في قاعات قصر المؤتمرات بنواكشوط تجري جلسات “الحوار الوطني الشامل”، وفي باحة نفس القصر يجري حوارُ آخر لتحليل ومناقشة ما يجري، ومحاولة فهم تصريحات الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد الأمين ولد الشيخ بخصوص عدد المأموريات الرئاسية، وهي تصريحات أربكت المشهد في حوار تغيب عنه المعارضة التقليدية وتجد “المعارضة” المحاورة صعوبة في إقناع بقية الأطراف بأنها “معارضة” لديها الحق في الرفض.
جلسات التحليل في باحة القصر تستهوي الجمهور أكثر من الورشات التي يتكرر فيها الحديث وتعاد فيها صياغة الأفكار وتدويرها، بل إن بعض كبار السياسيين اعتمدها مصدراً لبناء مواقفه ومحاولة جس نبض النظام، فالجميع هنا يريد أن يفهم أو يكتشف ما يفكر فيه رأس النظام، ولكن الأخير يمسك بخيوط اللعبة ويتلاعب بثقوب الضوء في جداره المعتم كيفما يشاء.
مسعود ولد بلخير، المعارض المخضرم الذي ترجّل من راديكاليته قبل خمس سنوات، استطاع أن يخطف الأضواء بعد سنوات قضاها في ظل السلطة؛ اعتمد على شبابه المتحمس كواجهة للمشاركة في الحوار، وبقي جالساً في مطبخ “الناصريين” يعد المكتسبات التي يمكنه تحقيقها من حوار غلبت عليه لغة: “خذ وهات”.
انسحاب مسعود
منذ أن بدأت شخصيات في الأغلبية الرئيسية طرح فتح المأموريات الرئاسية على طاولة النقاش في ورشة “الإصلاحات الدستورية”، وحزب التحالف الشعبي التقدمي يهدد بالانسحاب من جلسات الحوار، مظهراً موقفاً راديكالياً حيال هذه النقطة، وهو الموقف الذي وجد فيه الكثيرون تعارضاً مع تقاربه مع النظام ولقاءاته المتكررة مع الرئيس.
ولكن الحزب أكد في أكثر من مرة جديته في التهديد بالانسحاب، إذا أصرت الأغلبية على فتح نقاش عدد المأموريات الرئاسية، وصرح عدد من قيادات الحزب لـ”صحراء ميديا” أنهم لن يقبلوا ابداً بنقاش هذه النقطة، إلا أن الأغلبية دافعت هي الأخرى عن وجهة نظرها واصفة الحوار بأنه “بلا خطوط حمراء”.
بدا واضحاً أن ولد بلخير قد قرر أن يدعم موقف شباب الحزب الأكثر راديكالية حيال نقاش تعديل المأموريات الرئاسية، بدل الميل إلى موقف صقور الناصريين في حزبه، والذين يميلون إلى الحكمة وعدم التصعيد؛ لعب ولد بلخير ورقة “الانسحاب” أو “تعليق المشاركة”، ولكنه ربط عودته إلى الجلسات باعتذار الناطق الرسمي باسم الحكومة عن تصريحاته بخصوص تحصين مواد الدستور؛ لم يطالب ولد بلخير بمنع نقاش تعديل المادة المحددة لعدد المأموريات الرئاسية، وهو هنا اتخذ موقفاً متوازناً يجمع بين مطالب شباب حزبه المتحمس، ويفتح الباب أمام هدوء وأجندات صقور الناصريين.
مسعود والقصر
يعد مسعود ولد بلخير أكثر رئيس حزب سياسي، يوصف بالمعارض، زار القصر الرئاسي خلال السنوات الأخيرة، تربطه صلة قوية ووثيقة بالرئيس محمد ولد عبد العزيز بدأت منذ توليه رئاسة الجمعية الوطنية، الغرفة السفلى في البرلمان الموريتاني، وانشقاقه عن “منسقية المعارضة الديمقراطية” عام 2011 وتأسيس كتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي على السلطة التي دخلت في حوار مع السلطة، شهر نوفمبر 2011، أسفر عن تعديلات دستورية.
كما يعد ولد بلخير شريكاً قوياً في التحضير لحوار أكتوبر 2016، وقد التقى بولد عبد العزيز الأسبوع الماضي، من أجل مناقشة مجريات الحوار ومخرجاته المتوقعة، ولكن علاقته بولد عبد العزيز لم تمنعه من الاصطدام بالحكومة ممثلة في الناطق الرسمي باسمها، كما أبدى الحزب في أكثر من مرة انتقادات صريحة للأغلبية واللجنة المشرفة على تنظيم الحوار.
