كميات المياه التي تضح حاليا تمثل أقل من ربع احتياجات المدينة
مكطع لحجار ـ محمد ولد زين
في وادي غير ذي ماء، وعلى بعد 375 كلمترا شرقي العاصمة الموريتانية نواكشوط تتموقع مدينة “مكطع لحجار” التي تأسست سنينا عددا بعد الاستقلال، وهي التي وضع الفرنسيون سدها المعروف بـ”مكطع لحجار” عام 1958 من القرن الماضي.
كان السد نقطة عبور ما بين لبراكنه وتكانت، ولتحمل المدينة اسمه فيما بعد، ليبقى شاهدا حتى اليوم على قدرة الإنسان على تطويع الطبيعة في مقاطعة بلغت أشدها وهي تَطًَمح لأن يحمل مستقبلها القريب في طياته ماء غدقا ينسي ساكنتها، مرارة نصف قرن من العطش.
بعد أن تتوقف ولو لحين عند محراب نقطة تفتيش الشرطة على مشارف المدينة تتبدى لك من بعيد ملامح عاصمة المقاطعة، التي لا تحس وأنت تشقها طولا أنها تعاني من مشاكل في الصميم، كادت تقضي على بقية بقايا الصابرين فيها على أزمات يكتوون بنيرانها الهادئة.
بلافتات إعلانية ومولد الكهرباء ومقبرة المدينة، يستقبلك حي “البصرة”..الذي يحيلك إلى “المنحر” وهو الحي الإداري في عاصمة المقاطعة حيث مبنى الإدارة (الحاكم) جنبا إلى جنب مع الشرطة والدرك، في حين تتموقع البلدية في ركن قصي في نفس الحي.
وفي حي “الجزيرة” ثالث الأحياء، لا تخطأ عينك نشاطا تجاريا محموما في سوق المدينة الأكثر حيوية وزحمة في المرور، وفي الخلفية يحتضن الحي المستشفى القديم، والذي حُول أخيرا ليكون مختصا في علاجات الأمومة والطفولة، وبه إحدى إعداديتي المدينة.. بعد ذلك تجد نفسك تدلف إلى حي “الجديدة” الهادئ شيئا ما نسبة لسابقه، وأبرز مميزاته احتضانه لأعمدة الالتقاط الهاتفي لشركات الاتصال، وخاصة موريتل.
“بوبغج” حي الثانوية والمستشفى الكبير بمكطع لحجار، فـحي “الطليعة” حيث ينتصب خزان المياه في انتظار أن تحل ما يسميه بعضهم “لعنة العطش” التي تلازم عاصمة المقاطعة حتى قبل إنشائها، ولن تغادر مكطع لحجار قبل أن يودعك حي “النيمروات” المتوقع في آخر المدينة والذي يقطنه المنمون والمزارعون، ولن تمر منه دون أن تعكر صفوك “عربة جرارة”، أو شاحنة صغيرة مليئة بآخر أفواج موسم الحصاد.
ويحتضن كل حي من هذه الأحياء مدرسة ابتدائية، وبعض التعاونيات النسوية، و”مصابة” بمرض “لكواتير” الأكثر انتشارا بين الساكنة، وخاصة النساء.
في حين يشق المدينة شارع يتيم وهو طريق “الأمل”، أو ما تبقي من بقاياه خاصة في قلب المدينة، التي تنشطر جغرافيا حسب املاءات الطبيعة إلى قسمين، شرقي للزراعة تكسوه خضرة ممتدة على طول سد المدينة، وآخر غربي مأهول بالسكان.
العطش.. عصب الحياة
المواطن العادي في مكطع لحجار يتناهبه ثالوث التجارة والزراعة والعطش، فلا حديث في سوق المدينة إلا عن متابعة حركة الأسعار غير المستقرة، أو السعي لبيع أكبر قدر ممكن من الإنتاج الزراعي المحلي، خاصة الذرة التي يصل سعر المد الواحد منها 600 أوقية، إضافة إلى تكديس ما تيسر من الأعلاف المستجلبة من مزارع المدينة باعتبارها صمام الأمان لعبور فصل الصيف الشحيح عادة في هذه المقاطعة.
عندما تسأل المواطن البسيط عن مشاكل المدينة، يجيبك ببساطة “مشكل العطش”، وكل من التقيناهم من الجنسين اتفقوا على أن أزمة العطش قضاء لا مفر منه هنا.
محمد عبد الله ولد اخطاره شيخ سبعيني محدودب الظهر، يسير بخطوات متباطئة في سوق المدينة غير عابئ بمنبهات السيارات، تواردت الخواطر المؤلمة إليه وهو يحكي لـ”صحراء ميديا” قصة العطش في المدينة قائلا “نحن هنا نموت عطشا، والدولة لا تلقي لنا بالا.. الماء غير متوفر، وما هو موجود منه ضره أكثر من نفعه.. نحن مجرد بقايا من الدمن”.
فيما ترى “اغلاهم” صاحبة تعاونية أن العطش “مسألة ألفها السكان في جميع فصول السنة، والأشهر القادمة هي الأسوأ” على حد تعبيرها.
“عبد الرحمن”، عامل في مشروع النظافة اعتبر أن “مسير شبكة الماء في المدينة هو المسؤول عن كل أزمات المياه”، واصفا إياه بأنه “يتاجر بأسلوب المناوبة المعتمد في توزيع ما هو متوفر من المياه بين أحياء المدينة”، منتقدا بشدة عدم احترام الفروق بين فواتير المنازل والحنفيات.
محمد السالم ولد أحمد رمظان الخبير في المياه والتربة والمسؤول عن توزيع المياه في المدينة أكد لـ”صحراء ميديا” أن المدينة تتغذى بمياه بئر على يتعدى إنتاجه اليومي 18 ألف متمرا مكعبا من الماء، وهو ما يمثل نسبة أقل من ربع احتياجات المدينة حاليا، قائلا “إن مشكلة العطش من المحتمل أن تحل بشكل نهائي نهاية العام 2011”.