لا زالت الأحداث السورية تتصدر عناوين الصحف العربية والدولية تنافسها علي الصدارة المعركة المحتدمة بين تركيا وفرنسا في أعقاب تصديق مجلس النواب الفرنسي علي مشروع قانون يعاقب كل من ينكر جريمة إبادة الأرمن علي يد الأتراك أيام الحرب العالمية الأولي ، ثم تاتي بعد ذلك في المرحلة الثالثة تغطية أخبار الثورة المصرية وحريق المجمع العلمي المصري .
1- سوريا
دخلت الأزمة السورية منعرجا جديدا هذا الأسبوع مع الإنفجار الكبير الذي استهدف مقرين أمنيين كبيرين في العاصمة دمشق . وقد سارعت السلطات السورية باتهام القاعدة وتحميلها المسؤولية المباشرة عن الإنفجارين الإنتحاريين . وتقول دمشق إنها كانت قد تلقت معلومات من السلطات اللبنانية تحذرها من تسلل بعض عناصر القاعدة وهو ما أكده وزير الدفاع اللبناني علنا أمام وسائل الإعلام . وهو احتمال وارد بعد أن أصبحت سوريا محجا للمقاتلين الإسلاميين القادمين من العراق وليبيا .
غير أن المعارضة ممثلة في المجلس الوطني السوري قد نفت هذه الرواية وحمَّلت المخابرات السورية إثم تدبير الهجوم ضد مقر أمني أتخذته السلطات السورية معتقلا للمعارضين . وتقول المعارضة إن هذه العملية ترمي إلي ضرب عدة عصافير بحجر واحد : فهي تريد التخلص من بعض المعتقلين المحتجزين في المقر المستهدف من جهة، وشغل الرأي العام العربي والعالمي عن الأوضاع الداخلية من جهة ثانية، وخلط الأوراق وإغراق لجنة المراقبين العرب في بحر لا ساحل له من العراقيل والعقبات والتفاصيل ، وهو البحر الذي كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد نصح البعثة العربية أن تتمرن علي السباحة فيه ..إن كانت لا تعرف السباحة ! .
وسواء صحت رواية السلطة باتهام القاعدة، أو صحت رواية المعارضة باتهام أجهزة السلطة – وهي كلها روايات لا يمكن التأكد من صحتها نفيا وإثباتا في غياب تحقيق جنائي محايد – فإن الثابت أن إنفجار دمشق يشير أن الأوضاع في سوريا تتجه نحو المزيد من التصعيد، وأن طرفي الصراع يعدان العدة لمواجهات أخري، و جولات من العنف قد تكون الأسلحة فيها أشد فتكا و أكثر دموية مما عرفته الأزمة من قبل .
ومما يعزز هذا التصور أن طرفي النزاع لا يعلقا ن آمالا علي مبادرة الجامعة العربية وينظرا ن إليها بشك وريبة ، كل من منظاره وحساباته الخاصة .
فحسابات المعارضة أن النظام لن يستطيع صبرا علي مظاهرات واعتصامات لم يألف جهازه الأمني التعامل معها إلا بالرصاص ، فإن تركها في سلميتها فستتحول إلي مليونيات زاحفة تأتي علي الساحات والشوارع في المدن الكبري وتحتلها ، تماما مثل ما حدث في مصر واليمن .
أما حسابات السلطة فتقوم علي كسب المزيد من الوقت من أجل إنهاك إنتفاضة الداخل، والرهان علي تغير مزاج المجتمع الدولي، وملله من انتفاضة تتخلي عن سلميتها بتطور الأحداث ، وتتعسكر شيئا فشيئا … وتبقي إرادة الحل السلمي – في الوقت الراهن – غائبة عند هذا وذلك .
