب والسنّة حفظا وتدبرا، فلم يكن عندهم متون أخرى في النحو أو البلاغة أو العقيدة أو المصطلح أو الفرائض، ولم يكن أئمة الإسلام كالثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم يحفظون إلا الكتاب والسنّة، ثم جاء عصر الضعف العلمي والتقليد وفتور الهمم وبرود العزائم، فصنّفوا لنا متونا شغلتنا عن القرآن والسنّة، وقالوا كلمة سقيمة: «من حفظ المتون حاز الفنون»،”
نسي الشيخ عائض أن ما سماه المتون التي “شغلتنا” عن القرآن والسنة هي في مصطلح أهل العلم علوم الالة وأنه لا سبيل إلى فهم القرآن والسنة دونها فهل نقول للإمام على كرم الله وجهه لا نحتاج لعلم النحو الذي أمرت أبا الأسود الدؤلي بوضعه أم نقول للإمام مالك وغيره من الأئمة لا حاجة لنا بفقهكم واجتهاداتكم اتركونا مع القرآن والحديث أم نقول للإمام الشافعي لماذا وضعت علم الأصول أم نقول للمحدثين لماذا اشتغلتم بالجرح والتعديل أم نقول للمفسرين لا تشغلونا بتفاسيركم واتركوا لنا القران فسيفهمه العجم قبل العرب والعوام قبل الخواص والطلاب قبل الأساتذة…
حيرتنا ياشيخ حفظك الله…
أم تريدنا يا شيخ أن نغلق الجامعات والمدارس ولا نتعلم قواعد اللغة ولا الفقه ولا الأصول ولا السير ولا المنطق ونقول: أحرقوا كل تلك المتون وتوجهوا إلى كتاب الله أم نسيت يا شيخ أن هذه العلوم وإن حصل بعض الخلل في التعامل معها إنما هدفها خدمة القرآن والسنة.
وإذا كان هذا نهجك واختيارك فسنقول لك يا شيخ شغلتنا عن الكتاب والسنة فقد ألفت 40 كتابا ورسالة ملأتها بالحكم والفوائد وأشعار العرب فلماذا لم تكتب لنا مصاحف وتنسخ لنا الصحاح وتقول لن أشغلكم عن الكتاب والسنة..؟
ولماذا يا شيخ تشغلنا بمحاضراتك وأحاديثك ومقالاتك وفيها النكات والشعر والتاريخ وأحوال أهل الشرق وأهل الغرب وكل ذلك ليس من القرآن ولا السنة على حسب نهجك وفقك الله ، ثم إني أخشى أن تكون قد نسيت أو تناقضت ، ففي الوقت الذي تحذر فيه من حفظ هذه النصوص والمتون حيث تقول حفظك الله:
“فيحفظ الطالب متنا في الفقه، وألفية ابن مالك في النحو، وملحة الإعراب للحريري، ولمعة الاعتقاد، ومتن الطحاوية، وألفية السيوطي، وألفية العراقي لمصطلح الحديث، وزاد المستقنع، أو مختصر خليل، أو التقريب لأبي شجاع، أو كتاب القدوري الحنفي، مع متن في البلاغة، ومتن في أصول الفقه، ومتن في الفرائض،”
ولكنك ترشد الطلاب في كتابك “كيف تطلب العلم” ؟ إلى الكتب والمصنفات التالية :”كتب مرشحة للحفظ بعد حفظ كتاب الله عز وجل:
1ـ بلوغ المرام في متون أحاديث الأحكام ونحوه عمدة الأحكام.
2ـ رياض الصالحين أو ما تيسر منه للخطيب والواعظ والداعية.
3ـ العمدة في الفقه أو زاد المستقنع.
4ـ نخبة الفكر والبيقونية في المصطلح.
5ـ ملحة الإعراب أو ألفية ابن مالك ، أو قطر الندي في النحو.
6ـ اللمع أو الورقات في أصول الفقه.
فأي منهج تريد يا شيخ سلمك الله؟
ولعل الشيخ يمثل هنا وجهة النظر الأصيلة للمدرسة السلفية التي ترى أن النص هو كل شيء وتتجاهل ما يعين على فهمه بحجة التمسك به بل تلغي إلى حد معين أساس وجود النص أصلا وهو العقل وهذا ما عبر عنه بعض المفكرين بأن السلفيين لم يمزجوا ثمرات النقل بنظرات العقل ، يقول الكاتب الموريتاني محمد بن المختار الشنقيطي :”فهم – يعني السلفيين – منشغلون بجمع السنة النبوية والتدقيق في أسانيدها. وقد نفع الله بهم عموم الأمة في هذا الجانب، فلم يعد التساهل في النقل سائدا كما كان الحال في القرون المتأخرة. بيد أن السلفيين لم يمزجوا ثمرات النقل بنظرات العقل، فجاء التأصيل عندهم خاليا من التحليل، والنقلُ مجردا من الفقه. بل إن “العقلانية” أصبحت سبة في عرف بعض السلفيين، فتخلوا عن عقولهم بمحض إرادتهم، “.