وأوضح ولد بلخير في لقاء جمعه مساء أمس بممثلي المعارضة المحاورة، أنه سيلتقي بولد عبد العزيز بخصوص تعليق مشاركته في الحوار وموقفه الرافض لتصريحات ولد الشيخ، ولكن الواضح من كلام ولد بلخير أنه رسالة مبطنة إلى الحكومة ومنظمي الحوار مفادها أنه يتحاور بشكل مباشر مع ولد عبد العزيز، وأنه طرف قوي، وليس مجرد ديكور في قصر المؤتمرات.
ولكن التجارب خلال السنوات الأخيرة تؤكد أن ولد عبد العزيز لديه القدرة على تغيير مواقف ولد بلخير بسهولة، فكثيراً ما دخل القصر الرئاسي غاضباً وخرج منه راضياً، وتبدلت مواقفه الحادة بأخرى منفرجة وأكثر ليناً وتفهماً؛ فهل سيتغير موقف ولد بلخير من الحوار ومن نقاش مادة تحديد عدد المأموريات الرئاسية، والأهم هل سيتغاضى عن مطلب اعتذار الوزير ولد الشيخ، إذا التزمت السلطة بعدم تكرار مثل هذه التصريحات.
تصريحات الوزير
وإن كانت تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة قد أربكت جلسات الحوار، ودفعت حزب التحالف الشعبي إلى اتخاذ موقف حاد حيال هذه الجلسات، إلا أنها في الوقت ذاته ألقت بسحابة من الغموض على تيار الأغلبية الرئاسية، غموض عززه عدم وضوح الرؤية لدى هذه الأغلبية بخصوص الهدف من الحوار، وما ينوي النظام القيام به.
تباينت مواقف الأغلبية الحاكمة من تصريحات الوزير، بين من رأى فيها موقفاً رسمياً من الحكومة والنظام، لأنها تأتي من طرف الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة وبعد دقائق من خروجه من مجلس الوزراء الذي ترأسه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويعتقد هؤلاء أنها لن تكون إلا رسمية وخلاصة نقاشات مستفيضة في المجلس الحكومي، إنها بالنسبة لهم انعكاس لما يفكر فيه الرئيس.
آخرون يرون في هذه التصريحات مظهراً من مظاهر الصراع الدائر بين أجنحة الحكم في موريتانيا، وانكشافاً للعبة لي الأذرع الدائرة بين اثنين من أكثر الرجال قرباً من الرئيس، وهو صراع طفا في أكثر من مرة على سطح الإعلام، وألقى بظلاله في أكثر من مرة على التحضير للحوار بل ويخيم على جلسات الحوار الجاري.
في المقابل هنالك شخصيات في الأغلبية ترى في تصريحات الوزير ولد الشيخ “مواقف شخصية”، ولا تعكس وجهة نظر الحكومة أو الرئيس، ويتهمون الوزير باستغلال المنبر الرسمي والصفة الحكومية لتمرير مواقفه الشخصية، والمبالغة في إظهار الولاء بمواقف قد تضر النظام أكثر مما تنفعه.
في غضون ذلك سال الكثير من الحبر بعد تصريحات الوزير التي انتقد فيها حصر عدد المأموريات، وقلل من أهمية تحصين مواد الدستور أمام إرادة الشعب؛ فمقاطعو الحوار ومعارضو النظام يدرجون هذه التصريحات في سياق تصريحات سابقة أدلى بها وزراء في الحكومة حول تعديل الدستور وفتح عدد المأمورية، وهم الوزراء الذين دافع عنهم الرئيس في خطابه بالنعمة 03 مايو الماضي.
يرى أصحاب هذا الراي أن النظام قد لا يكون أعطى تعليمات صريحة بالإدلاء بمثل هذه التصريحات، وإنما أعطاها الضوء الأخضر لأنه يجد فيها فرصة لجس نبض الرأي العام الوطني والدولي، إنها بالنسبة له بالون اختبار لمعرفة اتجاه الرياح السياسية في بلد يقع في قلب منطقة تجتاحها العواصف السياسية والأمنية والاقتصادية.
