احتفالات بالعاصمة نواكشوط بعد فوز هولاند، والأغلبية تقلل من شأن التغيير الفرنسي
نواكشوط ــ صحراء ميديا
غادر نيكولا ساركوزي قصر الأليزي بعد خمس سنوات من حكم فرنسا، مفسحاً المجال لمرشح اليسار فرانسوا هولاند الذي يحمل معه ذكريات “ميتران”، بعد أكثر من 17 عاماً مرت على آخر رئيس يساري يترك “إرثاً من الاحترام” لفرنسا في القارة الإفريقية.
لحظة الإعلان عن سقوط ساركوزي كانت مميزة لدى أنصار المعارضة الموريتانية الذين خرجوا إلى شوارع العاصمة محتفلين بنهاية حكم فرنسي يعتبرون أنه كان أكبر سند لنظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الداعين إلى رحيله.
أغلب المحتفلين كانوا من أنصار حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يعتبر أحد أبرز الأحزاب الموريتانية المعارضة والذي يملك صلات وثيقة مع الأحزاب الاشتراكية العالمية، حيث دأب رئيسه أحمد ولد داداه على حضور مؤتمراتها والمشاركة الفاعلة فيها.
جدل سياسي..
منذ فوز الاشتراكيين وسقوط اليمين في فرنسا والساحة السياسية الموريتانية تشهد جدلاً واسعاً حول إمكانيات أن يؤثر ذلك على الساحة السياسية وعلى دعم فرنسي للنظام تتحدث عنه المعارضة الموريتانية.
محمد محمود ولد لمات، نائب رئيس حزب التكتل، قال في تصريح لصحراء ميديا إنه “يتمنى أن يكون وصول الاشتراكيين للسلطة في فرنسا فاتحة خير على المنطقة الإفريقية عموماً وموريتانيا بالخصوص”، متمنياً في نفس السياق أن يكون هولاند “امتدادا لسياسات ميتران المشرفة في المنطقة والذي ترك إرثا من الاحترام لفرنسا ولثوابتها”.
وتعليقا على ساركوزي الخارج من السلطة قال ولد لمات إنه كان “رأس الحربة في عدم الاستقرار في غرب إفريقيا بوجه عام وفي موريتانيا بوجه خاص، فهو الذي كان يدعم الانقلابات ويصنعها أحيانا”، مشيراً إلى أنهم في المعارضة كانوا واثقين من أن الشعب الفرنسي “سيضع حداً لسياسات ساركوزي الطائشة”، وفق تعبيره.
وانتقد ولد لمات سياسات ساركوزي التي قال إنها “تميزت بالارتجالية حيث تخلت فرنسا عن مبادئها وتحولت من دولة عظمى إلى دولة تتخبط”، مؤكداً أن “سقوط اليمين سيكون فاتحة خير على فرنسا أولا وعلى حلفائها في المنطقة ثانياً”.
إلا أن النائب البرلماني عن الحزب الحاكم، سيد أحمد ولد أحمد، قلل من شأن التغيير الفرنسي معتبراً في تصريح لصحراء ميديا أن “وصول الاشتراكيين إلى السلطة في فرنسا لن يكون له تأثير جوهري على العلاقات بين البلدين (موريتانيا وفرنسا) لأن لديهما إرث من العلاقات المشتركة على أكثر من صعيد”.
وأضاف ولد أحمد أن العلاقات “قد تتأثر من الناحية الشكلية والهامشية ولكنه لن يكون تأثيراً جوهرياً يمس ودية العلاقة بين البلدين”، وفق تعبيره.
وفي نفس السياق استغرب ما قال إنه “إقحام ما يجري في فرنسا في الوضع الداخلي لموريتانيا”، مشيراً إلى أن “موريتانيا دولة ذات سيادة كما أن فرنسا هي الأخرى دولة ذات سيادة، ولكل منهما ساسته الذين يحددون سياساته”، وفق تعبيره.