وعلي الرغم من أن وصول لجنة المراقبين العرب إلي سوريا حظي بتغطية صحفية في الكثير من الصحف والمواقع ، إلا أن الحدث الصحفي الأبرز الذي سرق الأضواء عن مهمة اللجنة وشد الإنتباه وتم التركيز عليه أكثر من غيره كان رئيس اللجنة ذاتها .. الجنرال أحمد مصطفي الدابي السوداني الذي كان قد تقلد أعلي الوظائف الأمنية في السودان وهو من أقرب المقربين للجنرال البشير و يطلق عليه السودانيون ” ثعبان دارفور “. و تتهمه الكثير من منظمات حقوق الإنسان بالضلوع في ارتكاب جرائم في حق الإنسانية ، وإن لم يرد إسمه في لائحة المطلوبين للعدالة الدولية .
وقد خصص له الكاتب الأمريكي ” وورد دايل .” فصلا من كتابه تاريخ دارفور الصادر سنة 2007 عن منشورات جامعة كامبريدح ، حيث يعتبره المؤسس الأول لمليشيا الجانجويد . ويري بعض المعارضين السوريين أن اختيار الدابي هو نذير شؤم علي مهمة الجامعة العربية، فلا يمكن لمجرم حرب أن يتعاطف مع قضايا إنسانية ” فالشبيه يحن إلي الشبيه ” . في حين رأي بعض المقربين من السلطة أن اختيار الجنرال دابي الذي شغل منصب سفير السودان في قطر خمس سنوات ،مع ماضيه ” الإنساني ” الذي لا يماري في ” نصاعته ” أحد ، لا يمكن إلا أن يكون بتوجيه من قطر التي تدير دفة الدبلوماسية العربية هذه الأيام ، وبمباركة الدول الغربية التي تعرف ماضي دابي جيدا وتستعد لتحريك دعاوي ضده في محكمة الجنايات الدولية … إن لم يقم بالمهمة الموكلة إليه … أحسن قيام !
وفي موضوع وثيق الصلة بالأزمة السورية كتب سامي اكليب مقالا في صحيفة السفير اللبنانية تحت عنوان ” حماس – سوريا ، عتب لا قطيعة يكشف فيه خفايا العلاقة الخاصة التي تربط حماس بالنظام السوري بعد عشرة أشهر من بداية الأزمة ، وكيف نأت حماس بنفسها عن هذه الأزمة – علي عكس حزب الله – ولم تقف إلي جانب حليفها القديم الذي احتضنها بعد أن طُرد قادتُها من الأردن، وضاقت عليهم ، وبهم، الدول العربية بما رحبت .ويتحدث عن حرج حماس وحيرتها بين الوفاء لمن وقف معها في الشدة ، ويدفع اليوم ثمن وقوفه معها ، وبين الوقوف إلي جانب شعب يريد حقه في الحرية والحياة الكريمة .
تركيا – فرنسا
أصدر مجلس النواب الفرنسي هذا الأسبوع مشروع قانون يجرم كل من ينكر” إبادة” الأرمن ، ويعاقب كل من يشكك في وقوعها من الناحية التاريخية، بالسجن النافذ سنة والتغريم بــ45000 يورو ! وسيصبح هذا القانون نافذا بعد التصديق عليه من طرف مجلس الشيوخ الفرنسي الذي سيحال إليه في الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة .
وقد بذل الأتراك جهودا مضنية مع الفرنسيين للحيلولة دون عرض هذا القانون علي مجلس النواب ، فأرسلوا مبعوثين إلي فرنسا واتصلوا برؤساء الفرق النيابة ، وبرؤساء الأحزاب ورجال الأعمال.. والصناعيين.. بل إن الرئيس التركي عبد الله غول حاول الإتصال شخصيا بساركوزي .. ولم تجد كل تلك الإتصالات نفعا .
إلا أن ردة الفعل التركي علي لسان أردوغان لم تتأخر كالعادة ، وجاءت بلغة ” أردوغانية ” حادة – كالعادة ايضا – ، تنتقد ماضي فرنسا الإستعماري وتتوعد حاضرها بعقوبات متصاعدة بعضها سياسي وبعضها اقتصادي .
