اهتمت الصحافة العربية والعالمية هذا الإسبوع بتغطية الإنتخابات في مصر ، ومتابعة الحوارات الماراتونية بين الدول الكبري وإيران حول الملف النووي ، والأزمة في سوريا التي دخل فيها تنظيم ” القاعدة ” علي الخط ليصبح منافسا للجيش الحر في مواجهة نظام بشار الأسد، والأوضاع في مالي حيث أعلنت القاعدة وحركة تحرير أزواد عن إنشاء دولة إسلامية مستقلة عن السلطة المركزية في ” باماكو ” .
1– نهاية تجارة الخيول في مصر
أقفل الستار علي الجولة الأولي من الإنتخابات المصرية ، لم تقع مفاجأة كبيرة ، فالكثير من تنبؤات المحللين كانت تتوقع إجراء الدور الثاني بين مرشح من تيار الثورة ( مرسي – أبو الفتوح ) من جهة، وبين مرشح من الفلول ( عمر موسي- أحمد شفيق ) من جهة آخري وهذا ما حدث بالفعل، لكن المفاجأة تمثلت في تقدم حمدين صباحي علي أبي الفتوح ، وتراجع عمر موسي إلي المستوي الخامس ، وحصول” الفلولي” أحمد شفيق علي عدد كبير من الأصوات كاد أن يدفع به إلي المركز الأول .
ويعكس هذا الترتيب ( مرسي – شفيق – صباحي ) التكوين الجيولوجي للخريطة السياسية المصرية التي كشف عنها الزلزال المصري بعد الثورة : طبقة أولي إسلامية هي الأشد عمقا في المجتمع والأكثر اتساعا تعود جذورها إلي عشرينيات القرن الماضي ، وطبقة ثانية ” فلولية ” حديثة تعيش علي هامش السلطة نشأت مع سياسة الإنفتاح التي تولي كبرها المرحوم ” انور السادات” ، وتغولت في الثلاثين سنة الأخيرة التي حكم فيها” مبارك” ، وطبقة ثالثة وسيطة في الزمان والمكان بين هذه وتلك، تتغني بأمجاد مصر، وتتغذي من التجربة الناصرية فكرا وممارسة. ، وستواصل هذه الطبقات الثلاث تحركها وتصادمها لفترة قد تطول من الزمن ، قبل أن تصحو مصر من غفوتها، وتنهض من كبوتها وتلعب دورها العربي والإقليمي الذي تخلت عنه طيلة الأربعين سنة الماضية .
كتاب المقالات في الصحف العربية رأوا في نتائج الإنتخابات المصرية تطورا كبيرا لإستعادة ” أم الدنيا ” مكانتها علي الخريطة العربية والدولية ، لكنهم اختلفوا في طريق العودة ، بين متشائم ومتفائل ومشفق ، وتساءلوا عن طريق العودة كيف يكون ؟ هل هي من باب الإخوان الذين فشلوا في طمأنة الصديق قبل العدو ، فخسروا الأول ولم يكسبوا الثاني ؟ أم هو من باب الفلول الذين نجحوا إلي حد كبير في توظيف أخطاء الإخوان وتتبع سقطاتهم السياسية ، وقد اختارهم من اختارهم خوفا من غيرهم لا رغبة فيهم .
وخلص بعض الكتاب إلي أن الشعب المصري سيختار في الشوط الثاني بين خيارين أحلاهما مر : إما الدكتاتورية الدينية ممثلة في الإخوان ، أو دكتاتورية النظام القديم ممثلة في شفيق !.
