1- فرنسا السقوط في هاوية اليمين المتطرف
بلد ضائع، بلا هدف ويسير نحو الهاوية، ذلك هو التشخيص الذي قدمته صحيفة “الوال استريت جورنال” الأمريكية للواقع الفرنسي تعقيبا علي نتائج الشوط الأول من الإنتخابات الفرنسية التي جرت في الأسبوع الماضي.
فهذه النتائج – حسب نفس الصحيفة – تطيح بمقولة المواطن العقلاني الحريص على وطنه والذي يذهب إلي صناديق الاقتراع ليختار أفضل المرشحين، في حين أن من أختارهم المواطنون الفرنسيون كانوا هم الأسوء: هولاند الذي ينتمي إلي حقبة سياسية غابرة تجاوزها الإقتصاد العالمي، “نيكولا ساركوزي” الذي أدي سوء إدارته إلي سقوط فرنسا في أزمة اقتصادية خانقة لن تستطيع الخروج منها إلا بشق الأنفس، “لوبن” التي تجر البلد جرا كارثيا إلي حكم شعبوي متطرف.
لم تستطع فرنسا أن تصبح بلدا جاذبا للخبرات العالمية، كما أنها لم تنجح في أن تصبح بلدا مفجرا للإبداعات، من المستبعد أن تنجب فرنسا “ستيف جوبز”، أو “مارك زوكر بريج” في المسقبل القريب، وسيبقي الفرنسيون يستهلكون أكثر مما ينتجون، ويغزون أسواق العالم فقط بالأجبان والآلبان!.
صعود اليمين المتطرف، المنغلق علي نفسه، الذي يكره الإسلام ويكره الأجانب، ليس خاصية فرنسية بل هو جزء من ظاهرة أوروبية شاملة، فلقد استطاع هذا اليمين أن ينتزع مقاعد في المجالس التشريعية في عدد من الدول الأوروبية (النمسا وهولندا وبلجيكا الدانمارك وسويسرا وإيطاليا)، واستطاع في بعض الحالات النادرة أن يشارك في الحكومة كما هو الحال مع حكومة “برلوسكوني” الساقطة، والتي اشترك فيها ثلاثة وزراء من اليمين الإيطالي المتطرف المنضوي تحت “جبهة الشمال”، وفي بعض الدول الأوربية الأخري نجد اليمين المتطرف يدعم الحكومات القائمة دون أن يشارك فيها كما هو الحال في الدانمارك وهولندا.
ويربط بين الأحزاب اليمينية الأوروبية رابط أيدلوجي وهو كراهية الأجانب وخصوصا المسلمين منهم، ورابط تنظيمي هو “الإتحاد الأوروبي من أجل الحرية ” الذي تنضوي فيه أغلب الأحزاب اليمينية المتطرفة.
ولا يتوقع أن تشارك “ماري لوبن” أو حزبها في الحكومة القادمة مهما كان شكلها ذلك لأن استراتيجية اليمين الفرنسي المتطرف تنحصر الآن في دخول البرلمان في الإنتخابات التشريعية التي ستجري في شهر أقل من ثلاثة أشهر، والعمل على ابتلاع فصائل من اليمين التقليدي الذي ينتظر أن يمني بهزيمة كبيرة في الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية، واحتلال مقعد المعارضة في الفترة القادمة.
وفي موضوع الحملة الإنتخابية الفرنسية، واستعدادا للشوط الأخير والحاسم في الصراع، استل المتنافسان آخر سلاح يملكانه في حملتهما، وهو سلاح الكراهية الدينية وخصوصا كراهية الإسلام، حيث اتهم الرئيس ساركوزي منافسه الإشتراكي، بـأنه يتلقي الدعم من “طارق رمضان”، وهي التهمة التي نفاها “هولاند” بقوة.
ويعتبر “طارق رمضان” الذي يحمل الجنسية السويسرية أهم شخصية إسلامية في أوربا، فضلا عن قيمته الرمزية باعتباره حفيدا لحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
يحتل طارق رمضان مكانا متميزا علي الساحة الفكرية والإعلامية الأوروبية، فقد ألف عشرات الكتب التي يعالج فيها مشكلات تدخل في لب النقاش الدائر في الساحة الآوربية، ودخل في مناظرات مشهورة في القنوات التلفزيونية الأوربية، من بينها مناظرته المثيرة مع ساركوزي عندما كان هذا الأخير وزيرا للداخلية.
وتعليقا علي اتهام ساركوزي لهولاند ونكاية به، كتب طارق رمضان بلغة ساخرة علي صفحته علي التويتر يطالب الشعب الفرنسي بالتصويت لساركوزي، لأنه “سيقضي علي البطالة، ويحل مشكلة السكن في الضواحي، ويقلل من العجز التجاري، ويعيد الإقتصاد الفرنسي إلي المسار الصحيح، وينقذ اليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وجميع منطقة اليورو من أزمتها الإقتصادية الخانقة”.
ولمن لا يعرف طارق رمضان فهو حفيد حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر .
1- الغاز يحرق العلاقات المصرية الإسرائيلية
لقي القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية بقطع إمدادات الكهرباء عن اسرائيل ترحيبا في الصحافة المصرية وإن اختلفت في تفسير دوافعه.
بعض الصحف أعتبرت القرار قرارا اقتصاديا بحتا لا علاقة له بالسياسية، وهو ما تقوله الحكومة المصرية، يهدف إلي مراجعة الإتفاقية المجحفة أصلا بالحق المصري، والتي أخلت إسرائيل مع ذلك ببنودها، ولم تلتزم بسداد الديون المستحقة عليها، وهو ما يجعل المصريين في حل من هذه الإتفاقية، بعضها الآخر اعتبر إلغاء الاتفاقية قرارا سياسيا يهدف إلي صقل و تلميع صورة المجلس العسكري المتسخة أمام الرأي العام المصري، أسابيع قليلة قبل خروج الناخبين المصريين لإختيار رئيس لهم، وهو الاختبار الذي يسعى المجلس العسكري للتأثير عليه وتجييره لصالح مرشح يخرج من عباءته، وبعض الصحف تمنت أن يكون هذا القرار مقدمة لمسلسل من القرارات المماثلة تقود إلي الخروج من اتفاقية كامب ديفيد المذلة.
أما علي الجانب الإسرائيلي فكان لقرار إلغاء اتفاقية توريد الغاز وقع الصاعقة، فعلي الرغم من أن الصحف الإسرائيلية كشفت من عيوب و مخازي تلك الإتفاقية ما تشيب له الولدان، ويساق بموجبها نظام مبارك وأسرته وشركائهم من الإسرائليين إلي المقاصل وحبال المشانق وغرف الإعدام ، فقد قذفت تلك الصحف حمم بركان غضبها علي الثورة المصرية ، التي وصفتها بأم المخاطر ومصدر كل الشرور، فهي التهديد الوجودي الأول الذي يواجه الدولة العبرية ، بل إنها أصبحت أكثر خطرا علي أمن إسرائيل من النووي الإيراني . وهذا ما أصبحت تحسب له القيادة الإسرائيلية حسابها ، وتعد له العدة ، ودفع بوزير الخارجية الإسرائيلي أن يطلب من رئيس وزرائه إعادة إحياء الجبهة الجنوبية ، التي كانت تتكون من أربع فرق عسكرية لمواجهة مصر ، قبل أن يتم إلغاؤها بموجب اتفاقية كامب ديفيد.
إن ألغاء اتفاقية الغاز – حسب الصحافة الإسرائيلية – هو مقدمة لإلغاء اتفاقية السلام ، وإن مصر بفعل ثورتها تسير بوقع متسارع لتصبح دولة معادية لإسرائيل ، وكل النبؤءات المتشائمة بالنسبة للدولة العبرية ، والتي حذر منها الدبلوماسيون الإسرائيليون في القاهرة تحدث اليوم في مصر ” : فما أسرع استيلاء الاخوان المسلمين على مجلس الشعب، وما أسرع استيلائهم على لجنة تغيير الدستور، وما أسرع عرضهم لمرشح للرئاسة. وما أسرع ما أصبحت سفارة اسرائيل ودبلوماسيوها هدفا للشغب ولعنف الجماهير، وما أسرع ما أصبح التنديد باسرائيل شأنا يوحد المتظاهرين. وما أسرع ما انشأ الاخوان المسلمون والجيش بينهما تحالفا غير طبيعي، وما أسرع تشظيه. وتوجد امور اخرى بعد. فما أسرع ما أصبح انبوب الغاز الذي يربطنا بمصر هدفا للتفجيرات، وما أسرع ما أصبحت الحدود الجنوبية هدفا للارهاب، وما أسرع اعلان المصريين بأنهم يلغون اتفاق نقل الغاز الى اسرائيل. ان تفجير الانبوب الحالي لم يكن بتفجير بل بقرار من طرف واحد، وهناك من يزعمون ان الحديث عن اختلاف اعمالي فقط، وهذا توجه متفائل؛ والتنبؤات المتفائلة بالثورة تنتظر التحقيق. أما التشاؤم في المقابل فأصبح موجودا. “
ولا تنسي الصحافة الإسرائيلية التعريج علي الحملة التي شنها مجلس الشعب المصري ضد زيارة مفتي مصر الأخيرة للقدس ، وتقول الصحف إن هذه الحملة هي جزء من سياسة الكراهية التي أصبحت تطبع السياسة المصرية في فترة ما بعد حسني مبارك ، وبعد الإشادة بهذا الأخير ، والإشتياق إليه ، والبكاء علي أطلال حكمه الدارس ، وبالعودة إلي ملف الغاز ، يعلق أحد كتاب الأعمدة الإسرائليين قائلا “لم تعد مصر تزودنا بالغاز، لكنها لا زالت – ويبدو أنها ستظل – تزودنا بمادة قابلة للاشتعال ! “