وقد تم تصوير وقائع هذا الفلم داخل كنيسة في ضواحي لوس أنجلوس وذلك بمشاركة خمسين ممثلا وقد كلف إنتاجه 5 ملايين دولار دفعها مائة متبرع يهودي . وتم عرضه على شبكة الإنترنت في 11 شتنبر 2012.
أوهم المنتج الممثلين أن الفلم يحمل عنوان ” محارب الصحراء ” the desert worrior وأنه يروي أحداثا مضى عليها 2000 سنة .
وقد تم تغيير أحاديث وحوارات الممثلين وكذلك تبديل أسماء الشخوص موضوع تلك الحوارات في فترة لاحقة لجعلها تتصل بالإسلام والمسلمين وذلك بدون علم الممثلين أنفسهم.
هكذا نرى أن الفلم كان عملا خبيثا ومبيتا يستهدف إلحاق الأذى بالمسلمين وبمعتقداتهم ورموزهم الدينية.
والواقع أن هذا التصرف ليس تصرفا فرديا منعزلا غير محسوب العواقب ولكنه عمل مقصود ينم عن ذهنية متأصلة تمتد جذورها إلى الخلاف العقائدي والتباين الحضاري والصراع الوجودي بين العالم اليهودي المسيحي الذي بات يعرف اليوم بالغرب والعالم الإسلامي .
عندما نتدبر هذا التصرف الطائش في ضوء مجريات الأحداث التاريخية ذات الصلة, نلاحظ أنه ليس أول عمل يستهدف ،وعن سابق إصرار وترصد، الإساءة إلى الإسلام ورموزه والنيل من مقدسات المسلمين وجرح مشاعرهم الدينية ، وإنما هو حلقة من سلسلة طويلة ممتدة عبر التاريخ من الأعمال والمواقف والمسلكيات التي تنبؤ عن حقد وعداء متجذرين حيال الإسلام والمسلمين.وقد بات من المؤكد أن ثمة قوى شريرة كانت ومازالت تعمل في السر والعلن على إذكاء التناقضات وتأجيج مشاعر الكراهية والشحناء بين الفسطاطين اليهودي المسيحي و الإسلامي.
يعطي ( سام باسيل ) منتج، الفلم ومن يدعمونه ويؤازرونه فكرة واضحة عن هوية هذه القوى المتعصبة الحاقدة وانتمائها.
وسنحاول في سياق هذا المقال أن نلقي بعض الأضواء على حلقات من سلسلة الأعمال والمواقف والتصرفات المعادية للإسلام التي ظهرت تباعا في الغرب, كما سنتعرض للإجماع شبه التام لكافة النخب السياسية والمؤسسات المجتمعية الغربية الحالية على إقرار وقبول وتحبيذ الممارسات والتصرفات والمواقف المستفزة للمسلمين ،بذريعة الوقوف إلى جانب حرية التعبير. وسنلمع بهذا الصدد إلى مدى مصداقية ووجاهة المبررات التي تتعلل بها تلك الفعاليات الغربية لتسويغ وتسويق تلك المواقف الداعمة للتصرفات المعادية للإسلام والمسلمين، مبيننين اعتمادها ازدواجية واضحة للمعايير والكيل بمكيالين بل والنفاق السياسي وغياب النزاهة الفكرية وانعدام المسؤولية وقصر النظر .
وسوف نشير بالبنان إلى القوى المتعصبة الحاقدة على العرب والمسلمين والتي تعمل جاهدة بأساليب معينة وعبر قنوات محددة إلى تلطيخ سمعتهم وتشويه تاريخهم والتحقير بمعتقداتهم وحضارتهم, وتسعى جادة إلى إفساد علاقاتهم بالأمم الغربية وخلق التوتر والعداء بينهم وإياها.
على أن نختم هذا المقال بتبيان ضرورة تضافر جهود الأمم الغربية والأمة الإسلامية من أجل الوقوف معا في وجه القوى الهدامة التي تعمل على إذكاء وتأجيج الأحقاد وإثارة النعرات وتوتير العلاقات بين الشعوب و الدول الشيء الذي يشكل الأرضية الملائمة للعنف ويخلق المناخ المواتي للإرهاب في مختلف تجلياته.
