صحراء ميديا – خاص
مئات أميال فقط هي كل ما بات يفصل “محمد” عن الوصول إلى الجدار الحدودي الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، بعد رحلة استمرت حوالي شهر بكل متاعبها وعقباتها.
الحلم بات يقترب أكثر، بَيْد أن ظلاما دامسا نسج خيوطه على مدى ساعات، فأوصد الباب أمام مواصلة السير في انتظار حزمة ضوء يهديها فجر اليوم الموالي.
كان الشاب الموريتاني قد احتفظ في ذاكرة هاتفه بمخطط شامل للرحلة؛ يتضمن أسعار وأوقات التنقل بين المدن، وأسماء الفنادق الرخيصة التي تسمح بتأجير الغرفة الواحدة لأكثر من شخص.
وقع الاختيار على أقرب فندق لمحطة الباصات، كان بهوه يغص بمهاجرين من شتى أنحاء العالم من بينهم عشرات الموريتانيين.
مع ساعات الفجر الأولى جهز “محمد” حقيبته، وصعد رفقة موريتاني آخر على متن حافلة نقل باتجاه مدينة “تيخوانا” الحدودية، ولكن رحلته لم تكتمل.
في منتصف الطريق اعترض رجال يرتدون ملابس شرطة المرور الحافلة، وطلبوا من ركابها النزول تحت تهديد السلاح، ثم نقلوهم في سيارات إلى منزل معزول في غابة موحشة.
لقد كانت عصابة محلية تصطاد المهاجرين المتوجهين نحو الجدار.
مسار التفاوض
في ركن قصي من بيت متهالك وسط الغابة، جلس رئيس العصابة يخاطب المحتجزين الجدد بلغة إسبانية تحمل تهديدا واضحا، حدد لهم المبلغ المطلوب لتحريرهم وطرق دفعه، ثم منح كل فرد فرصة الاتصال برقم واحد، على أن يبقى هذا الرقم خيط التواصل مع العصابة لإكمال إجراءات عملية تحويل الفدية.
يواجه الموريتانيون تحديين أساسيين في هذه المرحلة؛ أولهما حاجز اللغة الذي يتم التغلب عليه أحيانا بترجمة غوغل غير الدقيقة.
أمَّا التحدي الثاني فيتمثل في عملية تحويل الأموال التي تخضع لشروط ومزاج المختطف وتعذر الاتصال به أحيانا.
ويرسم المختطفون طرقا معقدة وملتوية لتلقي الفدية، وذلك بسبب التهرب من رصد التحويلات المالية التي تصلهم ووقفها أحيانا، كما أن عملية التحويل تتم على دفعات تفاديا للاشتباه.
ضيافة العصابة
الفترة التي يقضيها المهاجرون في الاحتجاز تختلف باختلاف ظروف الشخص، وسرعة تجاوب عائلته مع شروط تحريره، وتتراوح في العادة من أسبوع إلى أربعة أسابيع.
في هذه الفترة يوفر المختطفون ماء للشرب ووجبة واحدة خلال اليوم كله، كما تقوم العصابة يوميا بإجراء تمارين بدنية للمحتجزين لتدريبهم على إجلائهم في حال تعرض مقر العصابة لعملية مداهمة محتملة من قبل الأمن المكسيكي.
كما يُمنع على المحتجزين استخدام هواتفهم الشخصية أو التواصل مع أي جهة خارجية قبل دفع الفدية، التي تتراوح عادة ما بين ألفين وأربعة آلاف دولار للفرد الواحد.
بعد دفع الفدية يُسلم المحتجزين لحافلات نقل، يُعتقد أن سائقيها عناصر من العصابة نفسها، على أن يقوموا بتوصيلهم إلى وجهتهم في مدينة “تيخوانا”، ومن هناك يواصلون رحلتهم باتجاه السياج الحدودي.
سباق مع الزمن
الإقبال المتزايد على تسلق السياج الحدودي، بين الولايات المتحدة والمكسيك، يأتي قبل أقل من شهرين على تطبيق قيود جديدة اقترحتها إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، على طالبي اللجوء لمنع تدفق المهاجرين على الحدود الجنوبية، والتي يتوقع أن تدخل حيز التنفيذ شهر مايو المقبل.
هذه القيود ستسمح بترحيل فوري للمهاجرين الذين لا يتوفرون على تأشيرات دخول، بمن فيهم طالبو اللجوء المحتملون.
وتفرض القيود الجديدة على المهاجرين طلب اللجوء مسبقا، وليس عند وصول الأراضي الأميركية كما كان سابقا، والانتظار في البلدان التي قدموا منها طلب اللجوء حتى يتلقوا الرد، وهو ما قد يستغرق عدة سنوات.
ويعتبر المخالفون لهذه القيود غير مؤهلين للحصول على اللجوء، وبالتالي يصبحون عرضة للترحيل الفوري.
وتدخل هذه القيود في سياق مساعي الإدارة الأميركية لتأمين حدودها التي يحاول نحو مائتي ألف مهاجر عبورها شهرياً، من بينهم موريتانيون.