ومع إكبارنا لحرص الشيخ على التمسك بالقرآن والسنة والبعد عن كل ما يؤدي إلى التعصب المذهبي المقيت فأنني أستغرب أن يكون الشيخ مذهبيا على الأقل في تزكية بعض السلف الصالح دون غيرهم ،يقول حفظه الله يوصي طلبة العلم :” علمان وإمامان: إذا رأيت الرجل يضع من شأن أحمد بن حنبل فهو عدو للسنة وإذا رأيت الرجل يحط من قدر ابن تيمية فهو مخالف لمعتقد السلف الصالح في الغالب”.
لا أحد يجادل في أن الإمام أحمد بن حنبل إمام من أئمة الأمة وأن الله نفع به الدين لكن أن يوصي الشيخ به وحده دون غيره من الأئمة فذلك قد لا يفهم كثيرا وقد يشوش على العامة..
أما ابن تيمية فهو أيضا عالم جليل من أعلام الأمة وهناك كثير من علماء الأئمة مثله وربما أفضل منه يستحقون التقدير والتبجيل ويستحقون أن نوصي باحترامهم فلماذا تخصه وحده دون غيره أما عبارة “وإذا رأيت الرجل يحط من قدر ابن تيمية فهو مخالف لمعتقد السلف الصالح ..” فإنها غامضة وتوحي بوضع الرجل منزلة فوق منزلته وتقربه من العصمة…
اهتمام الشناقطة بالقرآن والحديث
اتهم الشيخ عائض هداه الله الشناقطة بأنهم لم يقدموا للعالم الإسلامي فقها للنصوص أو مشروعا تجديديا للدين..واتهمهم ضمنيا بالاهتمام بالنصوص والمتون على حساب القرآن والسنة ..
يقول حفظه الله :”وأعتقد أن الواحد منهم يحفظ أضعاف ما يحفظ الشيخ الألباني والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، ولكن انظر البون الشاسع بين فهم هذين الإمامين وكتبهما ومدارسهما وبين عطاء أولئك الفضلاء ونتاجهم.”
لعلي أصحح بداية للشيخ أن الشناقطة فيهم آلاف الحفاظ إن لم يكن ملايين والعبارة المشتهرة على الألسن هي بلاد “المليون شاعر”.
ذكر الشيخ على سبيل المقارنة اسمي الشيخين الجليلين السعدي والألباني ليدلل ،حسب رايه ،على البون الشاسع بين عطائهما وعطاء الشناقطة ،لم يحدد الشيخ طبعا معايير وملامح واضحة لهذا العطاء ولا لطبيعة فقه النصوص أو التجديد التي يتحدث عنها .
وفي المقابل ليسمح لي الشيخ أن أذكر له أسماء بعض أعلام الشناقطة الذين يمثلون مختلف مناطق البلاد وليس جهة أو قبيلة واحدة ، مع اعتزازنا بالكل ،لعله حفظه الله، يبحث عنهم وعن عطائهم ولا يقصره على جانب التوحيد لأنه في تلك الحالة لن يجد أرضية مشتركة تمكنه من المقارنة ، من هؤلاء الأعلام :
سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الذي يوصف بأنه مجدد العلم في بلاد شنقيط والشيخ محمد الحافظ العلوي وسيدي مولود فال والشيخ سيد المختار الكنتي والشيخ سيديا الكبير والشيخ القاضي والشيخ سيدي محمد بن امني والمختار بن بونا ومحنض بابا بن عبيد واحمد بن العاقل ومحمذن فال بن متالي والشيخ محمد المامي والشيخ ماء العينين وكان إماما مجتهدا ومجاهدا ومحمد يحي الولاتي واحمد بدي(آب) ومحمد فال بن باب ومحمد بن محمد سالم والمرابط بن أحمد فال والحسن بن زين والشيخ أبا المعالي وباب بن الشيخ سيديا وكان مجددا مجتهدا ومحمد محمود بن التلاميد وسيدي محمد حبيب الله بن ما يأبى ويحظيه بن عبد الودود والشيخ المحفوظ بن بيه ومحمد عالي بن عبد الودود ومحمد مولود بن احمد فال ( آد )والشيخ محمد الأمين الشنقيطي والحاج محمود با وبداه بن البوصيري والمرابط محمد سالم بن عدود. ومن المعاصرين الشيخ العلامة عبد الله بن بيه وهو أحد أبرز أعلام الأمة اليوم فهو إمام في الدعوة وفقه المقاصد وله من المؤلفات في مختلف الفنون ما يجعل عدم ذكره ضمن المجددين يعني أن المقصود بالتجديد شيئا آخر والعلامة أستاذ الجيل الشيخ اباه بن عبد الله الذي تخرج في محضرته في النباغية عشرات من العلماء الشباب الذي يدرسون وينشرون العلم في عدد من الأقطار والعلامة الزاهد الشيخ محمد الحسن بن أحمد الخديم والعلامة الحاج بن فحف وقد تتلمذ عليه عدد من الأمريكيين من ضمنهم الداعية الشيخ حمزة وحافظة العصر العلامة المتبحر الشيخ محمد الحسن الددو..