تمديد الحوار
عقدت تصريحات الوزير من مهمة المتحاورين، لتزيد من حجم العراقيل أمام هذه الجلسات التي تأجل اختتامها في أكثر من مرة، فقد بدأت جلسات “الحوار الوطني الشامل” يوم الخميس 29 سبتمبر الماضي، على أنها ستختتم يوم الاثنين 10 أكتوبر الجاري، ولكن اللجنة المشرفة قررت تمديدها ثلاثة أيام من أجل “تعميق النقاش”، ليتم التمديد من جديد لأسبوع آخر، أي أن مدة الحوار تضاعفت من عشرة أيام إلى عشرين يوماً.
ومع مضاعفة مدة جلسات “الحوار الوطني الشامل” ما تزال النقاشات في الورشات الأربعة تصطدم بعقبة التعديلات الدستورية المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية، مفارقة عجيبة أن يختزل كل الحوار في نقطة واحدة لم تكن مدرجة في جدول الأعمال المتفق عليه من طرف الأطراف المشاركة في الحوار.
وبالنظر إلى أن الحوار من المنتظر أن يختتم بعد غد الثلاثاء 18 أكتوبر الجاري، نجد أن مواضيع كثيرة وشائكة ما تزال بعيدة من أن تثار حولها النقاشات أحرى أن تتخذ فيها قرارات، وفيما يلي تجدون الورشات والنقاط المدرجة على لائحة النقاش في كل ورشة:
الورشة 1: تعزيز دولة القانون والعدالة الاجتماعية:
فصل السلطات.
الإصلاحات القضائية واستقلالية القضاء.
الحريات الفردية والجماعية.
حياد الإدارة وتحسين فاعليتها.
الولوج إلى وسائل الإعلام العمومي.
الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
التمييز الإيجابي لصالح الطبقات الهشة ومعالجة مخلفات الاسترقاق وتصفية المظالم والإرث الإنساني.
الحالة المدنية.
دعم الجيش في مهمته الأساسية (الجيش الجمهوري).
الأمن ومكافحة الإرهاب.
مكافحة الإرهاب والتطرف ومحاربة الجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في المجال الأمني.
التشغيل.
الملكية العقارية.
تجفيف ومحاربة الدعايات المغرضة والمسمومة.
الموريتانيون في الخارج.
مراجعة أهداف وبرامج هيئة التضامن.
إصلاح النظام، التعليمي والصحي، وسياسة الإسكان والتحضر.
السياسة الزراعية والمائية والرعوية.
الإصلاح العقاري، وتسيير الأملاك العامة.
السياسات المعدنية والصناعية والطاقوية.
ترقية التراث والصناعة التقليدية والفنون الوطنية.
السياسة الخارجية.
المواطنة والتجنيد الإجباري.
دور المركزيات النقابية والهيئات المهنية.
دور المجتمع المدني في تعزيز الديموقراطية والوحدة الوطنية.
الورشة 2: الإشكاليات السياسية والانتخابية:
تعزيز وتنفيذ مكاسب الحوار السياسي 2011.
مراجعة مدونة الانتخابات لتصبح توافقية.
انتخابات برلمانية مبكرة (بمشاركة الجميع).
النسبية (المراجعة، التوسيع).
اللجنة المستقلة للانتخابات.
المجالس الجهوية.
مؤسسة المعارضة الديمقراطية.
مراجعة القانون المنظم للأحزاب.
الأحزاب السياسية وحالة تشرذم المشهد السياسي.
تمويل الأحزاب السياسية.
المال السياسي والشفافية في تمويل الأنشطة السياسية.
اللامركزية (البلديات، المجالس الجهوية).
الشفافية في تسيير الشأن العام والسياسي.
الورشة 3: الإصلاحات الدستورية:
استحداث وظيفة نائب الرئيس.
مراجعة المادة 26 جديدة المتعلقة بسقف عمر المترشح في الانتخابات الرئاسية.
مجلس الشيوخ.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
المجلس الإسلامي الأعلى.
محكمة العدل السامية.
وسيط الجمهورية.
حالات شغور المنصب.
الهيئات الدستورية (الصلاحيات).
المجلس الدستوري (التشكيلة).
شعارات الدولة ورموزها (النشيد، العلم).
مراجعة تمثيل الولايات في البرلمان.
الورشة 4: الحكامة الاقتصادية والمالية:
تحقيق التنمية الاقتصادية.
التوزيع العادل للثروة.
إرساء حكامة بيئية متوازنة.
مراعاة متطلبات التنمية المستديمة.
الشفافية في تسيير الموارد.