سلسلة الأعمال المسيئة للإسلام : جذورها وبواعثها
إن الحضارة اليهودية المسيحية والحضارة الإسلامية تقومان كما هو معلوم على الأديان السماوية الثلاثة المتداخلة في بعض جوانبها و المتناقضة في بعض جوانبها الأخرى ، مما أدى إلى اختلافات عقدية جوهرية وصراعات إيديولوجية مريرة أفضت إلى حروب واجتياحات متبادلة، لعل كان أهمها الفتوحات الإسلامية و الحروب الصليبية و حرب استرجاع اسبانيا (la reconquesta) والحركة الاستعمارية الأوروبية وما نجم عنها من احتلال لأوطان المسلمين واستباحة مواردها وإخضاع شعوبها سياسيا واستتباعها ثقافيا وحضاريا. كل هذه العوامل قد خلقت وقعا على النفوس وتأثيرا على العقول لايمكن تجاوزهما بسهولة.
إلا أنه كان من المفروض أن العقلانية المستمدة من عصر الأنوار والبرغماتية التي تمليها اليوم روح العصر كفيلتان بالحد من عنفوان التزمت والتعصب وما يتولد عنهما من عدوانية هوجاء, وذلك مع كامل الأسف مالم يحصل بالمستوى المطلوب ,حيث أن الغرب لم يكن بمقدوره تجاوز معاداة الإسلام وحمل الضغائن ضد المسلمين ومقدساتهم و إن تباينت الأشكال التي اكتستها تلك المعاداة حسب الزمان والمكان. ولعل أصدق دليل على ذلك الوقائع الآتية:
– ظهور كتاب تحت عنوان ” وجه محمد” من تأليف M.prideaux طبع بهولندا سنة 1699 م وفيه يظهر شخص يحمل سيفا بيده اليمنى ورجله اليسرى واطئة على الكرة الأرضية وبيده اليسرى هلال.
– إعادة طبع نفس الكتاب ” حياة محمد ” بلندن سنة 1719م من طرف المؤلف الفرنسي sieur De Ryer بعد التوسع فيه .
– ظهور صورة في إسبانيا يرجع تاريخها إلى العصور الوسطى. تجسد هذه الصورة رجلا على كتفه الأيسر حمامة بيضاء منقارها قريب من أذنه وهو يتحدث إلى ثلاث رجال وامرأتين , وهذه الصورة المنجزة من طرف بعض المسيحيين المتطرفين في الكنيسة الإسبانية ترمي إلى إظهار أن الرسول الأكرم كان يخدع الناس بوضع حبوب القمح خلف أذنه كي يحط الحمام على كتفه موجها منقاره إلى إذنه وكأنه ينقل إليه رسالة من السماء.
– هذا إضافة إلى العديد من الصور الكاريكاتورية الأخرى المتفاوتة في سوئها وعدائها للإسلام ورموزه.
والظاهر أن تعاقب السنين وانتشار قيم التسامح والانفتاح والقبول بالآخر وحق الاختلاف , لم يكن له كبير أثر على مشاعر الكراهية والعداء تجاه الإسلام والمسلمين في الغرب، بدليل أنه:
– في سنة 2004 تم إنجاز فلم بعنوان ” الخضوع:” submission “ وهو يرمي إلى إظهار سوء معاملة المرأة في الإسلام وربط ذلك بنصوص قرآنية.
– في 30 شتنبر 2005 قامت صحيفة بولانك بوستن النرويجية بنشر مقال بعنوان ” وجه محمد ” ويصحب المقال 12 رسما كاريكاتوريا في بعضها استهزاء وسخرية من الرسول الأكرم, تظهر إحداها على الخصوص، عمامته على شكل قنبلة بفتيل مشتعل . و قداشعلت تلك الصور موجة عارمة من المظاهرات الغاضبة عمت كل العالم الإسلامي وسواه.
وبدل أن يتعقل الإعلام الغربي ويتحلى سياسيوه وقادة الفكر فيه بالمسؤولية والحكمة ،تمادوا في تحديهم لعواطف المسلمين حيث قامت في 10 يناير 2006 الصحيفة النرويجية Magazinet والصحيفة الألمانية Die Welt والصحيفة الفرنسيةfrance soir بإعادة نشر تلك الصور.
وما لبثت أن حذت حذوها في فبراير 2006 الصحيفة الألمانية Die zeit والصحيفة الفرنسية
le Mondeوالصحيفة الأمريكية New York Sun
– وفي 12 فبراير 2008 قامت 12 جريدة دنماركية بإعادة نشر الصور الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم دون أدنى مراعاة لمشاعر مليار وربع المليار من المسلمين عبر العالم . والأدهى من ذلك والأمر أنه تم منح جائزة فكتور التي تمنحها سنويا صحيفة Ekstra BLadet الدنماركية للصحف التي تدافع عن حرية الرأي لجريدة بولانسك بوستن.
