الحجري: كوادر موريتانيا ساهمت بقدر طيّب في نهضة قطاعات كبيرة بدولة قطر
نظم مركز أصدقاء البيئة القطري أمسية ثقافية أمس الجمعة خصّصت للجالية الموريتانية تحت عنوان “شنقيط تعانق الدوحة” وذلك وسط حضور كبير من جانب أبناء الجالية تقدّمه السفير الموريتاني لدى الدوحة وعدد كبير من شعراء موريتانيا والذين أثروا الأمسية بثقافتهم وقصائدهم وأشعارهم.
وخلال الحفل الثقافي أعلن د. سيف الحجري رئيس مجلس إدارة مركز أصدقاء البيئة أن كرسي الشعر بالمركز قد تم تخصيصه لموريتانيا ليتسنى لأدبائها وشعرائها الإسهام في ميادينهم في قطر وابراز صورة الشعر الموريتاني والشعر العربي.
وقال د. سيف الحجري: «لقد زرت موريتانيا في السابق واكتشفت هذا الشعب الطيّب وثقافته وإخلاصه وشهامته وأعرف أن موريتانيا بلد المليون شاعر فتحيّة لهذا الشعب وأبناء جاليته هنا في قطر». مضيفاً: إن كوادر موريتانيا ساهمت بقدر طيّب في نهضة قطاعات كبيرة بدولة قطر معرباً عن أمله في أن تدوم العلاقات والمحبّة بين شعبي قطر وموريتانيا.
وأوضح د. سيف الحجري أن استضافة أبناء الجالية الموريتانية في أمسية الخيمة الخضراء من شأنها نقل الحقائق والمعلومات الوفيرة عن الغرب الإفريقي العربي إلى الشرق وإثراء عقول أبناء قطر وتعريفهم بثقافة هذا البلد وقبائله وصحرائه ومياهه وأنشطته ومبدعيه وشعرائه.
من جهته قال محمد فال ولد بلال سفير موريتانيا لدى الدوحة” إن الجالية الموريتانية في الدوحة جالية نخبة. فقد رمت موريتانيا قطر بأحسن ما عندها. ويعوّل عليه أن يكون المرء سفيراً لمثل هؤلاء الشعراء والمثقفون مهمة صعبة. وأعتقد أن أبناء الجالية الموريتانية هم السفراء الحقيقيون فلديهم العلم من طب هندسة وغيره ونحن فخورون بهم.
وأكد ولد بلال أن محبّة ومناصرة قطر موجودة في قلوب الموريتانيين والعلوم والمعرفة موجودة في قلوبهم وبالتالي فهم يتفانون في عملهم ويخلصون فيه بهذه الدولة العربية المسلمة.
وأشار السفير الموريتاني إلى أن الحديث عن الثقافة الموريتانية لابد أن يراعي أن تلك الثقافة مثلت بعض العلوم بجانب الشعر والأدب خاصة علوم الطب حيث هناك مدرسة اهتمت بالقوافي وتطويرها لوصف الطب وتجلى ذلك في ظهور الطب الشعبي كما تعاملت تلك المدرسة مع علوم النباتات والطبيعة بالطريقة نفسها.
كما تطرّق سعادته الى محورآخر في الثقافة الموريتانية وهو الإشعاع في غرب إفريقيا والأندلس حيث يبذل المعلمون ومثقفو موريتانيا جهداً هائلاً لنشر اللغة العربية في غرب إفريقيا حتى إن بعض الشيوخ يزورون بلاد غرب إفريقيا لإحياء الليالي الرمضانية. مضيفاً: إن الشعر الموريتاني بجانب الأنواع المختلفة فإنه لم يخل من شعر الغزل.
ومن جهته قال الحسن ولد هاشم محاسب بالإدارة العامة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في كلمة نيابة عن سعادة السفير الموريتاني :” شكراً لقطر أميراً وحكومة وشعباً على ما تقدّمه من دعم لجالياتنا من عناية وما نلمسه من اهتمام معتبراً أمسية الخيمة الخضراء تجسيداً لمعاني الترابط العربي ووحدة مسيرته وتاريخه خاصة في مجال الأدب حيث نهل الجميع من الحضارة الإسلامية التي أثرت العقول”.
