تدخل الأزمة السورية منعطفا جديدا بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها : ميدانيا وسياسيا وعربيا ودوليا ، علي المستوي الميداني كانت الزيارة ” التاريخية ” التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلي مدينة حمص وخصوصا حي باب عمرو المدمر ، توحي بأن الرئيس السوري قد أستعاد زمام المبادرة ، وأن قواته بدأت تحكم سيطرتها علي مناطق التمرد ، وأن أحتمال سقوط النظام قد زال بشكل كبير .
لم تعد هذه قناعة النظام السوري وحده ، بل هي قناعة جميع حلفائه الذين يتحدثون اليوم بكثير من الثقة عن نجاح النظام السوري علي خصومه وإسقاط مؤامرتهم . ذلك ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في إحدي إطلالاته الصحفية ، لا من باب التحليل ولكن من باب الإخبار ، وذلك ما قاله رئيس الوزراء العراقي الذي احتضنت بلاده مؤتمر القمة العربي ، وذلك ما قالته إيران ، أما آخر التصريحات الإنتصارية فهو ما جاء علي لسان وزير الخارجية الروسي الذي قال بأن الدول المعارضة للنظام السوري لو أنفقت ما في الأرض جميعا من مال وعتاد تسليحا للجيش الحر لإ سقاط بشار الأسد، لما سقط ، ولو أمتد ذلك لسنوات ! .
هاجس بقاء الأسد ، كان حاضرا بقوة في كواليس مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد باسطنبول والذي شاركت فيه أكثر من 70 دولة ، لكن نتائجه لم تختلف كثيرا عن نتائج نظيره الذي عقد في تونس : كثير من الكلام وقليل من الفعل ! .
نعم أعترف المؤتمر بالمجلس الوطني السوري ممثلا للشعب السوري ، ولكنه لم يعترف به ” ممثلا وحيدا” ، وهذا تقرير واقع . فكل سوري هو ممثل للشعب السوري ، ولكنه بطبيعة الحال ليس ” ممثلا وحيدا “، وبهذا المعني فإن معارضة الداخل التي ترفض إنعقاد مؤتمر أسطنبول أصلا وترفض نتائجه فرعا ، وترفض التدخل الدولي جملة وتفصيلا كما ترفض عسكرة الثورة ، هي ممثل للشعب السوري . وبنفس المعني فإن الرئيس الأسد الذي تطالب تركيا برحيله وتطالب جامعة الدول العربية بتنحيه ، وتطالب المعارضة بإعدامه هو ايضا ممثل للشعب السوري ، وحتى ” الشبيح ” الذي يساند النظام ، ويطلق النار علي المعارضة ، ويرتكب الجرائم في حق المدنيين هو ” ممثل للشعب السوري ” حسب نص البيان !.
ما لم يحققه التحالف الدولي ضد سوريا في مؤتمر تونس، لم يكن ليحققه في مؤتمر اسطنبول فلقد جرت مياه كثيرة بين المؤتمرين في البحر السوري الهائج ، فإخفاق الجيش الحر في تحقيق إنجازات علي الأرض و ” إنسحابه التكتيكي ” من ” باب عمر ” ومنطقة ” أدلب ” و” جبل الزاوية ” و ” ريف ديمشق ” و” الزبداني ” إلي داخل الأراضي التركية ، كان أكبر من هزيمة ” لأصدقاء سوريا ” وأكبر من نصر لنظام الأسد ، و كان معيقا ومشلا لمؤتمر اسطنبول ، أما آخر ما كان يتوقعه المجتمعون فهو موافقة السوريين علي مبادرة أنان التي كانت تعني أول ما تعني سقوط الخيار العسكري الدولي والإعتراف بالأسد رئيسا للدولة السورية ، لذلك كان المجتمعون محرجين في التعامل مع هذه المبادرة ، فهم لا يستطيعون القبول بها لأنها تمثل طوق نجاة لنظام الأسد ، وفي نفس الوقت لا يستطيعون رفضها لأنها تمثل إرادة المجتمع الدولي … وسيتحول الصراع حول سوريا في المرحلة القادمة إلي صراع حول مبادرة أنان ، بين من يريدون إنجاحها ( الروس – الصين – إيران – العراق ) وبين من يريدون تعطيلها ( السعودية – قطر – تركيا ) وينضم إلي هذا المحور الأخير بعض الكتاب الإسرائليين ، وخصوصا الكاتب افرايم هليفي الذي أعتبر أن مبادرة أنان هي خطر استراتيجي علي إسرائيل ويقول الكاتب بالحرف الوحيد في مقال نشره هذا الأسبوع في صحيفة ” ايدعوت أحرنوت ” ” اذا نجح عنان في اجراءاته واذا أحل السلام داخل سوريا ووافق العالم على استمرار حكم الاسد في حضن طهران، واذا سلمت تركيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا لتحقيق خطة عنان سنشهد أقسى هزيمة استراتيجية لاسرائيل في الشرق الاوسط منذ أصبحنا دولة.