وقد تناغمت مواقف الحكومات ووسائل الإعلام الغربية مع بعضها بخصوص التجاهل المطلق لمشاعر المسلمين وعدم الاكتراث بمظاهرات الغضب التي عمت العالم الإسلامي من أقصاه االى أقصاه. الشيء الذي شجع المتطرفين الغربيين على التمادي في تحديهم لمشاعر المسلمين والمضي في النيل من مقدساتهم.
وفي هذا السياق أقدم في 27 مارس 2008 البرلماني الهولندي المتطرفGet Velters على إنجاز فلم ” فتنة ” الذي يصف فيه الإسلام بالفاشية ويحذر من أسلمة أوربا .والحبل على الجرار…
في وجه هذا المد العارم من التزمت والأحادية الفكرية والكراهية لم يرتفع في المشهد الغربي إلا القليل من الأصوات المنددة بهذه التوتالتارية الفكرية التي تتذرع بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير قصد التمادي في الإساءة الممنهجة لملايين المسلمين في أنحاء المعمورة.
مدى مصداقية ذريعة حرية التعبير
يبرر الساسة الأوروبيون ومختلف الفاعلين وشتى المؤسسات والفعاليات المتنفذة في المجتمعات الغربية ممالأة ودعم الجهات الإعلامية والسياسية التي تتعمد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بضرورة الانحياز إلى الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والتفكير.
وقد يكون هذا الموقف سليما في جوهره ومقبولا من حيث المبدأ لولا كونه كلمة حق أريد بها باطل ولولا أنه يتميز بالانتقائية و يعتمد ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.
وآية ذلك أنه في الوقت الذي تعتبر فيه السخرية من أقدس رموز الإسلام جائزة بصفتها تعبيرا عن آراء أصحابها فإنه لايجوز بتاتا التشكيك في ماقد ترسخ في أذهان الناس حول محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية, بل قد تم تجريم مثل هذا التشكيك, وكل من سولت له نفسه أن يعبر عن رأي مخالف للمقولات المكرسة المتصلة بهذ الموضوع ،يتعرض فورا ليس فقط للشجب والتقريع والأذى والعزل بل للعقاب بالتغريم والسجن. والدليل على ذلك ماقد تعرض له الفيلسوف والمثقف الفرنسي المرموق Roger Garaudi. وما نقموا منه إلا أنه قام سنة 1996 بتأليف كتاب أسماه ” الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية ” وأنه قد اعتنق الإسلام. وبدل أن يتم قبول تعبيره عن رأيه في هذا المضمار تعرض للضغوط ومختلف صنوف المضايقات. بل واتهم بأنه محرف : révisionniste وأنه منكر لحقائق التاريخ :négationniste ، وغير ذلك من الأوصاف والنعوت المشينة .ولم يقف الأمر عند هذا الحد ،بل تمت محاكمته سنة 1998 ، وحكم عليه بغرامة مالية مجحفة وبالسجن مع وقف التنفيذ ،وذلك بتهمة ” التشكيك في جرائم ضد الإنسانية” .ومن هنا يتضح لنا أن المدافعين عن حرية الرأي في الغرب يعتبرون أن ثمة آراء لايسمح بالتعبير عنها وأن هناك خطوطا حمراء ينبغي أن تتوقف حرية التعبير دونها , وهذه الخطوط الحمراء لاتمتد إلى عدم المساس بمقدسات المسلمين. ولكنها تشمل احترام الشواذ جنسيا من مثليين ومساحقات و مخنثين ومن شاكلهم، بحيث يعتبر الإعراب عن ازدراء أوكره الشواذ الجنسيين: ( l`homophobie)عملا منكرا وعدوانيا ومساسا بحرية الناس . و تجني على الاختيار و السلوك الذي يجنح إليه البعض ويرتضيه لنفسه ،ومن ثم فإن المجاهرة بأي تحفظ في هذا المجال يعرض صاحبه للعقاب بمقتضى القانون.
وتتجلى ازدواجية المعايير السائدة في الغرب كذلك في التعاطف الشديد مع المثقفين ذوي الأصول الإسلامية الذين يعلنون الحرب على الإسلام ،وفي المبالغة في الاحتفاء بهم ورعايتهم وتكريمهم كما هو الحال بالنسبة لسلمان رشدي الكاتب الهندي الذي ألف رواية ” الآيات الشيطانية ” سنة 1988 والذي قامت ملكة بريطانيا “بتنبيله ” وإضفاء لقب (sir ) عليه. وقد سارت الأمور على نفس المنوال بالنسبة لسليماتسرين الطبيبة البنغالية التي تم إيواؤها واحتضانها والعناية الشديدة بها خلال الثمانينيات من القرن المنصرم إثر انتقادها للإسلام وانتقاصها منه.