الحرب على الإرهاب..!!
يشن النظام الموريتاني منذ سنوات حرباً واسعة على ما يعرف بالإرهاب وذلك في إطار ما يقول إنه مقاربة أمنية تتبنى الهجوم والعمل الاستباقي لصد هجمات المجموعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
ولكن هذه المقاربة الأمنية التي اعتمدها نظام محمد ولد عبد العزيز تشهد رفضاً واسعاً من طرف الأحزاب المعارضة التي تعتبرها “حرباً بالوكالة” يقوم بها نظام ولد عبد العزيز عن فرنسا ساركوزي، حيث يعتبرون أن ولد عبد العزيز أصبح “جندي فرنسا المخلص” في المنطقة.
ولد لمات قال إن “ما يقوم به النظام الموريتاني ليس مقاربة أمنية وإنما حرباً بالوكالة كانت تدار نيابة عن ساركوزي”، مشيراً إلى أنه برحيل ساركوزي فإنه يعتقد جازماً أن “الاشتراكيين سيتبنون سياسة متوازنة تنزع فتيل الأزمة في شمال وغرب إفريقيا”.
وجهة نظر لا يتفق معها سيد أحمد ولد أحمد، النائب البرلماني عن الحزب الحاكم، الذي قال إن “موريتانيا تبنت هذه المقاربة الأمنية انطلاقا من رؤيتها الخاصة وبعد أن اعتدى الإرهابيون على أراضيها وقتل مواطنوها وضيوفها”، مضيفاً أن موريتانيا “قررت حماية أراضيها ومواطنيها وضيوفها وهي ليست حرباً بالوكالة وإنما دفاعا عن النفس وتأمينا للبلاد ومصالحها الحيوية”.
وأشار ولد أحمد إلى “تصريحات أدلى بها هولاند خلال الحملة الانتخابية حيث شدد على ضرورة دعم دول الساحل في تصديها للإرهاب وبشكل خاص موريتانيا”، معتبراً أن التغيير الذي شهدته فرنسا لن يؤثر على الحرب على الإرهاب.
لا تفرطوا في التفاؤل..
بعض وجهات النظر في الساحة الموريتانية دعت إلى عدم المراهنة على حدوث تغير محوري في السياسة الخارجية الفرنسية، وأكد هؤلاء أن الخطوط العريضة لهذه السياسة يرسمها نظام حكم قد لا يتأثر برحيل شخص.
وفي هذا السياق يقول الصحفي الموريتاني محمد ولد اندح في تصريح لصحراء ميديا إن “التغيير الكبير الذي ربما يكون جوهرياً ومفيداً بعد انتخاب فرانسوا هولاند رئيسا لفرنسا، ستتحدد معالمه بالأساس في الداخل، ولن تظهر بالضرورة في السياسة الخارجية لفرنسا، على الأقل في الوقت الحالي”.
وأضاف ولد اندح أنه “يعتقد أن السياسة الخارجية وخاصة تجاه بلادنا ومحيطها الإقليمي لن تشهد تغيراً جذرياً في الوقت الحالي، وإن كنت أرى أن هولاند لن يعتمد -كما كان سلفه- على مبدأ “حميمية” العلاقات الشخصية مع حكامنا لتوظيف ذلك خدمة للأجندة التي ترسمها السياسة الخارجية الفرنسية”، وفق تعبيره.وأشار إلى أنه يتوقع من هولاند أن “يحافظ على نوع من العلاقة المتوازنة مع عموم الطبقة السياسية في موريتانيا حكومة ومعارضة، بحيث يبقي فرنسا حاضرة بقوة في المنطقة، دون أن يكون بالضرورة من بين أهدافها أن تقوي حاكماً بعينه، أو تربط مصالحها بشخص محدد.. وربما تكون هذه هي النقطة التي تجدها المعارضة الموريتانية إيجابية في سياساته”.