أما كتاب المقالات في الصحف الإسرائيلية فيجمعون علي أنه مهما تكن نتائج الإنتخابات في مصر وسواء كان الفائز هو شفيق أم مرسي، فإن ما يهم الأسرئليين هو الإبقاء علي اتفاقية ” كامب ديفيد “، هذا مع الإعتراف بأهمية تلك الإنتخابات علي مصير مصر و مصير المنطقة بأكملها ، بما في ذلك إسرائيل ذلك لأن قواعد اللعبة السياسية ستتغير في المنطقة فحين يسلب الطاغية قوة الإنفراد باتخاذ القرار و يتم نقل مركز القوة من الحاكم إلي الجمهور ويصبح المواطنون عبر مجلس الشعب والحركات السياسية المشاركة في السلطة شركاء في اتخاذ القرار ، فإن ذلك يمثل تغيرا استراتيجيا وفكريا يطيح بالسياسات التقليدية التي كانت تعتمدها إسرائيل والدول الغربية في التعامل مع العالم العربي ، والتي كانت تقوم علي عادة قديمة فحواها انه يكفي امتلاك قلب شخص واحد حتى لو كان فاسدا لادارة تجارة خيول رابحة ! … بعد اليوم علي إسرائيل والدول الغربية أن تحاول امتلاك قلب 80 مليون مواطن مصري .. وبعده أكثرمن 300 مليون مواطن عربي لمترير قراراتها .
2- سوريا من ربيع الثورة إلي خريف الحرب الأهلية
لم يعد ما يحدث اليوم في سوريا ثورة ، بل إنها حرب أهلية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني وتحمله من دلالات : قتل علي الهوية ، اختطاف متبادل ، تفجيرات هنا وهناك تستهدف المواطنيين العزل من النساء والأطفال ، إنحسار متزايد لسلطة الدولة من مناطق الأرياف إلي مناطق المدن . نعم إن لم يكن ما يجري في سوريا حرب أهلية فماهي الحرب الأهلية إذن ؟
قبل أشهر كان الحديث يدور عن طرفين من أطراف النزاع في الأزمة السورية هما : السلطة من جهة، والمعارضة المتشتة والمنقسمة علي نفسها قبائل وشيعا من جهة أخري ، وكان انقسام المعارضة يعيق الخطوات السياسية لإيجاد حل سياسي للخروج من الأزمة ويربك المبادرات العربية والدولية ، إبتداء من مبادرة الجامعة العربية التي ولدت ميتة، إلي مبادرة “كوفي عناني” التي تتردد بين الحياة والموت .
اليوم يتحدث المحللون والمراقبون عن ” طرف ثالث ” يزيد طين الأزمة السورية بلة ، هو طرف” تنظيم القاعدة ” الذي بدأ يخلط الأوراق في الأزمة ، ويتواجد مع أعدائه التاريخيين من ” أصدقاء الشعب السوري ” في خندق واحد !.
صحيفة” فورن بوليسي” نشرت في عددها الصادر هذا الأسبوع تقريرا عن ” الجهاديين الجدد ” الذين دخلوا علي خط الأزمة السورية وخلطوا حابلها بنابلها ، وعلي رأس هؤلاء تنظيم ” جبهة النصرة ” المسؤولة عن الإنفجارات التي استهدفت مقار المخابرات العسكرية في كل من مدينتي . دمشق وحلب والتي أودت بعشرات القتلي .
وقد تحولت ” جبهة النصرة ” كما تقول الصحيفة إلي قوة حقيقية تنافس ” الجيش السوري الحر ” وتسعي للظهور كلاعب رئيسي في الحملة الدولية الرامية لإسقاط نظام الأسد . لكن هدف” جبهة النصرة ” ليس إسقاط بشار الأسد ونظامه فقط ، بل تسعي فوق ذلك إلي تطبيق الشريعة الإسلامية، وبسط النظرة السلفية المتشددة علي الواقع السوري المتعدد الأعراق والديانات .
