احتضنت قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي المغربي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط مساء الأربعاء 21 دجنبر 2011، محاضرة قدمها الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط، الوافي نوحي، في موضوع: “قضايا من تاريخ المغرب الأقصى في العصر الوسيط”.
تناول المحاضر هذا الموضوع من خلال العناصر الآتية:
– الإطار الجغرافي للمغرب الأقصى خلال العصر الوسيط: وفيه أشار إلى ما شهده مفهوم المغرب الأقصى من تمدد وتقلص طيلة الفترة المذكورة، استناداً إلى المصادر التاريخية والجغرافية المعنية بالفترة المدروسة.
– لمحة عن تاريخ المغربالأقصى خلال العصر الوسيط: واستهل هذه النقطة بالحديث عن تحقيب تاريخ المغرب، متوقفاً عند العصر الوسيط، فاستعرض سريعاً تاريخ المنطقة، والدول التي تداولت على حكمها، منذ الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الوطاسية وقيام الدولة السعدية، مروراً بالأدارسة والإمارات المستقلة، والمرابطين والموحدين والمرينيين.
– وصول المسلمين إلى المغربالأقصى: توقف المحاضر عند البدايات الأولى من اللقاء بين المسلمين وسكان البلاد، مشيراً إلى أن المغرب الأقصى عرف الإسلام في وقت مبكر، أي منذ القرن الأول للهجرة، فأول مسجد أسس به كان هو الذي شيده عقبة بن نافع الفهري بماسة –على الأرجح- بسوس الأقصى، عند دخوله المغرب الأقصى في ولايته الثانية سنة 62هـ/ 681م. وهو المسجد الذي تحول إلى رباط نهض بدور حيوي في نشر الإسلام بجبل درن وبجبال گزولة والصحراء.
وارتباطاً بموضوع وصول الإسلام إلى المغرب الأقصى، استعرض المحاضر طائفة من النصوص التاريخية والجغرافية الوسيطية، استخلص منها أن المنطقة كانت على “علم ما” بالإسلام قبل قدوم عقبة بن نافع وأصحابه، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ما ورد في بعض المصادر مثل “مفاخر البربر” و”كتاب العبر” وغيرهما، من إسلام بعض أهل المغرب على يد الخليفة عمر بن الخطاب، وآخرين على يد عثمان بن عفان، وكذا ما تنسبه طائفة رگراگة لنفسها من السبق إلى الإسلام منذ زمن النبوة…، كل هذا، وعناصر أخرى من شأنها المساعدة على فهم بعض أسباب “المرونة” التي طبعت لقاء عقبة بحاكم طنجة يوليان الغماري، وميّزت كذلك تجوله في أجزاء من المغربالأقصى بالصورة التي أوردتها مجمل النصوص التاريخية والجغرافية التي تمّ عرضها، من المسالمة والمهادنة.
– مظاهر من الحياة العلمية في المغربالأقصى حتى نهاية القرن السادس الهجري: تناول المحاضر هذه النقطة، فأبرز كذلك من خلال النصوص التاريخية والجغرافية والمناقبية وغيرها، بعض ملامح الخريطة المذهبية خلال النصف الأول من العصر الوسيط، مشيراً إلى أن المنطقة لم تلبث أن شهدت -بفعل تضافر عدة عوامل محلية وخارجية- ظهور بعض المذاهب والتيارات الدينية والفكرية، المتباينة من حيث الحجم والتوجه والتأثير، غير أن أغلبها اختفى بعد مدد زمنية متفاوتة.
وهكذا تحدث عن المذهب المالكي، وعن مذهب الشيعة البجلية، والخوارج والمعتزلة، وعن بعض المتنبئين، وكذا بعض مظاهر الوثنية…، مستعرضاً أصولها وظروف نشأتها، ومجالات انتشارها، وتوجهاتها وبعض أعلامها. متسائلا عن الأسباب الكامنة وراء الخصوصية التي جعلت المغربالأقصى خلال تلك الفترة يشهد كل هذه المذاهب المختلفة والمتباينة مصدراً وحجماً وتوجهاً.
وفي علاقة اللغة بالوعي والتعلم وانتشار المذاهب والحركات الفكرية، ختم المحاضر حديثه بالكلام عن علاقة اللغة بالهوية، مبيّناً كذلك دور اللغة في التواصل الحضاري، ومركزاً على اللغة الأمازيغية، التي يظهر أثرها في المشترك من أسماء الأماكن والأشخاص والقبائل ومسميات الحياة اليومية للناس بين المغرب وبلاد شنگيط، مما يدل على عمق الصلات التي تجمع الطرفين، صلات أسستها الجغرافيا، وثبتتها اللغة والتاريخ، وعمّقها الدين.
وبعد هذه المحاضرة، التي تابعتها ثلة من المثقفين، من أساتذة الجامعات ودبلوماسيين سابقين (وزراء وسفراء..) عمّقت المناقشة الأفكار التي تناولها المحاضر، كما كانت مناسبة لتناول نقطٍ أخرى في نفس سياقها.