وتوجّه الحسن بالشكر لمركز أصدقاء البيئة على فعالياته المتميّزة والتي تثبت اهتمامه وحرصه على وجود الجاليات العربية والمسلمة ضمن أنشطته الرائدة. خاصة الخيمة الخضراء ويأتي ذلك كله في الوقت الذي نحتفل فيه بتظاهرة الدوحة عاصمة للثقافة العربية.
وتحدث الدكتور محمد المختار الشنقيطي باحث وأكاديمى موريتاني مقيم في قطر عن ماهية الثقافة الموريتانية إجمالاً وقال في هذا الاطار:” إن الثقافة الموريتانية يمكن أن يقال عنها إنها قطع منثورة من الجزيرة العربية اقتطعت ووضعت على شاطئ المحيط الاطلسي أرضاً وشعباً ولغة. ويدرك هذه الحقيقة كل مسافر من جزيرة العرب أو أي مكان آخر. فنحن شعب عشنا بالصحراء والبادية ونطقنا بالعربية وعشقناها لدرجة الهوس.
وذكر الشنقيطي ما حدث له خلال إحدى السفرات لدولة اليمن حيث التقى د. عبدالعزيز المقارح الذي أخبره أنه زار موريتانيا لتحديد أصول وجذور شعبها وطاف خلال زيارته على القبائل ويضيف المقارح أنه بعث تقريراً في نهاية السفرة الى الأمين العام لجامعة الدول العربية يؤكد فيه أن شعب موريتانيا شعب عربي وأن كان هناك شعب عربي يعيش فوق وجه الأرض في الوقت الحالي فهو الشعب الموريتاني.
وأوضح الشنقيطي أن تطوّر الثقافة الموريتانية ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطوّر التاريخي لتلك المنطقة ويمكن تحديد ثلاث حقب زمنية لوصف التطوّر الشعري بشنقيط أي موريتانيا وهي عصر دخول الإسلام والذي جاء من شمال افريقيا عن طريق مصر وعصر المرابطين ثم وفود قبول قبائل الحسانية الذي أدى قدومها الى موريتانيا الى تعريب تلك البلاد بصورة كاملة ونتيجة لتلك الحقب الزمنية الثلاث وما صاحبها من احداث تشكلت ثقافة موريتانيا.
وتطرّق الشنقيطي الى مصادر الثقافة الموريتانية وأشار إلى أنها مصادر أندلسية اهتمت بعلوم الفقه والشريعه وجميع العلوم الإسلامية. كما يطغى المصدر المغربي والقيرواني على ملامح الثقافة الموريتانية وهناك أيضا وجود للمصدر المصري وذلك من خلال كتاب السيوطي.
وبيّن الشنقيطي أن هذه الثقافة بمصادرها المختلفة ازدهرت وأدت لوجود ابداعات محلية امتزجت مع خصائص الثقافة الموريتانية التي يغلب عليها الطابع الأدبي واللغوي والبدوي. كما نجد شعراءها يبدعون في اأدب بوجه عام دون تعارض مع عنصر البداوة. فالثقافة الموريتانية ثقافة بدوية صحراوية وليست علمية لأن أهل موريتانيا بدو وليسوا أهل صناعة وقد أخذوا من صحراء رموزها التي تتمثل في النزاهة والشهامة والنبل.
وعرج الشنقيطي الى خصائص الثقافة الموريتانية وعرفها بأنها ثقافة فقهية ونحوية نتيجة ولع وحب الموريتانيون بالنحو لدرجة الهوس كما ان اكثر مناظرات شعراء موريتانيا في التاريخ منبعها في الخطأ النحوي. ويمكن اجمالا لما ذكر التأكيد أن ثقافة موريتانيا هي ثقافة عربية بدوية أصيلة.
وأشار محمد ولد الدمين في مداخلة إلى أن موريتانيا تملك ثقافة شعرية وتعتمد على موارد إسلامية خالصة لتغذية تلك الثقافة واعتبر الثقافة الموريتانية الحلقة المفقودة في التراث الشعري العربي موضحا ان البعض يعتبر مرحلة البارودي نهاية لفترة انتعاش الشعر وغفل هؤلاء عن الثقافة الموريتانية تماماً والتي يرى ولد الدمين أنها تمثل الحلقة المفقودة في الشعر العربي.