وتشكل ” جبهة النصرة ” إزعاجا للجميع : السلطة و” الجيش الحر” والمجتمع الدولي . وقد حظيت «جبهة النصرة» بدعم العديد من المنظرين الجهاديين مثل الشيخ أبو سعدالعاملي (وهو كاتب مقالات بارز على الانترنت) والشيخ أبو المنذر الشنقيطي (منظربارز ذو نفوذ عالمي) والشيخ أبو محمد الطحاوي (سلفي أردني بارز) والشيخ أبو الزهراءالزبيدي (وهو جهادي لبناني). وقد وجه هؤلاء دعوة إلى جميع المسلمين من أجل تأييدقضية «جبهة النصرة»، إما عبر المساعدة المالية أو عبر الانضمام إليها في ساحةالمعركة.
3- دولة ” أزوادستان “
قبل سنة رحل” بن لادن” عن هذه الدنيا في عملية ” جيمسبوندية ” تليق بأفلام هيليود ، جمعت بين التكنلوجيا، والتجسس، ودقة التخطيط و رذيلة الخيانة وإغراء المال. لكن موت “بن لادن” والتمثيل بجثته ورميها في البحر أو الإحتفاظ بها بعد قطع رأسه ، في ثلاجات البانتاجون- كما تقول روايات أخري – لم يضعف قوة تنظيم” بن لادن” ، ولم يوهن من إرادة أتباعه الذين اتخذوه مثلهم الأعلي وذابوا في حبه حيا وميتا .
لا يمكن تفسير ما ءالت إليه أوضاع القاعدة سنة واحدة بعد موت مؤسسها إلي بالإستنجاد بنظرية تناسخ الأرواح التي يؤمن بها إخوتنا الهنود أو عقيدة التقمص التي يعتنقها إخوتنا “الدروز” والتي خصصت لها الكاتبة اللبنانية” غادة سمان” إحدي أشهر رواياتها .
وحسب العقيدتين فإن الأرواح الخيِّرة – وروح بن لادن من هذه الأرواح – لا تموت بموت أصحابها بل تحل في أجساد آخرين يتقمصونها فترشدهم وتهديهم إلي سواء السسبيل . وهكذا استطاعت روح بن لادن بعد عملية” أبوت أباد” أن تتحرر من المحبسين : محبس الجسد ومحبس المنزل ، وأن تتحول إلي جسم لطيف لا تلتقطها الرادارات، ولا تكتشفها مجسات التفتيش، لتحل في أجساد اتباع بن لادن المشتتين في أنحاء العالم فتزيدهم عزيمة وإصرارا .
لقد حلت روح بن لادن أولا في اليمن، بعد مفارقة جسدها ، حيث سيطرت القاعدة علي مناطق واسعة ، وانتزعت من الجيش مدنا بكاملها ، وحلت ثانيا في الصومال التي تحاصر عاصمتها ، وتتخذ من شواطئها منطلقا للإغارة علي خطوط التجارة البحرية الدولية ، وحلت ثالثا في سوريا التي تحولت إلي افغنستان أخري، وحلت رابعا في نيجيريا مع “بوكو حرام ” ، وحلت خامسا وأخيرا في الغرب الإفريقي حيث قسمت دولة مالي شطرين ، ونصبت راياتها السوداء في مدينة ” تنبكتو” وأعلنت منطقة أزواد ” دولة إسلامية مستقلة ، هذا فضلا عن المناطق التي استوطنتها قدما في حياة “بن لادن” مثل افغانستان وباكستان والعراق .
قبل سنة وفي نشوة النصر بمقتل” بن لادن” قال ” باراك أبوما ” : لقد أصبح العالم اليوم أكثر أمنا ولكننا نقول له اليوم : مهلا سيدي الرئيس ! لم يعد العالم أكثر أمنا فالقاعدة تتمدد علي حساب جزركم وتراجعكم، وتكسب مواقع وأراضي جديدة، وستخلون لها قريبا قواعدكم العسكرية في أفغانستان، وراياتها السوداء في دولة ” أزوادستان ” أصبحت علي مرمي حجر من حدودكم ! .