تنويع القاعدة الإنتاجية، وزيادة القدرة التنافسية.
مراجعة الاتفاقيات (الصيد، المناجم).
دعم المواد الأساسية (برنامج الأمل).
مراجعة نظام الأجور.
إنشاء مرصد وطني للشفافية (مراقبة الصفقات).
جلسات التحليل في باحة القصر تستهوي الجمهور أكثر من الورشات التي يتكرر فيها الحديث وتعاد فيها صياغة الأفكار وتدويرها، بل إن بعض كبار السياسيين اعتمدها مصدراً لبناء مواقفه ومحاولة جس نبض النظام، فالجميع هنا يريد أن يفهم أو يكتشف ما يفكر فيه رأس النظام، ولكن الأخير يمسك بخيوط اللعبة ويتلاعب بثقوب الضوء في جداره المعتم كيفما يشاء.
مسعود ولد بلخير، المعارض المخضرم الذي ترجّل من راديكاليته قبل خمس سنوات، استطاع أن يخطف الأضواء بعد سنوات قضاها في ظل السلطة؛ اعتمد على شبابه المتحمس كواجهة للمشاركة في الحوار، وبقي جالساً في مطبخ “الناصريين” يعد المكتسبات التي يمكنه تحقيقها من حوار غلبت عليه لغة: “خذ وهات”.
انسحاب مسعود
منذ أن بدأت شخصيات في الأغلبية الرئيسية طرح فتح المأموريات الرئاسية على طاولة النقاش في ورشة “الإصلاحات الدستورية”، وحزب التحالف الشعبي التقدمي يهدد بالانسحاب من جلسات الحوار، مظهراً موقفاً راديكالياً حيال هذه النقطة، وهو الموقف الذي وجد فيه الكثيرون تعارضاً مع تقاربه مع النظام ولقاءاته المتكررة مع الرئيس.
ولكن الحزب أكد في أكثر من مرة جديته في التهديد بالانسحاب، إذا أصرت الأغلبية على فتح نقاش عدد المأموريات الرئاسية، وصرح عدد من قيادات الحزب لـ”صحراء ميديا” أنهم لن يقبلوا ابداً بنقاش هذه النقطة، إلا أن الأغلبية دافعت هي الأخرى عن وجهة نظرها واصفة الحوار بأنه “بلا خطوط حمراء”.
بدا واضحاً أن ولد بلخير قد قرر أن يدعم موقف شباب الحزب الأكثر راديكالية حيال نقاش تعديل المأموريات الرئاسية، بدل الميل إلى موقف صقور الناصريين في حزبه، والذين يميلون إلى الحكمة وعدم التصعيد؛ لعب ولد بلخير ورقة “الانسحاب” أو “تعليق المشاركة”، ولكنه ربط عودته إلى الجلسات باعتذار الناطق الرسمي باسم الحكومة عن تصريحاته بخصوص تحصين مواد الدستور؛ لم يطالب ولد بلخير بمنع نقاش تعديل المادة المحددة لعدد المأموريات الرئاسية، وهو هنا اتخذ موقفاً متوازناً يجمع بين مطالب شباب حزبه المتحمس، ويفتح الباب أمام هدوء وأجندات صقور الناصريين.
مسعود والقصر
يعد مسعود ولد بلخير أكثر رئيس حزب سياسي، يوصف بالمعارض، زار القصر الرئاسي خلال السنوات الأخيرة، تربطه صلة قوية ووثيقة بالرئيس محمد ولد عبد العزيز بدأت منذ توليه رئاسة الجمعية الوطنية، الغرفة السفلى في البرلمان الموريتاني، وانشقاقه عن “منسقية المعارضة الديمقراطية” عام 2011 وتأسيس كتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي على السلطة التي دخلت في حوار مع السلطة، شهر نوفمبر 2011، أسفر عن تعديلات دستورية.
كما يعد ولد بلخير شريكاً قوياً في التحضير لحوار أكتوبر 2016، وقد التقى بولد عبد العزيز الأسبوع الماضي، من أجل مناقشة مجريات الحوار ومخرجاته المتوقعة، ولكن علاقته بولد عبد العزيز لم تمنعه من الاصطدام بالحكومة ممثلة في الناطق الرسمي باسمها، كما أبدى الحزب في أكثر من مرة انتقادات صريحة للأغلبية واللجنة المشرفة على تنظيم الحوار.
