نواكشوط ـ حسن ولد أحمد النويشي
منذ أسبوعين وجامعة نواكشوط تعيش أجواء أمنية لم تعهدها من قبل، حيث تحول التواجد الأمني من محيط الجامعة والشوارع القريبة من أسوارها إلى حالة “استنفار أمني” داخل حرمها وعند أغلب البوابات المؤدية إلى كلياتها.
“لقد تحول الأمر من مجرد الدخول المؤقت لاعتقال بعض الطلاب المضربين أو المطلوبين أمنيا، إلى استقرار واضح ولعب دور حرس الجامعة”، يقول أحد الطلاب مشيراً إلى عناصر مكافحة الشغب بلباسهم الأسود المميز المتمركزين عند بوابات الجامعة، قبل أن يضيف “إنهم يراقبون الداخل والخارج، كما يفحصون بطاقات الطلاب بتمعن وتدقيق بحثا عن ممنوعين من الدخول إلى الحرم الجامعي”، على حد تعبيره.
كلية الآداب والعلوم الإنسانية نالت القسط الأكبر من التمركز الأمني في الجامعة، وهو ما يرجعه البعض إلى الاهتمام السياسي الكبير لدى طلاب هذه الكلية ومتابعتهم الدائمة للمشهد السياسي وتأثرهم به.
ويأتي هذا الاستنفار الأمني بعد سلسلة إضرابات اجتاحت الجامعة منذ يناير الماضي دعت إليها اتحادات طلابية لدفع إدارة الجامعة إلى تطبيق عريضة مطلبية تضم زيادة المنح وتوفير ظروف أفضل للدراسة.
وقد تم حتى الآن اعتقال ما يتجاوز مائة طالب تفاوتت فترات احتجازهم في أقسام الشرطة من ثلاثة أيام إلى أسبوع، كما طالت قرارات المجلس التأديبي في الجامعة خمسة وثلاثين طالبا بين الطرد نهائيا من الدراسة أو المنع لمدة سنة أو الإنذار والتوبيخ.
اتهامات بالتسييس..
أحزاب الموالاة وجهت أصابع الاتهام إلى أحزاب المعارضة بأنها نقلت المعركة السياسية إلى الحرم الجامعي غير آخذين في الاعتبار مصلحة الطالب الذي يستغلونه ويتخذونه أداة لمطامع سياسية بعيدة كل البعد عن الهدف التعليمي من الجامعة.
إلا أن أحزاب المعارضة رفضت اتهامات الأغلبية، حيث قال حزب تواصل، ذي الميول الإسلامي، إن السلطات الموريتانية تعمل على عسكرة الجامعة وجعلها ثكنة تخضع لسلطة العسكر ورقابتهم المستمرة.
وبين هذا وذاك اتهمت رئاسة جامعة نواكشوط الطلاب المضربين بتطبيق أجندة سياسية والعمل على نشر الفوضى في صفوف الطلاب والتشويش على استمرارية الدروس وإجراء الامتحانات، حيث كان أكثر الطلبة المطرودين أعضاء في الإتحاد الوطني لطلبة موريتانيا المتهم بربط صلات وثيقة مع حزب تواصل الإسلامي المعارض.
محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم، نائب رئيس الجامعة المكلف بالشؤون الأكاديمية والطلابية، قال في تصريح لصحراء ميديا إن “هنالك مجموعات من الطلاب لها انتماءات سياسية ومطالبهم ليست نقابية وتسعى لزعزعة الأمن داخل الجامعة، وهي شديدة الصلة بأحزاب وتكوينات سياسية معروفة”.
وأضاف ولد مولاي إبراهيم إن “ما يحدث هو أن مجموعة من الطلاب بعد أن يسمح لهم بالدخول للجامعة يقومون بتحريض زملائهم على الإضراب وعندما لا يستجيبون لهم يسعون إلى خلق الفوضى في صفوف الطلاب، حينئذ تضطر الإدارة إلى إخراجهم من الحرم الجامعي”، حسب تعبيره.
محمد سالم ولد عابدين، الأمين العام لإتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، أكد لصحراء ميديا أن “اتهام ائتلاف النقابات الطلابية بالعمل السياسي هو تهرب من المسؤولية وشماعة تعلق عليها الإدارة عجزها عن القيام بدورها الأكاديمي والعلمي وتعويضه بدور أمني غير مبرر”.
