اشتهر في العالم بأنه أول عسكري يتخلى عن الحكم لصالح المدنيين في موريتانيا، وعرفه الموريتانيون على مدى عشرين عاماً مديراً للأمن في بلادهم، ولكن رفاقه في السلاح لقبوه خلال حرب الصحراء بـ”أسد الصحراء”، اليوم يغادر ولد محمد فال الحياة في عمق هذه الصحراء، وفي أجواء اشتهر بها الإنسان الموريتاني البدوي.
تحت خيمة من الوبر، في قلب الصحراء الموريتانية، ورفقة عدد من النوق وقليل من الماء، في هذه الأجواء توفي الرجل الذي عرفته المؤتمرات الدولية مؤخراً، وأقام لعامين في القصر الرئاسي بنواكشوط، وقرابة عشرين عاماً على رأس المؤسسة الأمنية في موريتانيا.
ولد محمد فال الذي ولد عام 1950، عشر سنوات قبل الاستقلال، كان ينتمي للجيل الذي كونته موريتانيا الجديدة ليكون عسكرياً ونواة لمؤسسة ستحكم البلاد منذ عام 1978، تلقى تكوينه في فرنسا والمغرب بداية سبعينيات القرن الماضي، وتخرج ليجد نار حرب الصحراء تستعر، فكانت فرصة ذهبية لضابط حديث السن، قادم للتو من مقاعد الدراسة، فوجد الفرصة لنقل تجاربه النظرية إلى أعمال تطبيقية.
وجد ولد محمد فال ساحة معركة حقيقية ليختبر نفسه ومعلوماته، قاد فرقا في خطوط التماس، وخرج سالما من حرب قرر العسكر إيقافها بإزاحة أول رئيس لموريتانيا من سدة الحكم هو المختار ولد داداه.
النشأة والتعليم
ولد اعلي ولد محمد فال عام 1950، وتلقى تعليمه الابتدائي في موريتانيا بين أعوام 1960-1966، ليلتحق بالتعليم العسكري الفرنسي-الموريتاني المشترك وتم ابتعاثه بعد ذلك إلى العاصمة الفرنسية باريس لإكمال تعليمه.
في فرنسا تحصل ولد محمد فال على ختم التعليم الإعدادي والثانوي بنظام عسكري، وحصل على شهادة الباكالوريا، عام 1973 التي أهلته للالتحاق بالأكاديمية العسكرية.
بعد عام واحد مضى على التحاقه بالأكاديمية العسكرية في فرنسا، انتهت اتفاقية التكوين العسكري المشترك بين فرنسا وموريتانيا، فبُعث ولد محمد فال إلى المملكة المغربية، للاستفادة من تكوين في الأكاديمية العسكرية بمكناس استمر لثلاثة سنوات.
حصل ولد محمد فال على ليصانص في الحقوق من المغرب عام 1976 وتخرج في نفس السنة مع مرتبة الشرف العسكري الأولى، وشارك عام تخرجه في حرب الصحراء.
البروز الأول
بعد انقلاب 1978، دخلت موريتانيا في مرحلة من عدم الاستقرار في أعلى هرم السلطة، إلا أن الانقلاب الذي قاده العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطائع عام 1984 للإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيداله، أعاد الأمور لنصابها وأخرج البلاد من أتون التوتر.
لقد كان ولد محمد فال هو الأصغر سناً من بين المشاركين في انقلاب 12 ديسمبر 1984، لتبدأ حكاية الرجل مع الانقلابات التي حدثت بعد ذلك، والتي إما كان طرفاً في تنفيذها، أو جزءً من خطة إحباطها، أو على الأقل معارضاً شرساً لها كموقفه من الانقلاب الأخير عام 2008.
في عام 1985 تولى ولد محمد فال مسؤولية إدارة جهاز الأمن، وظل يشغل هذا المنصب لمدة تزيد على العشرين عاما، شهدت خلالها موريتانيا عدة محاولات انقلابية، بعضها خرج عن قاعدة الانقلابات العسكرية البيضاء في موريتانيا، وبعضها الآخر تمكنت الأجهزة الأمنية من وأده في المهد.
في العام 2005 قاد ولد محمد فال، انقلابا أبيض أطاح من خلاله بصديقه ورفيق دربه معاوية ولد سيد أحمد الطائع، الموجود حالياً في المهجر بدولة قطر.
تولى ولد محمد فال منذ 2005 وحتى 2007 رئاسة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، وقاد مرحلة انتقالية أفضت إلى انتخابات رئاسية، أوصلت سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم، وغادر ولد محمد فال السلطة كأول عسكري موريتاني يتخلى عن الحكم طواعية.
بريق السياسة
غاب ولد محمد فال عن الأنظار في موريتانيا بعد أن تنحى عن الحكم، ولكن بريق السياسة لم يلبث أن أعاده إلى الواجهة، فظهر في المؤتمرات الدولية ليحاضر عن الديمقراطية وهيمنة العسكر على الحكم في أفريقيا، وذلك انطلاقاً من تجربته كعسكري أفريقي جلب الديمقراطية لبلده، وسلم الحكم للمدنيين.
ولكن الرجل لم يلبث أن عاد إلى الواجهة السياسية داخل البلاد، بعد انقلاب 2008 الذي أزاح ولد الشيخ عبد الله الذي سلمه الحكم قبل عام، ليحل مكانه محمد ولد عبد العزيز، الجنرال في الجيش الذي يقلل دوماً من شأن دور ولد محمد فال في انقلاب 2005.
وصف ولد محمد فال انقلاب ولد عبد العزيز بأنه “تمرد شخصي”، وخرج في مسيرات مناهضة له، ودعا في أكثر من مناسبة إلى إزاحة ولد عبد العزيز من سدة الحكم، ولكن اتفاق دكار أفضى إلى انتخابات رئاسية كشفت أوراق ولد محمد فال عندما ترشح للرئاسة، معبراً لذلك عن رغبته في العودة إلى “القصر الرمادي” ولكن عبر صناديق الاقتراع هذه المرة.
كانت النسبة التي حصل عليها ولد محمد فال في انتخابات 2009 مفاجئة، إذ لم تتجاوز 3 في المائة من أصوات الموريتانيين، ولكنه آنذاك أثار الشكوك حول نزاهة الانتخابات وتحدث عن “تزوير غير تقليدي” في عملية الاقتراع، كتبرير لفوز خصمه ولد عبد العزيز في الشوط الأول بنسبة بلغت حوالي 52 في المائة.