والذي يمكن أن نؤكد دون تحيز أنه إذا كان الشيخان الجليلان السعدي والألباني مجددين فإن أعلام الشناقطة أطول منهما باعا في التجديد وإذا كان الشناقطة غير مجددين فذلك يعني أن الشيخين الجليلين أيضا ليسا كذلك..
كان بإمكان الشيخ عائض حفظه الله أن يحرجنا بذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي مع الشيخين الجليلين لكنه لم يفعل ولعل ذلك بسبب حفظ الشنقيطي للنصوص والشيخ على ما يبدو لا يحب حفظ المتون والنصوص.
وليسمح لي الشيخ أن أعطيه فكرة ولو بسيطة عن منهج الشناقطة في التفقه وطلب العلم عموما وعنايتهم بالقرآن والسنة على وجه التحديد فمنهجهم في ذلك هو محضرتهم أو جامعتهم المتنقلة :
يعرف الشيخ الخليل النحوي المحضرة ب”أنها جامعة شعبية بدوية متنقلة تلقينية فردية التعليم طوعية الممارسة”.
ويقول الدكتور محمد المختار بن اباه وهو أحد أكابر العلماء والمفكرين الموريتانيين وقد ترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية:
” من الصعب على من لم ير المحاظر أن يتصورها ذلك أن البداوة تقترن في الذهن بالغباوة والجهل فالثقافة جزء من الحضارة ومراكز العلم والتدريس تقترن غالبا بالمعاهد والجامعات المشيدة التي اتصلت شهرتها بشهرة المدن التي تحتضنها غير أن المحاضر فريدة من نوعها …”
ويقول الدكتور محي الدين صابر المدير السابق للمنظمة العربية للثقافة والعلوم والتربية عن نظام المحظرة أنه : ” يكاد يكون دون نظير استنبط من واقع الحياة البدوية”
أما اعتناء الشناقطة بالقرآن والسنة فنعذر الشيخ عائض القرني في عدم الاطلاع عليه فلم يشغلهم حفظهم الذي لا يعجبه عن مدارسة القرآن والاعتناء بالسنة الشريفة وهذه أمثلة محدودة من جهودهم في هذا المجال :
يهتم الشناقطة اهتماما كبيرا بالقرآن وحفظه ورسمه وتجويده وجرى العرف عندهم أن يحفظ الأطفال القرآن قبل سن العاشرة.
ومن نماذج الاهتمام بالقرآن موسم القرآن الذي يقام سنويا في إحدى القرى النائية جنوب موريتانيا حيث يفد إليها الشباب وصغار السن من مختلف مناطق البلاد بل ومن خارجها ويقضون ثلاثة أيام يتنافسون في تلاوة القرآن الكريم .
وفي هذه القرية كما هو الحال في معظم القرى الموريتانية شباب جمعوا بين حفظ القرآن ومناهج المدرسة الحديثة فهم يدرسون في الجامعات في مختلف التخصصات وإذا حل شهر رمضان المبارك تراهم يؤمون الناس في صلاة التراويح وبعضهم لم يبلغ العشرين من العمر…
الموريتانيون مذهبهم مالكي يعتزون به ولا ننزه بعضهم عن التعصب الذي عرفته معظم البلدان الإسلامية لكنهم تنبهوا لذلك مبكرا قبل الشيخ عائض حفظه الله فناقش العلماء الشناقطة العلاقة بين المذهبية والكتاب والسنة فمنهم من كان مذهبيا نصيا ومنهم من كان عكس ذلك أصوليا ومنهم من جمع بين هذا وذاك . ومع تمذهبهم لم يتركوا الحديث ولم يهجروه فكان منهم متبحرون متخصصون فيه.