وأوضح ولد بلخير في لقاء جمعه مساء أمس بممثلي المعارضة المحاورة، أنه سيلتقي بولد عبد العزيز بخصوص تعليق مشاركته في الحوار وموقفه الرافض لتصريحات ولد الشيخ، ولكن الواضح من كلام ولد بلخير أنه رسالة مبطنة إلى الحكومة ومنظمي الحوار مفادها أنه يتحاور بشكل مباشر مع ولد عبد العزيز، وأنه طرف قوي، وليس مجرد ديكور في قصر المؤتمرات.
ولكن التجارب خلال السنوات الأخيرة تؤكد أن ولد عبد العزيز لديه القدرة على تغيير مواقف ولد بلخير بسهولة، فكثيراً ما دخل القصر الرئاسي غاضباً وخرج منه راضياً، وتبدلت مواقفه الحادة بأخرى منفرجة وأكثر ليناً وتفهماً؛ فهل سيتغير موقف ولد بلخير من الحوار ومن نقاش مادة تحديد عدد المأموريات الرئاسية، والأهم هل سيتغاضى عن مطلب اعتذار الوزير ولد الشيخ، إذا التزمت السلطة بعدم تكرار مثل هذه التصريحات.
تصريحات الوزير
وإن كانت تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة قد أربكت جلسات الحوار، ودفعت حزب التحالف الشعبي إلى اتخاذ موقف حاد حيال هذه الجلسات، إلا أنها في الوقت ذاته ألقت بسحابة من الغموض على تيار الأغلبية الرئاسية، غموض عززه عدم وضوح الرؤية لدى هذه الأغلبية بخصوص الهدف من الحوار، وما ينوي النظام القيام به.
تباينت مواقف الأغلبية الحاكمة من تصريحات الوزير، بين من رأى فيها موقفاً رسمياً من الحكومة والنظام، لأنها تأتي من طرف الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة وبعد دقائق من خروجه من مجلس الوزراء الذي ترأسه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويعتقد هؤلاء أنها لن تكون إلا رسمية وخلاصة نقاشات مستفيضة في المجلس الحكومي، إنها بالنسبة لهم انعكاس لما يفكر فيه الرئيس.
آخرون يرون في هذه التصريحات مظهراً من مظاهر الصراع الدائر بين أجنحة الحكم في موريتانيا، وانكشافاً للعبة لي الأذرع الدائرة بين اثنين من أكثر الرجال قرباً من الرئيس، وهو صراع طفا في أكثر من مرة على سطح الإعلام، وألقى بظلاله في أكثر من مرة على التحضير للحوار بل ويخيم على جلسات الحوار الجاري.
في المقابل هنالك شخصيات في الأغلبية ترى في تصريحات الوزير ولد الشيخ “مواقف شخصية”، ولا تعكس وجهة نظر الحكومة أو الرئيس، ويتهمون الوزير باستغلال المنبر الرسمي والصفة الحكومية لتمرير مواقفه الشخصية، والمبالغة في إظهار الولاء بمواقف قد تضر النظام أكثر مما تنفعه.
في غضون ذلك سال الكثير من الحبر بعد تصريحات الوزير التي انتقد فيها حصر عدد المأموريات، وقلل من أهمية تحصين مواد الدستور أمام إرادة الشعب؛ فمقاطعو الحوار ومعارضو النظام يدرجون هذه التصريحات في سياق تصريحات سابقة أدلى بها وزراء في الحكومة حول تعديل الدستور وفتح عدد المأمورية، وهم الوزراء الذين دافع عنهم الرئيس في خطابه بالنعمة 03 مايو الماضي.
يرى أصحاب هذا الراي أن النظام قد لا يكون أعطى تعليمات صريحة بالإدلاء بمثل هذه التصريحات، وإنما أعطاها الضوء الأخضر لأنه يجد فيها فرصة لجس نبض الرأي العام الوطني والدولي، إنها بالنسبة له بالون اختبار لمعرفة اتجاه الرياح السياسية في بلد يقع في قلب منطقة تجتاحها العواصف السياسية والأمنية والاقتصادية.
تمديد الحوار
عقدت تصريحات الوزير من مهمة المتحاورين، لتزيد من حجم العراقيل أمام هذه الجلسات التي تأجل اختتامها في أكثر من مرة، فقد بدأت جلسات “الحوار الوطني الشامل” يوم الخميس 29 سبتمبر الماضي، على أنها ستختتم يوم الاثنين 10 أكتوبر الجاري، ولكن اللجنة المشرفة قررت تمديدها ثلاثة أيام من أجل “تعميق النقاش”، ليتم التمديد من جديد لأسبوع آخر، أي أن مدة الحوار تضاعفت من عشرة أيام إلى عشرين يوماً.
