كيف يمكن تنظيم عمل التعليم الأساسي بشكل متميز و فعال بعيدا عن المزايدات السياسية و الأفكار الطوباوية؟
و كيف نعمل من أجل تحسين نوعية عملية التعليم ؟
أسئلة كثيرة تلح علينا نحن رجال التعليم الأساسي، كما تلح على كل المهتمين بشان التعليم. و لا يسعني قبل أن أحاول باختصار شديد الإجابة على هذه الأسئلة إلا أن أتعرض لبعض التحديات التي تواجهنا نحن العاملين في القطاع.
أما في مجال الخلق والإبداع فإن إبداع المعلم يبقى مقصورا على قسمه دون نقله إلى الأقسام الأخرى ..وإبداع مدير المدرسة يبقى مقصورا على مدرسته دون نقله إلى المدارس الأخرى… ومن ناحية أخرى فإن الأولويات تختلف من ولاية إلى أخرى وتتباين داخل الولاية الواحدة، بل وتتضارب داخل نفس المقاطعة، الشيء الذي يثير الخلافات والنزاعات داخل الاجتماعات فيفرض أولو النفوذ أولوية ولاية على بقية الولايات…الخ.
كما نلاحظ في بعض الحالات نزاعات متعددة وخصومات بين مختلف المديريات المركزية في الوزارة ، مما يؤدي إلى تضارب قراراتها ، وترسل مديرية مركزية بعثات إلى داخل الوطن وتنفق بذلك أموالا طائلة ،كان يمكن للمفتشيات أن تقوم بنفس الدور وتكون التكاليف أقل.
هذا بالإضافة إلى أن الوزارة تقوم بترتيبات مليئة بالثغرات، وإجراءات غير واضحة وغير عملية. هذا بإختصاربعض التحديات التي تواجه التعليم الأساسي.
وأما من أجل إفشاء روح الإبداع والتفاني في العمل علينا:
1 – أن تكون لدينا لياقة ذهنية وإدارية تمكننا من إدراج الإضافات التي تحددها السلطة وتنفيذها دون أن تعكر صفو الروتين الدراسي العادي ، مثل الحرص على تطبيق التقويمات الموحدة، والتكوين المستمر …و الإنتاج الذاتي للوسائل التربوية، تأسيس جمعية قدماء التلاميذ، إقامة المراسلات بين المدارس ، توأمة المدارس ، تنظيم يوم تربوي، الاحتفال بالاختتام ،تنظيم مناقشات ، طاولات مستديرة…إلخ.
2 – إدخال العمل المنتج ضمن التكوين والعناية الفائقة باللغة العربية و خلق غايات جديدة للتعليم و تكييف توجهات الدولة مع التعليم وصبغها بالطابع المدرسي مع مواجهة التمدرس الفوضوي و إستثمار الكادر البشري…
3 – خلق إطار تربوي يجمع عدة مدارس في مشروع واحد يتيح للمدرسة ولوج فضاء واسع تجريبي محفز ومساعد على التجديد. ويكتسي هذا النوع من التكتل المدرسي أهمية كبيرة و غالبا ما يمول بمساعدات خارجية مهمة. وينتشر هذا الإطار الذي يجمع كثيرا من المدارس على مستوى منطقة جغرافية واسعة تمكن من تبادل الخبرات عن طريق معلم الربط والمستشار والمفتش. ويمكن هذا المشروع من الفوائد التالية:
– إما أن يسهل مشاركة الجماعة المحلية مثلا من خلال إقامة مجلس للمدارس ( آباء، عمد، منظمات، رجال أعمال، معلمين، مديرين…) ، له سلطة معينة ( على شكل مجلس إدارة ) .
