قررت روسيا شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، العام الماضي، فاندلعت أزمة طاقة ضربت العالم أجمع، ووصلت تداعياتها إلى مدينة النعمة، في أقصى شرقي موريتانيا، ذلك ما دفع سكان هذه المدينة نحو البحث عن وسائل نقلٍ أكثرَ تماشيًا مع وضعهم الاقتصادي، فزاد الإقبال على اقتناء الدراجات النارية.
“مصطفى” أحدُ سكان النعمة، اعتاد يوميا الذهاب والعودة من عمله على متن دراجة نارية اقتناها قبل سنة، عندما اشتدت الظروف المعيشية، لتكون وسيلته المفضلة للتنقل بين أحياء المدينة.
وسط المدينة، يُشغّل الرجلُ السبعيني، محرك درجاته النارية، ثم يشمر عن ساعديه قبل أن يعتليها، لينطلق عائدا إلى بيته بعد يوم طويل من العمل في السوق.
يقول “مصطفى” إن ارتفاع أسعار المحروقات أدى إلى ارتفاع كبير في أجرة التنقل داخل المدينة، ثم يضيف في حديث مع “صحراء ميديا” أنه اشترى دراجة نارية يقضي بها شؤونه داخل المدينة دون أن تكلفه سوى تعبئتها بالمازوت كل أسبوعين.
لم يكن “مصطفى” وحده من اتخذ من الدراجة ذات العجلتين وسيلته للنقل، فهدير الدراجات النارية لا يتوقف في أرجاء المدينة، فلا تكاد تخلو الشوارع منها، إذ باتت جزء مألوفًا من المشهد، بل إن الإقبال عليها يزداد يوما بعد يوم، وقد تصبح في غضون سنوات وسيلة النقل الأولى في المدينة.
يشتكي سكان النعمة من ارتفاع أسعار سيارات الأجرة، فسعرها لنقل الفرد الواحد يصل إلى 500 أوقية قديمة، وهو سعر يصفه السكان بالمجحف، لأنه لا يتماشى مع دخل الفرد في عاصمة الحوض الشرقي.
“أحمد بشير صالح” أستاذ الفيزياء في ثانوية النعمة، ومع وصوله إلى المدينة قادمًا من نواكشوط، وجد صعوبة في التنقل من محل إقامته إلى الثانوية، فاشترى دراجة نارية جلبها من العاصمة نواكشوط.
يقول الأستاذ في حديثه مع “صحراء ميديا” إن الدراجة منحته إمكانية توفير جزء كبير من مصاريف النقل، بل إنها مكنته من التنقل بين الأحياء لتقديم خدمة ساعات تدريس إضافية في المساء، للحصول على دخل إضافي.
يضيف “بشير” أنه قبل اقتناء الدراجة كان يدفع يوميًا 5 آلاف أوقية مقابل التنقل من أجل العمل، مشيرًا إلى أنه اليوم أصبحت الدراجة تكلفه 3 آلاف أوقية أسبوعيًا، وهو ثمن تعبئتها بالمازوت.
يؤكد “بشير” أن لا وجه للمقارنة مع سيارة الأجرة المكلفة جدًا، واصفًا الدراجة النارية بأنها “خيار اقتصادي جدا، خاصة بالنسبة لمتوسطي الدخل”.
حين دخلت الدراجات النارية إلى شوارع النعمة، بدأت تشكلُ اقتصادها الخاص، فزاد عدد الورشات التي تختص في إصلاحها، حتى أصبحت أكثر عددًا من ورشات إصلاح السيارات.
انتبه “محمد فاضيلي” لأهمية هذه الورشات، حين وصول إلى النعمة قادمًا من مدينة “عدل بكرو”، مسقط رأسه، فافتتح ورشته الخاصة على ناصية شارع الاستقلال، أكبر شوارع المدينة.
يقول “فاضيلي”، إنه فتح ورشة لإصلاح الدرجات “نظرا للإقبال الكبير عليها من طرف سكان النعمة والمناطق المجاورة لها، حيث تحتاج للصيانة وذلك ما تعلمته”.
ويضيف في حديث مع “صحراء ميديا” أنه يصلح يوميًا دراجة واحدة إلى دراجتين، مؤكدا أنه استطاع بهذا العمل تأمين لقمة عيش لأسرته التي تقطن في مدينة “عدل بكرو”.
ويتابع فضيلي: “بعد سنوات من البحث المضني عن عمل ملائم، ذهبت إلى النعمة لأجد أن إصلاح الدراجات النارية مهنة رائجة، يمكن الاعتماد عليها كمصدر رزق”.