قال باب بن أحمد بيب يرثي العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم
قد كاد أن يوصف بالترجيح * لفهمه ونقله الصحيح
وكان في الحديث لا يبارى * كأنما نشأ في بخارى
وجاء في مرثية باب بن أحمد بيب للعلامة بدي بن سدينا
وليبكه الحديث والتفسير * والجامع الصغير والكبير
والجامع الصحيح للبخاري * وليبكه كذاك فتح الباري
ولتبكيه أيضا شروح مسلم * والقسطلاني والإمام العلقمي
وقد بكته كتب الخلاف * كما بكت قواعد القرافي
وقد بكت ألفية العراقي* كما بكت قواعد الزقاقي
ويقول العلامة المختار بن حامدن في رثائه للعلامة المختار بن بلول إدوالحاجي :
كنا بمدرسة المبروك آونة * نعشو إلى ضوء ذاك النير الندس
كنا نحلق بالمختار يخبرنا * بما يسلسله الراوون عن أنس
وجابر وابن عباس ليخبرنا* من الحديث بما قد كان منه نسي
وفي المدن الموريتانية العتيقة مثل شنقيط وولاته يحافظ الناس على دراسة البخاري من فاتح رجب إلى نهاية شهر رمضان ويدرسون كتب الحديث الأخرى في الشهور المتبقية من السنة.
ويقول العلامة محمدن بن الشيخ حبيب الرحمن التندغي في الحث على اتباع السنة:
اتبع سنة خير الخلق لا * تتبع في الدين ما لا يتبع
إنما الحجة فيها ثم في * ما عليه الصدر ذو الرأي اجتمع
وأقاويل الورى أكثر بها * أجميع ممكن أن يتبع
لكنك رجح بينها * واقتف الراجح والمرجوح دع
فإذا لم تك أهلا فاتبع * من له القاصر عن ذاك تبع
ولما احتدم الصراع بين المتمسكين بالمذهب والداعين للعودة للسنة صحح بعض العلماء المسألة مبينين عدم وجود تناقض بين الاتجاهين:
مثل الشيخ سيدي المختار الكنتي, وهو طبعا مالكي المذهب كغيره من علماء البلد, يقول رحمه الله:
وإياك ترضى باقتناص فروعها *** بغير ارتشاف من مناهلها العذب
فإن الأصول كالقواعد ترتضى *** طمأنينة للقلب و النهج بالأرب
فمن لم يقيد بالكتاب علومه ** طغى وبغى واستبدل البسر بالرطب
و لا تقتصر ان الحديث بيانه *** وتفسيره فقه الأئمة لا الشعب
ومن يترك القرآن ملقى وراءه ** فقد صار في التمثال كالجفر المذب
ومن حاد عن نص الحديث سفاهة** فقد أبدل الجياد بالحمر الحدب
ومن يترك الفقه المهذب رغبة *** فقد رام تجهيلا وعن رشده يذب
ولكن تفقه وانتق الحق مذهبا *** وميزه بالذكر الحكيم ولا تؤب
إلى غير تحقيق من القول واضح ** تداوله التحقيق والسلف النجب
وثق بكتاب الله والسنة التي *** أتت عن رسول الله والعكس فاجتنب
ودع عنك آراء الرجال و قولهم ** لقول رسول الله فهو الذي يطب.
وعلى هذا النهج سار العلامة محمد فال بن باب رحمه الله:
وأن هدى الله العظيم هو الهدى * ولم يضلل المستمسكون بحبله
فما جيء من بعد النبي بناسخ* سوى سوء فهم المذهبي وجهله
…… ….
ولست بنافي الفرع أصلا وإنما * أمرت بأخذ الفرع وصلا بأصله
كما لابن عبد البر جاء مبينا * لدى جامع العلم الشريف وفضله
الاهتمام بالقرآن والسنة شمل جيران الشناقطة
نشر الشناقطة العلم في إفريقيا فحفظ أهلها القرآن وانتشر الدين وظهر فيها أعلام كبار بلغ بعضهم درجة من العلم جعلت الشناقطة أنفسهم يتتلمذون عليهم مثل الشيخ إبراهيم نياس السنغالي الذي كان شديد الاهتمام بالقرآن الكريم حفظاً ودراسةً وتفسيراً، وتربيةً للأجيال عليه، فقد فسره عدة مراتٍ باللغة العربية، وباللغة المحلية السنغالية المعروفة ب”الولفية”.