– وإما أن يدخل مضامين ومناهج جديدة مثل إدخال التربية السكانية ، ومن هنا يمكن إدراج منذ التعليم الابتدائي مفاهيم جديدة مثل الهجرة الريفية والمخاطر المرتبطة بحياة عصرية أكثر تكنولوجية وتسيطر عليها عولمة تفتك بالتراث ، هذه المخاطر مثل حوادث الطرق ،الكحول ، المخدرات ، التدخين ، والسيدا …
وأما فيما يخص تنظيم عمل التعليم الأساسي الذي يشهد فوضى عارمة يعجز النقاد والكتاب عن وصفها لما آلت إليه الأمور من تداعيات تنذر بالخطر المحدق ، فيمكن تنظيمه من خلال إحياء جو ملائم داخل المدارس والمفتشيات والإدارات الجهوية ، وبعث روح العمل الجماعي وإنكار الذات والأنانية ورفع تحدي المشاركة من خلال إعطاء أفضل صورة عبر إشراك المجتمع المدني والجماعات المحلية قي تسيير المدارس .
لقد أدى التحول النوعي في حياة مجتمعنا إلى نظرة سلبية إزاء تسيير المدارس و أدائها التربوي ، مما يفرض علينا وضع آليات تقويمية لمواجهة النقد اللاذع وصيانة ماء الوجه.وهذا يتطلب منا بذل مجهودات إضافية واستعدادات ذهنية وقدرات فكرية طارئة في مجال توظيف الكادر البشري وتكوينهم ،كما يتطلب تمويلات جديدة لإقامة المباني وتجهيزها وإنتاج وسائل الإيضاح الضرورية …
كما نشير إلى أن وضعية المشرف التربوي وضعية حساسة ، فهو وحده يستطيع أن يجعل من مؤسسته مجتمعا ديمقراطيا يكتسي ثوبا من الأخوة والصداقة والمحبة وتحمل المسؤوليات والابتعاد عن الضيق والأنانية ، ويحل محلها التفاني في العمل وخدمة الجماعة. كما يمكنه إن يحول مؤسسته إلى نار تحرق كل من تسول له نفسه الجد والحماس ، وتدفع معاونيه إلى محاربته والاحتيال عليه أو محاولة التخلص منه ، وهذا ينعكس سلبا على تسيير العمل . لذا على القائمين على السياسة التعليمية، توخي الحذر والاهتمام جدا بنوع السلوك ومستوى الصحة العقلية لدى المترشح لإدارة مدرسة أو مفتشية أو إدارة جهوية، والتركيز على مدى تحقق الروح الديمقراطية في شخصيته ، و ما إذا كان يمتاز بجاذبية كارزمية تمكنه من إدارة الأشخاص ،لأن في العصر الحالي لم يعد حفظ المتون عن ظهر قلب والمدونات والقصائد، وكتب موليير وفولتير و هيكو تكفي لإدارة البشر والتعاطي والتفاعل مع المستجدات الطارئة على الساحة . فالشخصية الجاذبة السلبمة من العقد هي التي تمكن المشرف من أن يكون رائدا وقائدا بإمكانه إشاعة روح الفريق بين العاملين معه، كما في وسعه أن يأخذ بعين ألاعتبار آراء المحيطين به، كما على المشرف أن يدرك بوعي تام ضرورة تنمية العلاقات الإنسانية، و يحرص على التواصل سواء بين معاونيه أو بين بقية المحيط.
هذا بالإضافة إلى ترتيبات تنظيمية تهدف إلى إعادة هيكلة المدرسة (مكتملة) بحيث يكون هناك قسم فارغ و معلم متفرغ (ليكن المدير مثلا) و تشييد قسم جديد مجهز للرسم و الأعمال اليدوية و الأناشيد وعمل المجموعات … و بما أن مدير المدرسة يشكل آخر حلقة في السلسلة الإدارية التي تربط بين الإدارة المركزية و المدرسة مرورا بالسلطات لمحلية و المديريات و المفتشيات فان التسيير الأمثل يفترض بالضرورة تحويل مهام و مسؤوليات جديدة من المستوى المركزي إلى المستوى المتوسط ثم في الأخير إلى مدير المدرسة.
