هنا، في هذا المطعم، يفضل أغلب الزوار تناول وجبة “الباهيا” (Pealla) العريقة، المعدة من الأرز والطماطم وسرطانات البحر القادمة في الغالب من شواطئ موريتانيا.
يحترم الإسبان وجبة “الباهيا” ويعتبرونها مصدر إلهام على حد تعبير ديفي (57 عاما) الذي لا يتذكر مرة في حياته أنه جلس في حوار مع مجموعة من الناس خارج إطار العمل أو الأكل: (Trabajo – comer)، وهي في الحقيقة محددات الحوار في اسبانيا بأكملها حيث أن 80% من النقاش الذي يدور في شوارع إسبانيا هو حول العمل أو الأكل وهي محددات تكاد تكون جزء من الهوية الإسبانية الحديثة.
لا يأكل الإسبان سرطانات البحر بسهولة كبيرة وذلك لأنها غالية الثمن حيث يمكن أن يصل سعر الوجبة منها لأربعة أفراد إلى أكثر 350 أورو (130 ألف أوقية) وهو مبلغ كبير مقارنة مع القوة الشرائية لدى الموريتانيين الذين تأتي سرطانات البحر غالبا من شواطئ بلادهم.
ليست وجبة “الباهيا” وحدها هي ما يستمتع الإسبان به من وجبات تدخل المنتجات السمكية الموريتانية في تركيبتها، فهي جزء من مجموعة كبيرة من أطباق السمك التي يعدونها بمهارة مثل camarones fritos en la mezcla”” القريدس المقلي في الخليط )، و”“Prawns with garlic mayonnaiseالقريدس مع مايونيز الثوم – Stuffed mussels بلح البحر المحشو – Garlic prawns. وغير ذلك.
ورغم أن الموريتانيين بدؤوا في الفترة الأخيرة ينتجون ثقافة خاصة بهم حول الأسماك بعد تراجع كرم “البر” الموريتاني إثر الضربات المناخية الموجعة التي أثرت على الثروة الحيوانية على عموم البلاد إلا أن سرطانات البحر ونوعيات أخرى كثيرة لا تزال تصدر بكثافة إلى اسبانيا ودول أروبية وآسيوية أخرى لعدم فهم الموريتانيين لقيمتها الغذائية وأيضا عدم قدرتهم على منافسة السيطرة الأوروبية والأسيوية على منتجات شواطئهم في ظل غياب سياسة لحماية الحاجيات الأساسية للمواطن.
وتصدر موريتانيا منتجاتها من الأسماك إلى الكثير من دول العالم، وعلى مدى السنوات الأخيرة فإن 7 دول من بينها إسبانيا ظلت باستمرار على رأس قائمة المستوردين للمنتجات البحرية الموريتانية؛ حيث ظلت هذه الدول تستورد –مجتمعة- أكثر من 86 % من قيمة مجموع الصادرات، طيلة الفترة ما بين 1995 و2001.
وتعتبر إسبانيا مستوردة بنسبة أكثر من 26% من قيمة مجموع الصادرات اسلمكية الموريتانية وتستورد أساسا المنتجات ذات القيمة التجارية العالية؛ وخاصة “رأسيات الأرجل”.
وهنالك تزايد مستمر للصادرات نحو إسبانيا، في حين تتراجع حصة اليابان مثلا بشكل مطرد منذ سنة 1995.
كارلوس الذي يحمل اسم الملك الاسباني خوان كارلوس يحس في لحظة تناوله لوجبة “الباهيا” أنه لا يختلف كثيرا عن الملك: “حين تفهم أن هذه الأسماك تقطع آلاف الأميال قادمة إلى هنا قبل أن تطبخ وتعد بشكل جيد من قبل هؤلاء الناس الماهرين قد تدرك في لحظة ما أنك ملك.. أنا ملك”.
قد يكون كلام كارلوس ناجما عن إفراطه في شرب خمرة الباتشارانا المركزة التي لا يكف الإسبان عن تناولها خاصة مع “الباهيا” اللذيذة، ولكن حديثه غير بعيد من الحقيقة حيث يستمتع آلاف الارستقراطيين وأبناء الطبقة الوسطى في إسبانيا بتناول الوجبة المعدة من السرطانات التي تصطادها السفن الأوروبية من شواطئ الشعب الموريتاني الفقير الذي لا يملك ثقافة واسعة حول السمك، ويساهم في فقره وعدم استفادته من ثروته السمكية غياب الصناعات الغذائية السمكية بسبب عدم وجود مؤسسات محلية كبيرة للاستثمار في مجال الصيد البحري.
ولا يستبعد المهاجر الموريتاني في مدريد محمد لمين فال، وهو عامل خدمات البريد، أن يكون إقبال الأوروبيين بشكل عام على المنتوج البحري الموريتاني ملهما ومساعدا للشعب الموريتاني على الاهتمام بهذه الثروة التي قد تخلق عاملا جديدا في تحقيق الأمن الغذائي في دولة لا تزال في ذيل قائمة دول العالم الثالث رغم أنها تقع بين نهر وبحر من أغنى مياه العالم.
نشر بتاريخ : الاثنين 27 سبتمبر 2010