وكان يحرص على أن يحفظ أبناؤه ومريدوه القرآن في صغرهم، وأن يداوموا على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار كما هي عادته، فقد كان يختم القرآن مرتين في الأسبوع على الأقل….فيقرأ سبعاً كل يوم، ويقوم الليل بسبع.
وقد أسس الشيخ عدة مدارس لتحفيظ القرآن، يدرس فيها أساتذة سنغاليون وموريتانيون ومصريون أزهريون.
ويقول الشيخ في هذا المعنى:
ولتجعلن حفظ كتابك الكريم*كرامتي إلى لقائك العظيم
وقد أكمل الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله حفظه الله قبل شهور قليلة طباعة تفسير الشيخ إبراهيم للقرآن الكريم في 6 مجلدات بعد ان فرغه من الأشرطة .
وهذا الحاج عمر الفوتي المجاهد العالم الحافظ سلطان الدولة التيجانية في غرب إفريقيا الذي نشر الإسلام في مناطق واسعة من السنغال ومالي بلغ من الاهتمام بالحديث مبلغا عظيما فقد كان
يحفظ صحيحي البخاري ومسلم .
أما الحاج مالك سي وهو أيضا سنغالي وقد كان عالما مربيا وبلغ من علو الهمة والاهتمام بمعاني القرآن الكريم أن سافر من مدينة إلى أخرى على قدميه ليعرف معنى كلمة “قطمير” الواردة في الآية الكريمة: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير}..
هذه ،يا شيخ عائض وفقك الله ، بعض ملامح فقه النصوص عند الشناقطة واعتنائهم بالقرآن والسنة وكما تلاحظ فقد شكلت محضرتهم منهجا فريدا للعلم والتعلم فخرجت أجيالا من العلماء الموسوعيين ..
كان من ثمار هذه المدرسة الحفاظ على الدين وحفظ القرآن واتباع السنة وحفظ اللغة العربية في هذه الربوع ومقاومة الاستعمار مقاومة مسلحة وفكرية وثقافية بطريقة لا تكاد تجد لها نظيرا في باقي البلدان..
يقول الدكتور محي الدين صابر :” كانت صورة الشناقطة وما تزال في البلاد العربية أنهم الممثلون الأوفياء للثقافة العربية الإسلامية في نقائها وأصالتها وأنهم سدنتها في قاصية ديار الإسلام ، المرابطون في ثغورها حفاظا عليها ونشرا لها وإشعاعا بها”
ولم يكتف الشناقطة ببلدهم بل نشر علماؤهم الدين والعلم حيثما توجهوا خاصة في إفريقيا دون ضوضاء ولا ضجيج ولا منابر وكانت الأمور على أحسن ما يرام إلى أن ظهر “التوحيديون” الجدد وجاء بعدهم التكفيريون ثم التفجيريون ولا أجزم إن كان بين هذه الفئات رابطة نسب فكري أم أن كل واحدة مستقلة بمنهجها.. المهم أن المشهد كما ترى اليوم يا شيخ ..
وأغتنم هذه المناسبة لأدعو الشيخ عائض حفظه الله ليقرا أكثر عن الشناقطة لعله يراجع موقفه منهم وإن كنت سأنبه إلى أمر مهم حتى لا يتفاجأ ويحصل له نوع إحباط ، فالشناقطة مالكيون مذهبا ومتصوفون سلوكا وأشعريون عقيدة فاحسب حسابك لذلك وأنت قد حذرت طلبة العلم في كتابك “كيف تطلب العلم” ؟
قال الشيخ حفظه الله :”أحذر من كتاب إحياء علوم الدين في ثلاث مسائل واستفد منه: المسالة الأولي: الرجل ليس محدثاً وقد جمع الموضوعات في كتابه فأوعى.
المسالة الثانية: عقيدة الرجل أشعرية على منهج أهل الكلام ومناهج الفلسفة.
المسألة الثالثة: الغزالى معجب بالصوفية أيما عجب، وقد ساق لهم خزعبلات ومدلهمات فانتبه له واجعل المعيار الكتاب والسنة.”
أخرج السادات الموريتانيين – الشناقطة من التاريخ ونفاهم هيكل من الجغرافيا وها هو الداعية الشيخ عائض يصادر علمهم…
ويبقى للشيخ كل الود والتقدير والاحترام..