أما فيما يخص تحسين نوعية التعليم فيجب أن يكون هذا الهدف قابلا للقياس من خلال نسب الرسوب و التسرب من الدراسة، أو من خلال مقارنة النتائج المتحصل عليها في مادة معينة بين مختلف أقسام المدرسة، و بصفة خاصة بين نتائج المدرسة و نتائج المدارس المجاورة … غير أن هذا البحث عن تحسين نوعية التعليم لن يتسنى من خلال الاقتصار على تنظير جديد على المستوى المركزي، كما لا يكفي أيضا إعداد و تكوين مجموعات من المعلمين، إذ لم يعد من الممكن اعتبار المدرسة مجرد مجموعة من الأقسام و المهم فيها المعلم البارع و التلميذ الموهوب، فقد أظهرت التجارب مدى الأهمية التي يجب إعطاؤها للمشرفين التربويين، و هؤلاء المشرفون ذووا التأثير المضاعف هم مفتشو الدوائر و المستشارون و المديرون و معلمو الربط .
إن المدرسة ليست مكانا للتعلم فحسب، بل هي أيضا مكان للتنشئة الاجتماعية، يتعلم فيها الطفل كيف يعيش و بتفتح داخل مجموعة عليها أن تسهل اندماجه الاجتماعي و المهني، لذا يجب على المدير و المعلم و المفتش أن يخلقوا مناخا يؤثر ايجابيا على ذكاء الأطفال و يقوي إرادتهم و ينمي أحاسيسهم و يمكنهم من التكيف مع المجتمع في الحاضر و المستقبل، و إدراج مضامين علمية ذات علاقة بمختلف الميادين و المجالات تهدف إلى الحث على تبني سلوكيات جديدة و التشجيع عليها، إذ أن كل تلميذ سيصبح – عندما يحين الوقت – مسئولا عن اختياراته وطريقة تصرفه داخل مجتمع مليء بالتناقضات.
إلا أن كل ذلك لن يتحقق إلا بالاعتماد على طرق تشاركية و بيداغوجية تركز على المتعلم و تأخذ بعين الاعتبار مكتسباته وميوله.
و يمكننا أن نلخص أهداف تقييم عملية التعليم في النقاط التالية: – قياس قدرة التلميذ ،- قياس مدى تحصيل التلميذ ،- تشخيص مواطن الضعف في التلميذ ،- تشخيص نتائج عملية التعليم ،- التوجيه إلى الدراسة المنتجة ،- البحث عن حافز للدراسة.
وفي الأخير هناك نوع من التحفظ يعبر عنه عمال قطاع التعليم الأساسي اتجاه المشاركة والاندماج مع المشرفين، ومن الطبيعي والبديهي أن ترتبط هذه المشاركة بالجو السائد. و عليه يجب على المشرف أن يتجاوز عقده ويعمل على إشراك عناصره في المهام والمسؤوليات وعمليات اتخاذ القرار، ويحاول أن يلعب دورا مهما في نقل المعلومات ونشرها وتكوين عناصره أثناء الخدمة.
إن الطريقة الأولى لإجراء الحوار وترسيخ قيم التواصل وبناء جسور التبادل البيداغوجي التي يجب إتباعها تتمثل أساسا في تنظيم الاجتماعات . . ويتوقف على المشرفين التربويين الأمر في أن يجعلوا من هذه الاجتماعات شرا لابد منه، يتيح السباحة في اتجاه واحد من أعلى إلى أٍسفل، كما يمكن أن يحولوا هذه الاجتماعات إلى وسيلة مفضلة لحوار بناء متواصل فيما بين الرئيس والمرؤوس وأفقيا فيما بين عمال المؤسسة، سواء كانت مدرسة أو مفتشية أو إدارة .
وينبغي أن تنص التشريعات بطريقة واضحة وصريحة على انعقاد اجتماعات محددة في أوقات معروفة سلفا بشكل منتظم ومتواصل يجمع عناصر كل فريق، ويجب أن يقوم المقرر بتدوين محضر يتضمن جميع تفاصيل المناقشات التي دارت أثناء الاجتماع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مفتش تعليم أساسي – هاتف 2647776