تشهد الساحة السياسية الوطنية منذ بعض الوقت حراكا سياسيا متصاعدا بدأ يلامس درجة الأزمة متجاوزا مرحلة الغليان السياسي.
ولعل الشيء الذي يثير الاندهاش ويبعث على الاستغراب هو وجود أحزاب معارضة لها رصيدها النضالي المشهود على المستويين المتوسط والقريب خارج تفاعلات المشهد السياسي بفعل خطابها غير المتناسب وطبيعة المرحلة والمتأخر زمنا عن خطابات جميع القادة السياسيين ، حتى إن المتتبع للأدب العربي يمكن أن يسقط عليها وبسهولة قصة أصحاب الكهف لرائد المسرح العربي توفيق الحكيم 1933 والتي استلهمت هي الأخرى كثيرا من معانيها من القرآن الكريم وتحكي قصة نزول النفر الثلاثة “مرنوش” و “ميشلينا” و”يمليخا” من الكهف بعد نومهم 300عام إلى مدينة طرطوس وفشلهم في التأقلم مع الحياة المتغيرة بعدهم بفعل عامل الزمن..
هذه الأحزاب الثلاثة كانت قد دخلت في حوار مع النظام الحاكم لم يصمد حزب “حمام” كثيرا حتى تملص من نتائجه في استنساخ جديد لدور “يمليخا” مع أهل الكهف ،
وبقي في الحقيقة حزبان معارضان لأن حزب “الصواب” ليس إلا عربون صداقة أهدته الأغلبية للحزبين عشية الحوار لتعزيز صفوفهما في مواجهة الرأي العام المتذمر من أداء الجنرال.
ليس الغريب هنا هو حوار بين النظام والمعارضة وشق صفوف المعارضة من الداخل لأن القادة السياسيين كثيرا ما تبادلوا الطعن في الظهر في أي نزال سياسي حاسم ، لكن الغريب هو الغياب شبه الكلي لهذه الأحزاب عن الأحداث الوطنية المتسارعة من جفاف ماحق يضرب أطنابه على مختلف أرجاء الوطن وحراك ومطالب اجتماعية ونقابية كانت بعض المدن النائية والتي ظلت بعيدة عن دائرة الأحداث مسرحا لها وعسكرة للحرم الجامعي وإغلاق أول مؤسسة تعليم عالي في الوطن المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وعلاقات خارجية سمتها البارزة القلاقل في الجار الشرقي والتوتر مع الجارين الشمالي والجنوبي وتراجع كبير لدور موريتانيا الإقليمي, مع تسيير أحادي للدولة تؤكد جل المعطيات أن المحسوبية والفساد تفوح رائحتهما منه,
ولعل المؤتمر الصحفي الذي أعلن عنه مطلع الأسبوع الماضي مثل بارقة أمل بأن هذه الأحزاب بدأت تنفض الغبار عن نفسها وتساير المرحلة وتخرج من الكهف الذي أطبق عليها عشية حوارها مع النظام ،
إلا أن خيبة أمل كبيرة أصابت الكثيرين من الحاضرين للمؤتمر “المهرجان”ولعل أبرزها يتعلق بأن هذه الأحزاب بعد انزوائها إلى الكهف حاولت الخروح ولكن لم تع الفرق بين المؤتمر الصحفي والمهرجان فدعت إلى الأول بين ما عمدت إلى عقد مهرجان سياسي وفرت جميع مستلزماته .. ربما لأن ثقافة المؤتمرات الصفحية قد تجذرت أكثر بفعل الحراك الشعبي وهم هناك في الكهف!!
كما كانت خطابات قادة أحزاب المعاهدة تركز على مصطلحات من قبيل زعزعة الاستقرار وخطة أمل وتثمين نتائج الحوار وكأن هناك من يدعوا لزعزعة الاستقرار أو يؤمن بجدوائية أمل أو يقتنع بحوارهم مع النظام أصلا…
إنها تشبه شعارات الرئيس معاوية في حملاته الانتخابية “التغيير في ظل الاستقرار “ومبارك “العبور إلى المستقبل” هي خطابت ما قبل الربيع العربي
بل إنهم خرجوا ليقولوا سلام عليكم نحن ما زلنا هنا في الكهف!!!
لست هنا في وارد تقزيم أحزاب سياسية أو التقليل من شأنها إلا أن حزب الصواب ليس ممثلا في البرلمان ولم يحظ بتسير أي بلدية على عموم التراب الوطني وربما حكم على نفسه بالحظر من خلال قبوله عقبة 01% في حواره مع النظام كما أن “الوئام ” الذي تأسس إثر الإنفحار الثالث لحزب “عادل” ليلتحق به ثلاث نواب من الأغلبية في ظروف غامضة فسرها البعض بأنها عربون صدقة ابتز بها النظام لاحقا رئيس الحزب بيجل ولد هميد للمشاركة في الحوار وإرغامه على دخول الكهف.
غير أن حزب التحالف الشعبي التقدمي بنفسه النضالي الطويل أكبر الخاسرين من لعبة التواري ودخول الكهف إن كانت مقصودة أصلا لأنه الحزب الوحيد بين أحزاب المعاهدة الذي كان قادرا يوما ما على تحريك الساحة ويملك قراره بنفسه وإن كان دخوله الحوار مع النظام قد جني عليه أزمة داخلية حتى أضحى “تحالفان” أو ربما ثلاثة في خسارة كبيرة للساحة السياسية الوطنية التي خسرت حزبا سياسيا له دوره المشهود في الساحة الوطنية ورمزا سياسيا جامعا بحجم الرئيس مسعود ولد بلخير …وا أسفاه!!
ختاما أنا على يقين أن الشعب الموريتاني سيحقق طموحه الثوري على مقاساته الخاصة وسيتفق الجميع على خارطة سياسية تجنب الوطن مخاطر الانزلاقات وتؤسس لديمقراطية تقطع العهد مع الأحكام العسكرية.
لكن أخشى ما أخشاه هو أن يهرول بيجل إلى قصر المؤتمرات بحثا عن ولد باهية لتطبيق نتائج الحوار أو يذهب الرئيس مسعود إلى الجمعية الوطنية لترأس جلسات برلمانه منتهي الصلاحية في مشهد يعيد إلى الأذهان ملابسات قصة “مرنوش” و “ميشيلينا” بعد نزولهم من الكهف إلى مدينة طرطوس إثر يقظتهم من نوم عميق استمر 300عام في “كهف الرقيم“..
أما أنت توفيق الحكيم فلتهنأ في قبرك أننا نعيش اليوم واقعا ما كتبته قبل ثمانين عاما في هذا الركن القصي من الوطني العربي مما يثبت ترابط الجسم العربي والإنساني عموما، فذاك “يمليخا” و هذا “ميشيلينا” و”مرنوش ” ومن يدري فقد يكون من في القصر “قطمير” أو “دقيانوس” جديد!!!