وأضاف ولد عابدين “نحن في نضالنا لا نجبر الطلبة على تعطيل دراستهم بل هم يساهمون باقتناع منهم لأنهم يسعون للحصول على حقوقهم”، وفق تعبيره.
“ثكنة عسكرية”..!!
رئاسة الجامعة تنفي أي وجود للأمن في الحرم الجامعي، ذلك ما أشار إليه محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم حين نفى أي وجود لقوات الأمن داخل الحرم الجامعي، مؤكداً أنه “يتمركز فقط عند أبواب الكليات ولا يتجاوزها إلا في حالات الاحتياج إليه لإرساء الأمن والحفاظ على سلامة الطلاب والعاملين في الجامعة، ولا يتدخل إلا لاعتقال أو إخراج أفراد يقومون بأعمال تخريبية، وهذا داخل في نطاق صلاحياتنا لضبط النظام والمحافظة على سلامة الجميع”.
وأضاف ولد مولاي إبراهيم أن “ما قام به المجلس التأديبي هو تطبيق العقوبات اللازمة من طرد وإنذار المسؤولين عن الفوضى لإعادة الوضع إلى طبيعته”، على حد تعبيره.
إلا أن محمد سالم ولد عابدين يرفض ذلك مؤكداً ما قال إنه “عسكرة الحرم الجامعي”، مضيفاً أن “أبسط موظف في الإدارة أصبح يستطيع استدعاء الشرطة عندما يشتبه في أي طالب دون الرجوع للعميد”.
وأضاف ولد عابدين أن هذا الوضع “مؤشر خطير على أن إدارة الجامعة ووزارة التعليم العالي تخلوا عن مسؤولياتهم وتحولوا إلى الحل الأمني الذي لن يجدي نفعا معنا، وسياسة الهروب إلى الأمام لن تجبر الطلبة على التخلي على مطالبتهم بحقوقهم” على حد قوله.
تواجد الأمن في الجامعة لا يليق..!
“لم نشاهد شيئا مماثلا في أي جامعة في العالم، الشرطة لا تجرؤ على دخول أبواب الجامعات في الدول الأخرى”، يقول سيدي عالي وان، طالب في كلية القانون، قبل أن يضيف “كانت مطالبنا بداية تتمثل في الحد الأدنى، وهي تحسين أوضاع التعليم وتوفير ظروف أفضل للدراسة، أما الآن فإننا نطالب بإعادة زملائنا المطرودين والسماح لهم بإكمال دراستهم”.
وأضاف سيدي عالي أن مطالبهم متعددة ومنها “تطوير المكتبة الجامعية التي تعاني من انعدام المراجع الضرورية، كل المعدات في الجامعة قديمة أو غير صالحة للاستعمال، وكذلك نظام الماجستير الذي يتطلب النجاح فيه شروطا غير عادلة بأن يتجاوز الطالب معدل اثني عشر من عشرين”، وفق تعبيره.
يقول طالب آخر في قسم الجغرافيا، فضل حجب هويته، “لقد أصبحنا نعيش في رعب حقيقي لا نستطيع معه أن نعبر عن اعتراضنا خوفا من أن نتابع من طرف الجواسيس المبثوثين في أرجاء الجامعة وحتى خارجها”.
قبل أن يضيف أن “هنالك طلاب اعتقلوا وهم داخل قاعة الدرس، إنهم يتابعون الطلاب ويعرفونهم بأسمائهم، ورغم أن رجال الأمن لا يتعاملون مع المعتقلين بعنف إلا أنه يكفي من العنف أن يذهب الطالب إلى الجامعة للدراسة فإذا هو معتقل في أقسام الشرطة”، وفق تعبيره.
واعتبر طالب من قسم الأدب الإنجليزي، فضل هو الآخر حجب هويته، أن “بعض الاتحادات تعمل وفق أجندة سياسية ولا تراعي احتياجات الطلاب الحقيقية وحقوقهم الدراسية”، قبل أن يضيف أن “النظام لم يعرف كيف يتعامل مع موضوع المطالب الطلابية والإضرابات المستمرة فهو غير محنك سياسيا”، على حد تعبيره.
مشيراً إلى أنه “كان على النظام أن يتبع أسلوب الكياسة ويلبي قدر الإمكان مطالب الطلاب حتى وإن اضطر إلى مهادنتهم أو حتى خداعهم كي لا يصل الوضع إلى ما وصل إليه”.