ولعل من أبرز ملامح التعديلات الدستورية المقبلة إلغاء مجلس الشيوخ، وهي نقطة أعلنها ولد عبد العزيز بشكل صريح في خطابه أمام سكان النعمة مايو الماضي، وتبعه وزراء في التقليل من أهمية المجلس، لتشتعل معركة طاحنة ما بين الحكومة والمجلس كادت تعصف بالعلاقة بين الجهازين، وتتحول إلى شرخ في صفوف الأغلبية.
المصادر التي تحدثت لـ”صحراء ميديا” تؤكد أن النظام وجد صعوبة في إقناع أعضاء مجلس الشيوخ الحالي بالموافقة على تعديلات دستورية تتضمن حله واستبداله بمجالس جهوية.
الطريق نحو الدستور
يمنح الدستور الموريتاني الحالي صلاحيات كبيرة لمجلس الشيوخ، منها أن دعوة رئيس الجمهورية لاستفتاء شعبي من أجل تعديل الدستور، لا بد أن تمر على المجلس الذي يجب أن يوافق عليها بنسبة الثلثين، من أجل ضمان أكبر قدر ممكن من الإجماع، وإلا فإن دعوة الرئيس ترفض ولا ينظم الاستفتاء؛ حسب ما تشير له مواد “التعديلات الدستورية” في الدستور الحالي.
في المقابل تمنح المادة 28 من الدستور الموريتاني لرئيس الجمهورية الحق في استشارة الشعب في بعض المستجدات والقضايا ذات الطابع الوطني، ولكنها استشارة فيما يتعلق بالعملة الوطنية أو الحروب أو أي قضايا أخرى بعيدة عن المساس بالدستور نفسه، وفق ما أكده أحد فقهاء القانون الدستوري لـ”صحراء ميديا”.
لقد أصبح الطريق نحو تعديل الدستور يمر عبر مجلس الشيوخ، فيما يرفض الكثير من أعضاء الأخير تمرير تعديلات تلغي مجلسهم وتؤكد الصفات التي أطلقها عليهم بعض أعضاء الحكومة بأنهم “لا دور لهم” وأنهم “يعيقون العمل التشريعي” في البلاد، لتبدأ نذر أزمة جديدة بين القصر والمجلس.
ولكن في المقابل يشير خبير قانوني آخر إلى أن رئيس الجمهورية، بموجب المادة 99 من الدستور، يملك الحق في التقدم بمقترح تعديل دستوري إلى الاستفتاء الشعبي من دون المرور بغرفتي البرلمان، لأن موافقة الثلثين شرط إذا كان المقترح قادماً من البرلمان نفسه، وهي قراءة تطرح بقوة خلال هذا النقاش القانوني.
التجديد قبل الحل
مصادر عديدة أكدت لنا أن الحكومة الموريتانية تعمل على استدعاء هيئة الناخبين من أجل تجديد جميع فئات مجلس الشيوخ الحالي، وهو تجديد يستجيب لدعوة سابقة من المجلس الدستوري، ولكنه في نفس الوقت يضمن الخروج بمجلس جديد قد يكون أكثر قابلية لتمرير مقترح التعديل الدستوري إلى الاستفتاء الشعبي.
وكان المجلس الدستوري قد رفض شهر فبراير الماضي مقترحاً من الحكومة بتمديد الفئة (أ) من المجلس مقابل تجديد الفئتين (ب) و(ج)، وطالب المجلس الدستوري آنذاك بتجديد كافة فئات مجلس الشيوخ التي قال إنها تجاوزت المدة المحددة لها بمقتضى التفويض الشعبي وليس الحكومي.
وتشير المصادر إلى أنه من المفترض أن يتم استدعاء هيئة الناخبين قبل 21 ديسمبر المقبل، وذلك تماشياً مع دعوة المجلس الدستوري، أي 70 يوماً قبل انتخاب مجلس جديد، من المنتظر أن يعرض عليه الرئيس مقترح التعديلات الدستورية الذي سيقدمه للاستفتاء الشعبي.
ولكن مصدراً من داخل مجلس الشيوخ قال لـ”صحراء ميديا” إن لعبة الحكومة “غير مضمونة العواقب”، قبل أن يضيف: “ستعرف الحكومة والنظام في النهائية أن تمرير مقترح التعديلات الدستورية أصعب في مجلس جديد من آخر قديم”.
الجمهورية الثالثة
المؤكد هو أن مجلس الشيوخ ليس سوى جزء يسير من تعديلات كبيرة سيشهدها الدستور الموريتاني في الفصل الأول من عام 2017، ولعل الكثير من الناشطين في الأغلبية الرئاسية رفعوا خلال الأيام الماضية شعار “إعادة تأسيس الجمهورية”، فيما ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بتسميتها بـ”الجمهورية الثالثة” التي تبدو مختلفة في الشكل كثيراً عن الحالية، إذ أن هنالك رغبة حقيقية في تغيير النشيد والعلم الوطنيين، وربما شعار الجمهورية “شرف – إخاء – عدالة”.
وفي نفس السياق صدرت تعليمات إلى وسائل الإعلام العمومية (الإذاعة، التلفزيون، الوكالة)، باستضافة محامين وفقهاء دستوريين وشخصيات حزبية وحكومية، في حوارات الهدف من ورائها هو مهاجمة الدستور الحالي، وخاصة المواد المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية.
بل إن عدداً من أنصار الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يتورعوا عن مهاجمة الدستور الحالي، ووصفه بأنه “دستور جماعة البطاقة البيضاء” في إشارة إلى الفترة الانتقالية التي دار فيها صراع قوي بين الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال والحالي محمد ولد عبد العزيز، إذ دفع الأخير بقوة نحو تمرير الدستور واتهم ولد محمد فال بمحاولة الوقوف في وجه الدستور عبر فكرة التصويت بـ”البطاقة البيضاء”.