تتجه أنظار الموريتانيين هذه الأيام إلى “جول”؛ مدينة التلال التاريخية، هناك على ضفة نهر السنغال، حيث سينظم أول مهرجان للاحتفاء بتاريخ الضفة، في قرية تأسست في القرن التاسع الميلادي.
المدينة التي تأسست في عهد مملكة غانا، قبل دخول الإسلام إلى المنطقة؛ تُعرف بمدينة “ألف تلة”، كما قال الأستاذ والباحث في التراث الفوتي، أحمد عمار فوتنك، في تصريح لـ “صحراء ميديا”.
فوتا تورو
تقع “جول” في الجنوب الشرقي لمقاطعة كيهيدي، وهي العاصمة القديمة لمختلف السلالات التي حكمت منطقة “فوتا تورو”؛ مهد الأبطال والأساطير الاجتماعية.
يضيف أحمد عمار، أن اختيار المدينة يعود إلى موقعها الذي يستجيب لمتطلبات عسكرية، كما يسمح بالسيطرة على المرتفعات والهضاب المحيطة، والاستفادة في نفس الوقت من مياه نهر السنغال.
صنفت المدينة عام 2015 كتراث إنساني عالمي، من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.
ارتبط تاريخ جول بملحمة صمب كلاديو ديكي، ذلك الفارس المغوار الأبي الذي نافح عن مملكة “ساتيغي”، وتحولت قصته من موقع “بيلباسي” في جول إلى ملحمة شعرية يرددها حافظو الذاكرة منذ القرن الثامن عشر إلى اليوم، كما يقول أحمد عمار.
اشتهرت المدينة المحاذية للنهر، أيضًا بشجرة “الباوباو”، التي تقول الأسطورة إن الفارس صمب كلاديو ديكي، كان يربط فرسه عندها، بعد العودة من معاركه المظفرة.
تاريخ من الجهاد
وبعيدًا عن الأساطير الثقافية، يوجد في المدينة ضريح العالم والمجاهد الشيخ سليمان بال، الذي أطلق ملحمة جهادية معروفة، فحارب العبودية وأسس دولة الأئمة في منطقة حوض نهر السنغال، والتي عرفت بدولة “المامية”، فسبقت الميثاق الدولي لحقوق الإنسان إلى الكثير من مواده.
وفي عهد الدولة الحديثة، منها رجال كان لهم حضورهم البارز، ولعل من أهمهم الحاج محمود عمر باه، العالم الذي أسس مدارس الفلاح في غرب إفريقيا، ويوجد قبره في “جول”.
كانت جول وفق ولد عمار، قبلة للأبطال والأساطير، كالملك “كولي تنقلا با” الفلاني والبطل الأسطوري “صمبا كلاجو جيكي”، والمجاهد الإمام “عبدول بوكر كان”.
وبالإضافة إلى ذلك، كان للأعمال الفنية والثقافية أثرها البالغ في حياة سكان المدينة والمدن المحيطة بها.
احتفاء بالتاريخ
أعلنت الحكومة الموريتانية، في شهر نوفمبر الماضي، استحداث مهرجان في مدينة «جول” التاريخية، تثمينًا لجزء مهم من التاريخ الموريتاني.
قالت الحكومة حينها، إن الهدف من القرار “إرساء قواعد سياسية وثقافية قادرة على مواكبة نمو البلد وتطوراته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية”.
في غضون ذلك، يراهنُ سكان مدينة “جول” على المهرجان من أجل تغيير أوضاع منطقتهم، خاصة وأنه سيفتتح من طرف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني شخصيًا.
وتحدث سكان لـ “صحراء ميديا” عن واقع المدينة ووصفوه بأنه “مزري”، إذ يؤكدون أن مدينتهم “تعاني من نواقص في البنية التحتية والمدارس والمستشفيات، لكن المشكلة الكبيرة هي انعدام شركات الاتصال”.
مئات الموريتانيين القادمين من نواكشوط، لحضور المهرجان، وجدوا أنفسهم زبناء لشركات اتصال سنغالية، هي التي يعتمدُ عليها السكان المحليون.
تنمية اجتماعية
وأعلن في مدينة جول خلال فعاليات المهرجان التوقيع على “إعلان جول” الذي يحث على الوحدة والتلاحم بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني.
ووقع على الإعلان الرئيس الموريتاني والسيدة الأولى، وزعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، ووزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، ورئيس المجلس الجهوي لجهة كوركول وعمدة بلدية جول.
وأكد الإعلان على ضرورة تجاوز العقليات والمسلكيات البائدة، والمتخلفة والنظرة بصفة مجتمعية شاملة متساوية لمجتمع تغيب فيها الفوارق الاجتماعية، ويكون فيها معايير الأفضلية لمن يبذل أكثر خدمة للمصلحة العامة لوطننا الذي يتسع لنا جميعا.
وفي سياق متصل قال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إن الحكومة عبأت الموارد المالية اللازمة لتنفيذ مجموعة متنوعة من البرامج الإنمائية لصالح منطة جول في مجالات البيئة والصحة والتعليم والمياه والطاقة والزراعة والتنمية الحيوانية وغيرها عملا على تحسين ظروف حياة المواطنيين في المدينة ودعما للتنمية المحلية بها.
وأضاف ولد الغزواني في مهرجان «جول» إن المدينة التاريخية شهدت تشكل إحدى أشهر وأعظم الملاحم في تاريخ أفريقيا مشيرا إلى ملحمة «صامبا كلاديو ديكي».
وتابع أن من أقوى موجبات صمود الأمم والشعوب اعتزازها بموروثها وتاريخها الثقافي، لافتا إلى أن الثقافة هي التي تُكسب الاستمرارية التاريخية للمجتمعات البشرية.
وأكد أن حكومته حريصة على أن لا تكون المهرجانات الثقافية «مجرد استعراض فلكلوري ينتهي أثره بانتهاء فعالياته وعلى ضرورة أن يكون المهرجان في ذات الوقت مشروعا إنمائيا بقدر ما هو مشروع ثقافي».