واذا أمكن كل ذلك من غير ان يحسب لنا عنان حسابا فستكون الهزيمة أكثر مرارة بأضعاف مضاعفة. فهذا هو التحدي السياسي الامني المباشر الموضوع على باب حكومة اسرائيل، لكنها ما تزال بكماء “
الشيطان شاطر … و ” الشاطر ” شيطان !
فجر الإخوان المسلمون قنبلة من العيار الثقيل بعد قرارهم ترشيح خيرت الشاطر لمنصب الرئاسة في مصر ، ولا تكاد تخلو صحيفة عربية أو غربية هذا الأسبوع من الحديث عن هذا الحدث الذي قلب الأوضاع الإنتخابية في مصر رأسا علي عقب .
المفاجأة كانت علي اكثر من مستوي . المستوي الأول كانت قرار الترشيح ذاته ، فالإخوان كانوا قد أعلنوا أكثر من مرة أنهم لن ينافسوا أحدا علي الرئاسة ، وأنهم سيقفون علي الحياد ، وفي أسوإ الأحوال سيكتفون بالمساندة والدعم ، ولم يرد هذا التصريح علي لسان واحد منهم فقط بل رددته كل قيادات الصف الأول : المرشد العام الحالي للجماعة ، والمرشد العام السابق لها، ورئيس الحزب ، الذي أصبح رئيسا للبرلمان ، والناطق الرسمي باسم هذا ، والمتحدث باسم ذاك .. و .. و ..
أما المفاجأة الثانية فكانت اختيار ” خيرت الشاطر ” ذاته الذي يعتبر الرجل الأقوي والأخطر في جماعة الإخوان ، وإن كان يشغل المنصب الثاني في الهرم القيادي للجماعة ، وهو مناضل إخواني قديم ، عرف سجون عبد الناصر كما عرف سجون السادات ، ولكن معرفته بسجون مبارك أتم وأكمل ، ولم تمنعه حياته بين سجون الرؤساء الثلاثة من تحصيل شهادات جامعية عليا في حقول علمية مختلفة ، تبدأ بالهندسة وتنتهي بالتاريخ والعلوم الإسلامية ، ولم يشغله السجن ولا التعلم من بناء إمبرطوية مالية تمتد أذرعها للخليج وأوروبا وآسيا وآمريكا ، فضلا عن مصر ولم يعطل كل ذلك نشاطه السياسي وهو علي علاقة وثيقة بالمؤسسة العسكرية المصرية ، وعلي اتصال مباشر بالإدارة الأمريكية ، وهمه الأول كما يقول هو تطبيق الشريعة الإسلامية !
مفاجأة ” الشاطر ” تناولتها الصحف من زوايا متعددة ، وبعناوين مختلفة ، بعضها عالجها من الزاوية الأخلاقية وخصوصا ما يتعلق منها بنكث الوعود والتراجع عنها والذي ضرب فيه الإخوان رقما قياسيا في الفترة القليلة التي بدأ فيها الحراك السياسي في مصر . وكان ترشح الشاطر أيضا ، موضوعا ساخنا من موضوعات النقاش والحوار في شبكات التواصل الإجتماعي ولم تغب عنه إبنة الشاطر نفسه ” سارة الشاطر” التي ترحمت علي والدها وكتبت علي صفحتها في اتويتر ” مثلي مثل بقية المصريين أتابع بيان الإخوان لأصدم باختيار الدفع بأبي كمرشح للرئاسة . لا يسعني ألا أن أقول إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها ” وكانت الفكاهة المصرية حاضرة بقوة في مواقع التواصل الإجتماعي وكتب أحدهم علي فيسبوك ساخرا : ” الإخوان ما كانوش ناويين يرشحوا حد للرئاسة .. بس الشيطان شاطر ” فيما علق آخر : ” في الصغر علمنا من الكبار أن الشيطان شاطر لكن بعدما كبرنا علمنا أن الشاطر شيطان! ” .