والسؤال الذي طرحه الصحفيون والسياسيون لماذا افتعال أزمة دبلوماسية في وقت بلغ فيه التعاون بين الدولتين مستويات لم يبلغها من قبل علي الأصعدة الإقتصادية والسياسية وينخرطان اليوم في إدارة ملف بالغ التعقيد والحساسية إقليميا ودوليا مثل الملف السوري ؟
الجواب الأول هو : الوصولية السياسية التي أتقنها ساركوزي وبرع فيها أكثر مما برع في غيرها ، ذلك أن الحملة الرئاسية قد أقتربت والرئيس يريد أن يضمن تصويت نصف مليون من الأرمن إلي جانبه ، أما التفسير الثاني فهو رغبة ساركوزي المرضية في إبعاد تركيا أكثر فأكثر عن الإتحاد الأوروبي ! .
إلا أن انتقاد المشروع الساركوزي لم يأت فقط من الأتراك بل أتي من الفرنسيين أنفسهم : فهو مشروع أغضب المؤرخين الفرنسيين الذين يرون أن التاريخ يجب أن يبقي موضوعا للحوار والنقاش، وأن الحقيقة التاريخية لايصنعها لا البرلماني ولا الأجهزة القضائية. وشكك بعضهم في الدافع الأخلاقي الذي يتذرع به ساركوزي للدفاع عن “إبادة الأرمن ” وتساءل لماذا لا تصدر فرنسا قوانين في كل “الإبادات” التي عرفتها الإنسانية إبتداء من إبادة الهنود الحمر علي يد الإمبرطورية الأسبانية وحتى ” إبادة ” الشعب الجزائري علي يد الإستعمار الفرنسي؟ فالتاريخ كله جريمة في حق الإنسانية كما يقول أحدهم. و اعتبر بعض المفكرين الآخرين أن . القرار ضد المصلحة الفرنسية ، وأن تركيا دولة صاعدة في حين أن فرنسا تفقد مكانتها ونفوذها في العالم شيئا فشيئا.
وقد جرت هذه الأحداث التي يدور عليها الخلاف أيام الحرب العالمية الأولي ، وتقول الرواية التركية إن الضحايا الأرمن كان عددهم نصف مليون ماتوا بفعل حروب عرقية شاركت فيها طوائف أخري و مات فيها الكثير من الأتراك ، ولم تكن سياسة رسمية للدولة العثمانية . في حين يقدر الأرمن ضحايا تلك الفترة بمليون ونصف ، تم قتلهم بهدف التطهير العرقي وتهجير من بقي منهم علي قيد الحياة . وكانت فرنسا قد أصدرت سنة 1990 قانونا مماثلا يعاقب كل من ينكر ” الإبادة ” النازية لليهود .
الثورة المصرية :.
تابعت الصحف العربية المرحلة الثانية من الإنتخابات المصرية والتي أحرز فيها الإسلاميون بفرعيهم الإخواني والسلفي تقدما كبيرا علي حساب التيارات الليبرالية واليسارية ، لكن في الوقت الذي كانت مصر السياسية تحتفي وتحتفل بالعرس الديمقراطي كانت مصر – الحضارة تعيش مأتما ثقافيا ، بعد أن أحرق بعض المتظاهرين المجمع العلمي المصري بوثائقه وكتبه النادرة ومخطوطاته التي لا تقدر بثمن . أما جوهرة هذا المجمع – التي أحزن ضياعها الكثيرين – فكانت النسخة الأصلية من كتاب ” وصف مصر” بمجلداته التي تربو علي العشرين . وهو عمل جماعي شارك فيه أكثر من 170 عالما فرنسيا ، من أشهرهم ” شامبليون ” استقدمهم نابليون معه في حملته الشهيرة علي مصر سنة 1798 . وقد توزع العلماء الفرنسيون علي ثمانية عشر حقلا من حقول العلم والتاريخ والفن والاحياء وغيرها ، وعادوا الى فرنسا محملين بآلاف الرسوم والدراسات والعينات وانفق هؤلاء اكثر من سبعة عشر عاما في اعداد وتصنيف المواد ليخرج ” وصف مصر ” الى العالم.
وقد صدر الجزء الأول من هذه الموسوعة في فاتح يناير سنة 1808 وهو ممهور بتوقيع الأمبرطور نابليون العظيم!