أمادو توماني توري.. “المظلي” الذي أسقط نظام “موسى تراوري” وأسقطه “نقيب مغمور” بعد ذلك بعشرين عاماً
تسارعت الأحداث بشكل لافت في العاصمة المالية باماكو يوم أمس الأربعاء، قبل أن تتضح الصورة فجر اليوم الخميس.. انقلاب عسكري يزيح الجنرال المتقاعد أمادو توماني توري عن سدة الحكم؛ كل هذا يحدث بينما كان “الجنرال المظلي” يسبح في الفضاء الإلكتروني و”يغرد” على شبكات التواصل الاجتماعي ليعتبر الأمر مجرد “تمرد”.
زوال الأربعاء.. المتمردون من ضباط الصف بالجيش المالي يحكمون سيطرتهم على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون كأول خطوة درج عليها أي انقلابي يسعى للسيطرة على الحكم في القارة السمراء، ولكن الرئيس المالي وجد متنفساً عبر حسابه على “التويتر” أسرع المواقع الاجتماعية العالمية، بعد أن غابت عنه وسائل الإعلام الرسمي.
الجنرال العسكري المتقاعد المعروف بهدوئه كان لديه الوقت الكافي ليرد على تساؤل أحد المدونين على التويتر حين سأله عن حقيقة ما يتم تداوله بشأن حدوث انقلاب عسكري في مالي؛ رد الرئيس “عليك التحقق من مصادرك؛ لا يوجد انقلاب عسكري في مالي، كل ما في الأمر أن هنالك تمرد في قاعدة كاتي العسكرية”.
في تغريدة أخرى للرئيس فضل أن يقلل من شأن الأحداث معتبراً أنها “مجرد تمرد من طرف بعض العسكريين الفارين الذين يرفضون الذهاب إلى جبهة القتال”؛ ولكن الرئيس المالي “الهادئ” لم يكن أكثر هدوءاً من المدون الذي عاد ليتساءل بطريقة تحمل نبرة متهكمة: “يبدو أنني لا أعرف مالي! حسب علمي فإن مقر الإذاعة والتلفزيون لا يوجد بكاتي وإنما بالعاصمة باماكو ؟”؛ نبرة تهكمية فضل توري تجاهلها.
لم يتوقف توماني توري في جولته عبر التويتر عند هذا الحد، حيث عاد بعد ذلك بساعتين لينفي اعتقال وزير الدفاع ويقول “نفي رسمي: وزير الدفاع ليس مصابا ولا معتقلاً؛ إنه موجود في مكتبه حيث يمارس مهامه بهدوء”، نفس الهدوء الذي يصر توماني توري على أن يبدو به حتى في لحظاته الأخيرة التي يتحدث فيها عبر الانترنت بعيداً عن الإذاعة والتلفزيون الرسميين.
في جميع الحالات فقد كان حكم أمادو توماني توري مشرف على نهايته حيث تنتهي مأموريته الثانية والأخيرة بعد أقل من شهر، فقد انتخب توري رئيسا للبلاد أول مرة سنة 2002 ليعاد انتخابه في الشوط الأول من رئاسيات 2007 التي طعنت المعارضة المالية في نزاهتها متهمة توماني توري باستخدام وسائل الدولة لصالحه في الحملة الانتخابية.
أمادو توماني توري البالغ من العمر 64 عاماً، خريج الأكاديمية العسكرية بمدينة كاتي من فرقة المظليين التي أصبح قائدها الأول سنة 1984، سطع نجمه بشكل لافت في الجيش المالي قبل أن يشارك في انقلاب عسكري سنة 1991 أطاح بنظام الرئيس موسى تراوري، بعد اندلاع مظاهرات شعبية واسعة سقط فيها عدد من الضحايا المدنيين.
أصبح توماني توري رئيسا “للجنة الانتقالية لخلاص الشعب” التي أشرفت على تنظيم انتخابات تشريعية (91) وانتخابات رئاسية (92) فاز بها الرئيس السابق ألفا عمر كوناري، لينسحب الجيش من الحياة السياسية في نموذج ديمقراطي مالي ظل دوما حاضرا في المخيلة الإفريقية.
لم يبد الجنرال المالي المحنك أي اهتمامات سياسية بعد مغادرته للسلطة 1992، حيث أظهر نوعا من الاهتمام بالمجتمع المدني حين أسس منظمة لحماية الطفل وكان يشرف على إدارتها بشكل شخصي.
إلا أنه في سنة 2001 بدأت اهتمامات توماني توري تتغير شيئا فشيئا، فتقدم بطلب للحصول على تقاعد سابق لأوانه من الجيش وهو ما حصل عليه سبتمبر 2001، ليشارك بعد ذلك في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها أمام زعيم المعارضة الحالي سوميلا سيس خلال شوط ثاني كان التنافس فيه قويا بين الرجلين.
لم يسبق لتوماني توري أن انتمي أو تزعم أي حزب سياسي، سواء قبل أو بعد وصوله إلى الحكم، كما كانت الحكومات التي قام بتشكيلها خلال السنوات العشر التي قضاها في الحكم تتكون من أغلب الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة السياسية المالية.