قضي أمر الإنتخابات الرئاسية المصرية ، وأصدر رئيس اللجنة المستقلة للإنتخابات المصرية المستشار ” فاروق سلطان” بعد مقدمة طويلة مملة مليئة بالأخطاء النحوية ، حرق فيها دم المصريين ، حكمه النهائي الذي لا راد له بفوز ” الإخواني ” مرسي علي ” الفلولي” شفيق ، واهتز ميدان التحرير فرحا ، وتنفس المصريون والعالم العربي الصعداء ، وخيمت موجة من الهم والغم والإحباط علي دوائر صنع القرار الإسرائيلية التي كانت تنتظر معجزة من السماء أو تدخلا من المجلس العسكري تفسح الطريق أمام مرشحه ومرشحهما معا ، ومرشح آمريكا ومن لف لفها من دول الإعتدال العربي، لدخول قصر عابدين .
لم تكن فرحة ميدان التحرير كاملة ، فلقد عكر صفوها ” الإنقلاب الإستباقي ” الذي قاده المجلس العسكري- ممتطيا صهوة المحكمة الدستورية- علي المرشح ” مرسي ” في وقت مريب وذلك حتى قبل أن يتم إنتخابه ، فكبله بقيود تشريعية وتنفيذية لا قبل للملكيات الدستورية بها، أحري بالجمهورية ، مما جعله رئيسا شرفيا فاقد الصلاحية أو ” منزوع الدسم ” حسب وصف الصحفي باري عطوان في صحيفة ” القدس العربي ” .
ما كان للمجلس العسكري أن يتخذ قرارا بهذه الخطورة الكبيرة دون أن يستشير حليفه و” مشغله ” الأمريكي الغارق حتى أخمص قدميه في ملفات المنطقة ، و الذي تربطه به علاقة استراتيجية قديمة ، تعود لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، ويمده بأكثر من مليار ونصف مليار دولار سنويا لملء خزائنه وإدارة اقتصاده الموازي الذي يمثل أكثر من ثلث اقتصاد الدولة المصرية ويعطيه الضوء الأخضر ، كما أنه ليس من المتصور أيضا أن يقدم المجلس العسكري علي إجراء استفزازي يحمل كل صفات العمل الإنقلابي المكشوف وإن تزيا باللباس الدستوري، دون أن يأخذ بعين الإعتبار مزاج الساحة السياسية المصرية المتغير ، ويعقد صفقات وتفاهمات مع القوة السياسية الوازنة علي الأرض .
أما عن التشاور بين أمريكا والمجلس العسكري ، والتنسيق بينهما في الإنقلاب الدستوري فهذا ما نفترضه افتراضا ، دون أن نجد له ذكرا في وسائل الإعلام ، إلا أن عدم ذكره لا يعني عدم وجوده ، فكم من قرارات تنسج سرا في مطبخ السياسية الدولية ، وتظل طي الكتمان لمدة ثلاثة عقود أو أكثر قبل أن ينكشف أمرها ويفتضح ، خصوصا إذا كانت تظهر زيف سياسة الدول الكبري التي تتناقض مبادؤها المعلنة في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، مع ممارساتها في دعم الأنظمة الدكتاتورية التي تعمل لمصلحتها . وما يهم آمريكا في مصر- بطبيعة الحال – ليس بسط الديمقراطية في الأرض ولا إقامة العدل بين الناس ، ولا النهوض بالإقتصاد المصري ، ولا تقليص نسبة الفقر ولا القضاء علي الأمية ، ما يهم أمريكا أولا وأخيرا هو المحافظة علي أمن إسرائيل بواسطة اتفاقية كامب ديفيد ، التي آخرجت مصر من معادلة الصراع العربي ، ورفعت إسرائيل إلي مقام الدولة العظمي في الشرق الأوسط
ولا شك أن تقليص أظافر” الإخوان ” والإنقلاب عليهم – وهم العدو التاريخي الأول لإتفاقية كامب ديفيد ، وربما يتغير ذلك في المستقبل بعد أن وصلوا إلي السلطة – بواسطة ” الإعلان الدستوري المكمل” ، وبحل مجلس الشعب قبله يمثل أفضل رسالة تطمين من المجلس العسكري لكل من آمريكا وإسرائيل والدول الغربية الخائفة والمرعوبة من الصعود الإسلامي ، ومنطوق الرسالة ومضمونها هو ” ألا تخافوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون في المنطقة ، ونحن – الجنرالات – خدمكم وحشمكم وسنحافظ علي مصالحكم وندافع عن معاهداتكم واتفاقياتكم ، حتى آخر دولار آمريكي ، علي رغم أنف محمد مرسي وخيرت الشاطر ومحمد بديع .
أما عن حدوث تفاهمات بين المجلس العسكري والقوي السياسية المصرية علي ” لإنقلاب الدستوري ” فهذا ما لم يعد سرا بل هو متداول ومنشور في وسائل الإعلام العربية والعالمية فمن ذلك ما كشفته الصحافة الإسرائيلية التي أعلنت الحداد هذا الأسبوع حزنا علي خسارة شفيق ، من أن مفاوضات سرية قادها رجل الإخوان القوي “خيرت الشاطر” مع المجلس العسكري أفضت إلي اتفاق بين الإخوان وبين العسكر علي تقاسم السلطة ، والسماح ” لمحمد مرسي” بالجلوس علي مقعد الرئيس المخلوع حسني مبارك ، وأن المجلس العسكري رفع صوته وسوطه معا في وجه الشاطر ، وهددوه بحل الإخوان – طبعا بواسطة الطرق القانونية – وذكروه بقولة استالين الشهيرة ” ليس المهم من يصوت ، ولكن المهم من يعد الأصوات ! ” وقد وعي الشاطر الدرس جيدا ..!
تناولت الصحافة المصرية أيضا وعلي رأسها ” الأهرام ” نفس الموضوع وتحدثت عن أطول يوم في حياة مصر ، وهو اليوم الذي سبق إعلان فوز “مرسي” وعن النقاشات الماراتونية التي دارات بين المجلس العسكري و الإخوان ، وتلك التي دارت بين الإخوان والقوي السياسية الأخري و أفضت إلي توافق ضمني ينزع مؤقتا فتيل الإنفجار بين العسكر والإخوان و يؤجله إلي حين .
لقد نجح الإخوان في معركة الرئاسة ، لكن الجيش لا زال يمسك بمقاليد السلطة ، ولن يتخلي عنها بسهولة وكلما يمكن للإخوان أن يفعلوه في الوقت الراهن هو أن يصبروا علي ” ابتلاع الضفادع ” ويصابروا ويرابطوا ، كما فعل الأتراك مع جيشهم لأكثر من أربعين سنة قبل أن يحيلوه علي المعاش ، بعد الكثير من جولات الكر والفر ، وكما ظل الباكستانيون يفعلون منذ عدة عقود، ولا زالوا يفعلون …
نتمني أن لا يدوم ذلك طويلا ! .