احتضنت جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية مساء الثلاثاء (2/3/2010) مناقشة بحث لنيل درجة الدكتوراه في العدالة الجنائية، بعنوان “الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي وعقوباتها في القانون الموريتاني”، دراسة تأصيلية مقارنة، قدمه أحد الطلاب الموريتانيين الدارسين في هذه الجامعة.
الأطروحة التي قدمها الطالب الموريتاني محمد بن محمد سالم بن عدود نالت إعجاب اللجنة المناقشة، حيث أثنت عليها ومنحتها مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطباعتها.
وقد حضر المناقشة جمع كبير من أطر وأعيان الجالية الموريتانية في الرياض؛ من بينهم السفير الموريتاني في السعودية د/ محمد محمود بن عبدالله بن بيه، وعدد من أعضاء السفارة، والشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا، والمشرف على الرسالة ـ وهو موريتاني ـ الأستاذ المشارك ورئيس قسم النشر في جامعة نايف للعلوم الأمنية د/ محمد عبد الله ولد محمد أمات، ومهندسون وأساتذة موريتانيون في جامعتي الإمام، والملك سعود.
قدم الباحث في رسالته دراسة تأصيله من الكتاب والسنة وتطبيقات وآراء الصحابة ومن بعدهم من علماء المسلمين، مع مقارنة تفصيلية متوازنة بفقه الشريعة الإسلامية مع التركيز على المذهب المالكي، متناولا في الفصل الأول مشكلة الدراسة وأبعادها، كما قدّم في الفصل الثاني فكرة عن جرائم أمن الدولة في الشريعة والقانون، وتناول في الفصل الثالث بالتفصيل الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي، أما الفصل الرابع فقد فصل فيه القول في عقوبة الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي، وقدم في الفصل الخامس الخلاصة وأهم النتائج التي كان من أبرز ها:
1. أن هذا المصطلح (جرائم أمن الدولة) – بمفهومه العام – يصدق في الشريعة الإسلامية على: مجموعة من الممارسات الإجرامية التي يغلب عليها الطابع الجماعي، وتستهدف تهديد كيان الدولة ووحدتها وإحداث بلبلة في المجتمع بالطعن في ثوابته الفكرية والعقدية وضرب مؤسساته ومصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
2. أن جرائم البغي والحرابة والردة تمثل كل واحدة منها مظلة يدخل تحتها الكثير من الجنايات المضرة بأمن الدولة الداخلي في الشريعة الإسلامية.
3. أن الإضرار بالأمن الداخلي – في نظر الشريعة الإسلامية – أخطر من الإضرار بالأمن الخارجي، عكس ما ذهب إليه بعض القانونيين.
4. أن الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي في القانون الجنائي الموريتاني تعود إلى: الاعتداء، والمؤامرة ضد النظام الدستوري أو الوطن أو السكان، والمساس بسلامة أرض الوطن، وتجنيد أو استخدام أو تزويد قوات مسلحة أو العمل على ذلك بدون أمر أو تصريح من السلطة الشرعية، والممارسة أو الاحتفاظ بأي قيادة عسكرية أيا كانت دون وجه حق أو دون سبب مشروع، توجيه طلب أو أمر أو استخدام قوات لمنع تنفيذ القوانين الخاصة بالتجنيد أو بالتعبئة، ترأس أو قيادة أو إدارة أو دعم العصابات المسلحة أو حركات التمرد، إقامة حواجز أو معاقل لعرقلة أو إيقاف القوى العمومية أو الحيلولة دون مباشرة أعمالها، أو المساعدة على إقامتها، ومنعَ استدعاء القوى العمومية أو جمعها، وتسهيلَ أو تحريضَ تجمع المتمردين؛ وقد رُصدت لهذه الجرائم عقوباتُ: الإعدام، والأشغال الشاقة، والسجن والحبس، والمنع من الإقامة، والحرمان من بعض الحقوق، والمصادرة.
5. أن أحكام الجرائم المضرة بأمن الدولة تنفرد بجملة من الخصائص، من أبرزها: الصياغة المرنة، وطبيعة النشاط المجرَّم، وتجريم الامتناع عن التبليغ، والإعفاء أو التخفيف من العقوبة بالنسبة لأول المبلغين من الشركاء في الجريمة.
6. أن القانون الجنائي الموريتاني يمتاز عن أغلب التشريعات العربية والإسلامية باعتبار الشريعة الإسلامية مصدره الاحتياطي الوحيد.
7. أن الشريعة الإسلامية انفردت بتجريم زعزعة الأمن فكريا وعقديا؛ باعتبارها مضرة بأمن الدولة الداخلي.
8. أن الشريعة الإسلامية امتازت عن القانون بتقليص العقوبة من ناحية الكيف والمحافظة على مقدارها من ناحية العدد كمظهر من مظاهر التخفيف الناتج عن قيام الظرف المخفف بالجاني.
9. سلطت الشريعة الإسلامية الظروف المخففة على حالات من صميم الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي كما هو الحال في جريمة (الحرابة)، أما القانون فإنه قد قصر الظروف المخففة على جرائم ثانوية كما هو الحال في جريمة (عدم الإبلاغ)؛ مما يعني أن تأثير الظروف المخففة على العقوبات أعمق في الشريعة الإسلامية منه في القانون.
10. من الفروق الجوهرية بين الشريعة والقانون فيما يخص الإعفاء من العقوبة أن كل أفراد العصابة لو جاؤوا تائبين قبل إلقاء القبض عليهم فإن العقوبة تسقط عنهم جميعا كما نصت عليه الآية. أما في القانون فإن العذر المعفي من العقوبة أو المخفف لها يقتصر على أول من يبلغ السلطات فقط.
وأخيرا خرج الباحث بتوصيات نذكر منها:
1. أن يتم النصُ في القانون الجنائي الموريتاني على تجريم وعقوبة إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع على وجه يعرض السلام العام والأمن الداخلي للخطر؛ باعتبارها من أوجه الإضرار بوحدة الوطن.
2. التقليصُ قدر الإمكان للحالات التي يمكن فيها الحكم بعقوبة (الإعدام) باستثناء حالات الحدود والقصاص.
3. إلغاءُ عقوبة (الأشغال الشاقة) من القانون الجنائي الموريتاني، واستبدالها بعقوبة (السجن) البسيط غير المصحوب بالتشغيل.
4. إتاحةُ فرص عمل للمساجين تتناسب مع قدراتهم البدنية والعقلية ومع ظروف السجن، يَجنون منها مكاسب مادية، وتكون مجالا صحيا لتفريغ الطاقة والوقت.
5. إلغاءُ عقوبة (المصادرة) العامة بشكل مطلق؛ لما تتسم به من الشطط والتهديد المباشر والبعيد المدى للمركز المالي والاجتماعي للمحكوم عليه ولمحيطه الأسري.