بيد أن عالم الذرة الإسرائيلي Mordechai vanunu الذي زج به في غياهيب السجن لمدة 18 سنة بعد التنكيل الشديد به لمجرد قيامه بإظهار خطورة الترسانة النووية الإسرائيلية وإعرابه عن رأيه في معارضة للمضي في توسيع هذه الترسانة، لم يحظ بأي تعاطف أو تضامن من قبل المدافعين عن حرية التعبير في الغرب.
ولم يعر الإعلام في الغرب والمؤسسات الداعمة له والتي تصدع بحرصها على حقوق الإنسان وتعرب عن شجبها لمظاهر العسف والعنف والتجبر, لم يعر كبير اهتمام لسقوط 154 ضحية فلسطينية بين قتيل وجريح من بين المصلين في الحرم الإبراهيمي الشريف سنة 1994 على يد الإرهابي الإسرائيلي Baruch Goldstein , كما أنه لم يخصص للعدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006 وللحرب الفتاكة على غزة سنة 2009 و للتطهير العرقي ضد العرب الجاري بالقدس الآن مايستحقه من انتقاد وشجب وإدانة .ولم يستنكر بمافيه الكفاية ماقام به القس الأمريكي المتطرف TerryJones عندما أقدم في 11 مارس سنة 2011 على إحراق مجموعة من المصاحف في صحن كنيسته بمدينة كندرفيل بولاية فلوريدا ،مجاهرا ومتباهيا بكرهه للإسلام والمسلمين.
والظاهر أن هذه أمور ليست من الصنف الذي يستحق عناية هذا الإعلام ولا تكتسي في نظره الأهمية التي تكتسيها رسوم وأفلام تقدح في الإسلام وتهين المسلمين وتؤذي مشاعرهم.
القوى المعادية للإسلام و المسلمين: وسائلها و أساليبها
لقد بات من المؤكد أن ثمة قوى منظمة و مكينة لها أجندة دقيقة و أهداف إستراتيجية محددة تعمل بشكل دءوب وممنهج على تحقيقها مهما تطلب ذلك من جهود ووسائل. وتتمثل تلك الأهداف في ضرب مصالح الأمة الإسلامية و إضعافها اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و حضاريا.وهذه القوى هي الصهيونية العالمية بكل فصائلها و أنصارها و حلفائها من يمينيين متطرفين في أوروبا و محافظين جدد و من شاكلهم في أمريكا الشمالية.
إن الصهيونية العالمية المنضوية ضمن تنظيمات أخطبوطية و شبكات واسعة ومجموعات ضغط فعالة،عمدت ضمن إستراتيجية محكمة إلى السيطرة على المصارف و أسواق المال و الإعلام و صناعة السينما و مراكز الدراسات و المحافل العلمية و الدوائر السياسية.. ومن ثم تمكنت من السيطرة على آليات ترقية و تصعيد و انتخاب الساسة و الفاعلين الاجتماعيين و الاقتصاديين وقادة الرأي. وأضحت تتحكم في إنفاذ من تشاء إلى الموارد المالية وإيصال من ترتضيه إلى مراكز صنع القرار على المستويين التشريعي و التنفيذي.. فذراعا السلطة: الحكومة و الكونكرس في الولايات المتحدة الأمريكية لا يلجهما إلا من رضيت عنه و زكته اللوبيات الصهيونية و باركته الأيباك aipac :(اللجنةالإسرائلية الأمركية للشؤون العامة) على وجه الخصوص.
وفي أوروبا تتحكم مجموعات الضغط الصهيونية و المتصهينة في وسائل الإعلام و الاتصال و مراكز المال و دوائر النفوذ. فتلمع صورة من تشاء و تشوه سمعة من تشاء و تحرم من لا تحب و تقوم بإقصائه من المشهد السياسي و تثبت أقدام من تحب..و من هذا المنطلق يمكن القول بأن أوروبا و أمركا الشمالية واقعتان في قبضة شبكات عتيدة متنفذة متكونة من مجموعات ضغط صهيونية قوية القبضة ووافرة الوسائل. و بالنتيجة فإن هذه البلدان ليست في واقع الأمر سيدة نفسها و لا مالكة لقرارها ،بل هي مسيرة من قبل جهات خارجة عنها ليست مكترثة بمصالح شعوبها الحيوية ،و بالتالي فإن ما تتخذه من قرارات حول قضايا الساعة لا يمكن بحال من الأحوال ان يتعارض و مصالح و أهداف وخطط اللوبيات الصهيونية و من يوظفها لخدمته و يتوسلها لإحكام قبضته على العالم.و هذه اللوبيات ومن يستخدمها لتحقيق أهدافه الإستراتيجية لا يهمه ما قد ينجر عن عمل غير محسوب العواقب مثل فلم “براءة المسلمين” من حرق لسفارات هذه البلدان أو قتل لدبلماسييها أو ضرب لمصالحها أو تدهور لسمعتها أو إضعاف لنفوذها و مصداقيتها في العالم الإسلامي.