ولفت ولد الدمين الى وجود ثلاث مدارس شعرية موريتانية وهي: مدرسة البديعية ومدرسة الجاهلية والتي لا تعني من اسمها أن الموريتانيين قاموا بنسخ شعر الجاهلية وانما تطابق ظروف البيئة أدى الى توارد خواطر مشابهة الى حد بعيد. أما المدرسة الثالثة فهي مدرسة الشعبية والتي انطلقت من البيئة واشتهر صاحبها بالقدرة الفائقة على الارتجال.
ولم تخل الأمسية الثقافية عن حديث عن المحضرة «الكتاتيب» حيث قام د. سيدي أحمد سالم الباحث بمركز الجزيرة للدراسات بالحديث عن ثقافة المحضرة وعرف الكلمة بأنها مدرسة تقليدية طوّرها الموريتانيون في بدوهم وحضرهم.
وأشار إلى أن تاريخ المحضرة يرتبط بمراحل زمنية أولها عام دخول الإسلام الى موريتانيا في عام 116 هجرية ولم يعرف الإسلام ترسخاً في موريتانيا حتى قيام دولة المرابطين في القرن الخامس الهجري. ورأت المحضرة النور في عصر عبدالله بن ياسين الذي كان أول من اقام مربطاً.
وتحدّث سالم عن خصائص المحضرة هي أولاً شيخ المحضرة ويكون في العادة فقيهاً لغوياً عالماً بعلوم الدين الإسلامي الحنيف ويحرص على الدراسة ليل نهار. ويكون عطوفاً على تلاميذه محباً لهم ولا يثنيه الحل والترحال عن مسيرة التدريس. وثانياً التلاميذ ويدرسون بشكل مستقل وبهدف العلم وليس لتحصيل وظيفة ما.
أما العنصر الثالث في المحضرة فهو الدارسة ذاتها وقد تختلف الاولويات باختلاف المدارس فهناك مدرسة تعطي الاولوية للفقه واخرى تفضل ان يبدأ التلميذ بالأدب وهكذا. ويتم تقديم مفاهيم بسيطة في بداية الرحلة عن العلوم محل الدراسة ثم يبدأ الطلاب والتلاميذ في التوسع والتعمق في العلوم لا سيما علوم اللغة.
ونبّه الى أن تجربة المحضرة انتجت الكثير من المؤلفات تركز معظمها على علوم الشريعة واللغة العربية حتى قدّر عدد المخطوطات بـ 40 ألف مخطوط منتشرة في عدة مدن ومكتبات داخل الدولة وباختصار يمكن القول إن المحضرة كان مركزاً للعلم والثقافة في الوقت ذاته.
وتحدّث آباي محمد الباحث بالشبكة الإسلامية عن النماذج الأدبية الموريتانية وقسّمها لثلاث محاور أولاً: أدب الاقفاف وثانياً: أدب الفكاهة والطرافة إضافة الى نوع ثالث استعان فيه الشعراء بكلمات محلية وكلمات من لغات أخرى وأدمجوها في شعرهم وقصائدهم.
وقد تضمنت الأمسية نظم لعدد من القصائد الشعرية ومن بين من قدموا نماذج شعرية متميّزة خلال امسية الخيمة الرمضانية الشاعر الطبيب عبدالرحمن الشيباني و سيدي محمود الصحفي بقناة الجزيرة.
وقال السفير الموريتاني في مداخلة ان سبب ولع الموريتانيون بالشعر يرجع الى انعزالهم عن الوطن الأم حيث لا ترتبط موريتانيا بطريق برية وبحرية بالدولة العربية وهذا جعلهم في حالة تشوق دائم لوطنهم الأم. ومما زاد اشتياقهم رفض الجامعة العربية لهم. ولاشك ان هذه الاشتياق جعلهم في تحد من خلال تمسكهم باللغة والنحو. وقد انعكست حالة الشوق والعواطف هذه على اسماء مدن موريتانيا حيث اطلقوا عليها اسماء مماثلة لاسماء المدن في الخليج العربية وبقية دول الوطن العربي.