المحطة 1ـ انشيري : التحية الاكثر انتشار :عساك شفيت من الحمى ..!
ـ سعيد ولد حبيب ـ اكجوجت
لو انك تبيت ليلتك الاولى في اكجوجت لحسبت اصوات المتفجرات “دندنات” رعد او اغارة لعدو يستخدم اسلحة ثقيلة، لكنها “اكجوجت عاصمة ولاية انشري تلك التى تتدثر في باطن الحجارة، وتلتحف الافق وتتخذ من الرياح لثاما عن الرياح، وقد تثير الفضول اذاما قمت من فراشك لتسـأل عن الامر الذي دهى المدينة في ساعات الليل الاخير.. فيتندر عليك احد ابنائها بانها غمامة مزن مصحوبة بموجة رعد في شهر ابريل حيث لم تعهد المنطقة الامطار في مثل هذه الفترة ويدعوك للعودة الى فراشك والا تحزن.
بينما يتهادى العارفون بالامر من حولك على وقع اصوات مدوية تفجر باطن الارض لتستخرج الذهب والنحاس فيغطون في نومهم ويسهر غيرهم على امل ان ينبلج ضوء الصباح، ليكتشفوا سر من اسرار مدينة لا تهدأ الا على وقع الضجيج
لتروي تفاصيل عن حياة عن الناس والذهب واشياء اخرى ..
كنا تركنا العصماء تلك القرية التى تنمو باطراد بعد ان مررنا بدمن واثار يقولون انها تركة استعمار الفرنسيين ، الذين ظل احفادهم يحافظون على ذكرهم باسماء، ورسوم
وتلك اضرحة لرجال دفعوا ارواحهم دفاعا عن اوطانهم بالكاد تميزها عن باقي الرياض ….
علمنا غير بعيد من ذلك ان المنطقة تشهد ايضا انتشار ساحات ومنازل لرئيسين ينحدران من نفس المدينة حكما موريتانيا في فترتين متقاربتين اخرهما لازال على راس السلطة ، جدران وامكنة متجاورة لابناء العمومة لا يفصل بينها تارة غير خيط اسود هو الطريق المسفلت الذي تسلكه افواج سيارات نقل الذهب والنحاس، كل يوم متجهة صوب ميناء التصدير في العاصمة، وان في المدينة طيفان احدهما يدعو بالرحيل وثانيهما يدفع بالبقاء وبينمها مساحة وسط ، يصول فيها ويجول الكثيرون
المدافعون عن الرئيس الحالي والمدافعون عن العقيد الاسبق يتحاورون ، تلك عصبية لا تنفك ماثلة في انشري يعلق لنا شيخ ستيني ، وهو يحلب نوقه على مشارف المدينة المعدنية
تحضر شركات المعادن في اكجوجت بقوة في المشهد اليومي لحياة الناس ، بعضهم يمتدح وبعضهم ينتقد ، تتصاعد ادخنة المصانع وكتل الغبار لتروي ظمأ الفضاء .. هنا يمقت الناس الغبار ويشربون منه لحد السكر مكرهين غير منتشين.. تزاور شمس انشري الحارقة عن عمال يغوصون في اعين الجبال الممتدة كسراب ولا تلمح غير ضوء في نهاية النفق ….
يخرج من حين لاخر اناس ببشرة بيضاء وقد وضعوا قبعات فوق رؤوسهم يعملون ويرفضون الحديث ، اما خارج المعامل فحديث كثير لاناس كأنهم يخرجون من قبور
تغيرت سحناتهم فبدت الوانهم كرماد وملابسهم كسماد انهم عمال شركات المعادن من ابناء هذه البلاد ورغم ذلك تتباين انطباعاتهم ، يبدو عبد الودود في احدى الشركات مطمئنا الى مستقبله ، فالمهندس الذي التحق بالشركة يعتبر العمل فيها مضنيا لكنه مهم لامثاله من الشباب حيث وجدوا من خلالهم فرصة للحصول على رواتب مجزية كما يقول … يكثر اللغط حول هذه الشركات التى توظف زهاء 2000 عامل يتقاضى اخفضهم راتبا مبلغا يتجاوز 129 الف اوقية ، لقد سالت زملائي في الدراسة وهم موظفون في بنوك ومؤسسات مصرفية بالعاصمة عن رواتبهم فاذا باكثرهم راتبا يتقاضى 150 الفا اما انا فراتبي في شركة المعادن يتجاوز 200الف اوقية عليكم ان تلاحظوا الفرق يضيف المهندس
تنتج شركات استغلال المعادن يوميا ما يناهز 720 طنا من النحاس وكميات معتبرة من الذهب يتم شحنها يوميا الى ميناء التصدير ، ومع ذلك يشكو العديد من السكان
من البطالة ومن الامراض ومن شطط الشركات في استعمال الحق كما يقولون
يتحدى بعض الجرنالية تلك الارقام والمؤشرات ويتحدثون عن ظروف ماساوية وحمى واورام وامراض وموت بطئ تارة ومفاجئ تارة اخرى ، التحية الاكثر رواجا بين سكان انشري بعد السلام عسى ان تكون شفيت من الحمى ، ليست حمى الاسعار ولا حمى السياسة ولكنها حمى الليل او حمى المتنبئ يعلق احدهم ، يقول البعض ان مخلفات السياميت والمواد الكيمياوية والمحلولية التى تستخدم في معالجة المعادن تتسرب مع الغبار فتصيب العاملين وغير العاملين بالامراض وعندما يصاب العامل تتخلى عنه الشركة ببرودة دم ، وعندما يموت مرضا تهدئ من روع ذويه وتعزيه باكتتاب احد اخوته او اقاربه في نفس الوظيفة وظيفة الموت انه الضحية الثانية وهكذا يموت افراد الاسرة تباعا … يضيف اخر ،
يتخذ المعارضون من ذلك كله خطابا قويا لتوجيه انتقادات للنظام ، فكيف لشركة تصل ارباحها 100 مليار اوقية ان تترك المدينة بدون منشءات ولا مرافق وتكتفي بتحرير شهادة ميلاد سكانها الواحد تلو الاخر
ومع ذلك تزدهر تجارة العقارات ولا تكاد تجد منزلا ياويك ليلة او ليلتين بسبب تاجير الاجانب من عمال الشركات لمعظم المنازل ، تؤجر بعض المنازل بنحو 700 الف اوقية كل شهر وبواسطة عقود موثقة ، ذلك سر من اسرار انتعاش تجارة العقارات واقبل النسوة على امتلاك الدور لتاجيرها للاجانب
وعند مقرات الشركان فتيات يقمن بدور الحراسة وقد ارتدين بذلات خاصة بهن، نودعهن ونمضي
يقودنا المسير الى دكان خارج اكجوجت باتجاه الشمال
نشرب ماء بالنشاب لنغسل بعضا من غبار ، ونصعد في اتجاه ادرار حيث النخيل في انتظار ولادة قد تبدو عسيرة في موسم قلت فيها مياه السقي .. وتلك بداية حكاية اخرى في المرة القادمة بحول الله .