و هذا مع كامل الأسف ما لا تملك هذه الدول في الوقت الحالي القدرة على مواجهته بالحزم و الشجاعة الضروريين، إذ أن جل قادتها و معظم مؤسساتها هي تحت سيطرة و رهن إشارة اللوبيات الصهيونية و حلفائها و مناصريها. لكن الشعوب في هذه البلدان التي بدأ وعيها بهذه الوضعية المزرية يتعمق، أخذت تتململ و تتذمر من وطأة هذه الهيمنة المهينة. ولا يستبعد أن يكون لها هي الأخرى ربيعها الذي تستعيد من خلاله سيادتها و حريتها و امتلاكها لقرارهاو لكرامتها التي طالما قامر بها سياسيوها في المهرجانات الانتخابية الفلكلورية القائمة على المقايضات و المضاربات و الصفقات المشبوهة. وليست حركة “لنحتل وول ستريت” (Occuppy wall street) عنا ببعيد.
الخلاصة
و خلاصة القول أن المجتمعات الغربية و الأمة الإسلامية بمافيها العرب، ليست لها أدنى مصلحة في التنافر و التدابر و الصراع فيما بينها بل إن مصالحها المشتركة تكمن في التفاهم و الوئام و الاحترام المتبادل و تكثيف التبادل الاقتصادي و العلمي و الفكري و مد الجسور بين الشعوب الغربية و الإسلامية لتتواصل وتتعارف و تستفيد من بعضها على الصعد كافة.
و قد حان الأوان للوقوف صفا واحدا في وجه تلك القوى الهدامة التي تتلفع وراء كل عمل متهور يرمي الى الإساءة إلى المسلمين و استفزازهم و دفعهم إلى غضب أهوج يفقدهم صوابهم و يجعلهم يقومون بأعمال منافية لقواعد التحضر و التمدن ،كالاعتداء على التمثيليات الدبلوماسية الأجنبية في بلدانهم الشيء الذي يشكل عملا مشينا و غير حضاري يلزم تجنبه و الابتعاد عنه أيا كانت الظروف.
و قد آن الأوان كذلك أن تفهم البلدان الإسلامية عقليات الأوروبيين و الأمريكان و تبدأ في التخاطب معم باللغة التي لا يفهمون غيرها وهي لغة المصالح و المقايضات و الصفقات و النفع المتبادل و الربح و الخسارة و الكسب الضائع.. فالأوربيون و الأمريكان ومن شاكلهم، ليس من طبعهم أن يحترموا الضعيف المتخاذل ولا من ديدنهم القيام بأي عمل مجاني. فالمجانية ليست في قاموسهم و لا وجود للكرم و المروءة و البذل و السخاء في ثقافتهم. و على البلدان الإسلامية أن لا تتوقع منهم سلوكا خارجا عن ذهنياتهم و طبائعهم. و قديما قيل:
لا تلم الناس على طباع غير طباعهم فتتعب من طول الملامة و يتعبوا
لقد آن الأوان أخيرا أن تفهم الدول الإسلامية الأهمية الإستراتيجية التي يكتسيها الاستثمار في الغرب في مجالات الإعلام و التواصل وفى المصارف و صناعة السينما و مراكز الدراسات و الجامعات و مؤسسات البحث العلمي و المحافل السياسية. وأن تسعى بكل ما أوتيت من إمكانيات و وسائل إلى توطيد نفوذها على مستوى آليات الانتخابات و دوائر إعداد الساسة و صناع القرار و الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين و الجمعويين.
فهذه، في التحليل النهائي، هي السبل الوحيدة التي يمكن بواسطتها التأثير على تكوين الرأي العام و على صناعة القرار في الغرب و على تأمين الندية و الاحترام و التقدير.فهذه الاعتبارات في منظور الغرب لا تنال بالمجان وبالتلقائية بل لها أثمان تدفع في مقابلها وهي التي تقدم ذكرها. فلتستعد الدول الإسلامية إذا لدفعها إن هي أرادت وضع حد لما كابدته و تكابده من دونية و امتهان من طرف غرب طالما أولاها ما لا تستحق من صغار و هوان بدون مبرر ولا مسوغ.
نواكشوط 20 شتنبر 2012