ومع مضاعفة مدة جلسات “الحوار الوطني الشامل” ما تزال النقاشات في الورشات الأربعة تصطدم بعقبة التعديلات الدستورية المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية، مفارقة عجيبة أن يختزل كل الحوار في نقطة واحدة لم تكن مدرجة في جدول الأعمال المتفق عليه من طرف الأطراف المشاركة في الحوار.
وبالنظر إلى أن الحوار من المنتظر أن يختتم بعد غد الثلاثاء 18 أكتوبر الجاري، نجد أن مواضيع كثيرة وشائكة ما تزال بعيدة من أن تثار حولها النقاشات أحرى أن تتخذ فيها قرارات، وفيما يلي تجدون الورشات والنقاط المدرجة على لائحة النقاش في كل ورشة:
الورشة 1: تعزيز دولة القانون والعدالة الاجتماعية:
فصل السلطات.
الإصلاحات القضائية واستقلالية القضاء.
الحريات الفردية والجماعية.
حياد الإدارة وتحسين فاعليتها.
الولوج إلى وسائل الإعلام العمومي.
الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
التمييز الإيجابي لصالح الطبقات الهشة ومعالجة مخلفات الاسترقاق وتصفية المظالم والإرث الإنساني.
الحالة المدنية.
دعم الجيش في مهمته الأساسية (الجيش الجمهوري).
الأمن ومكافحة الإرهاب.
مكافحة الإرهاب والتطرف ومحاربة الجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في المجال الأمني.
التشغيل.
الملكية العقارية.
تجفيف ومحاربة الدعايات المغرضة والمسمومة.
الموريتانيون في الخارج.
مراجعة أهداف وبرامج هيئة التضامن.
إصلاح النظام، التعليمي والصحي، وسياسة الإسكان والتحضر.
السياسة الزراعية والمائية والرعوية.
الإصلاح العقاري، وتسيير الأملاك العامة.
السياسات المعدنية والصناعية والطاقوية.
ترقية التراث والصناعة التقليدية والفنون الوطنية.
السياسة الخارجية.
المواطنة والتجنيد الإجباري.
دور المركزيات النقابية والهيئات المهنية.
دور المجتمع المدني في تعزيز الديموقراطية والوحدة الوطنية.
الورشة 2: الإشكاليات السياسية والانتخابية:
تعزيز وتنفيذ مكاسب الحوار السياسي 2011.
مراجعة مدونة الانتخابات لتصبح توافقية.
انتخابات برلمانية مبكرة (بمشاركة الجميع).
النسبية (المراجعة، التوسيع).
اللجنة المستقلة للانتخابات.
المجالس الجهوية.
مؤسسة المعارضة الديمقراطية.
مراجعة القانون المنظم للأحزاب.
الأحزاب السياسية وحالة تشرذم المشهد السياسي.
تمويل الأحزاب السياسية.
المال السياسي والشفافية في تمويل الأنشطة السياسية.
اللامركزية (البلديات، المجالس الجهوية).
الشفافية في تسيير الشأن العام والسياسي.
الورشة 3: الإصلاحات الدستورية:
استحداث وظيفة نائب الرئيس.
مراجعة المادة 26 جديدة المتعلقة بسقف عمر المترشح في الانتخابات الرئاسية.
مجلس الشيوخ.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
المجلس الإسلامي الأعلى.
محكمة العدل السامية.
وسيط الجمهورية.
حالات شغور المنصب.
الهيئات الدستورية (الصلاحيات).
المجلس الدستوري (التشكيلة).
شعارات الدولة ورموزها (النشيد، العلم).
مراجعة تمثيل الولايات في البرلمان.
الورشة 4: الحكامة الاقتصادية والمالية:
تحقيق التنمية الاقتصادية.
التوزيع العادل للثروة.
إرساء حكامة بيئية متوازنة.
مراعاة متطلبات التنمية المستديمة.
الشفافية في تسيير الموارد.
تنويع القاعدة الإنتاجية، وزيادة القدرة التنافسية.
مراجعة الاتفاقيات (الصيد، المناجم).
دعم المواد الأساسية (برنامج الأمل).
مراجعة نظام الأجور.
إنشاء مرصد وطني للشفافية (مراقبة الصفقات).