حضرت الشرطة معركة الجنوب.. وغابت عن معركة الشمال
نواكشوط ـ محمد ناجي ولد أحمدو
أمس الأربعاء كان من أعنف أيام المواجهات التي شهدتها العاصمة الموريتانية نواكشوط بين الطلاب والشرطة، الغريمان “اللدودان” التقيا في لقاء غير ودي.. المناسبة ضغط الطلاب من أجل فتح التسجيل أمام الراغبين فيه من طلاب المعهد، والتسمية كما شاءها الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا “يوم الغضب الطلابي”.
ربما استوحى الطلاب من شباب مصر، الذين حملوا لافتاتهم في مثل ذلك اليوم من العام الماضي، الخامس والعشرين يناير، وأسقطوا نظام مبارك في 18 يوما بدون “معلم” خارجي، فأرادوا أن يسقطوا قرار منع التسجيل، وتحويل المعهد إلى جامعة، ونقلها ونقل طلابها إلى مدينة لعيون حاضرة الحوض الغربي بشرق البلاد.
إذا كان هناك ريب في إن طلاب المعهد “تيمنوا” بذكرى الثورة المصرية، فإنه ما من شك أن حركة الخامس والعشرين من فبراير، تتخذ الذكرى إياها معلما ومنارا تقتدي، فهي كما يقول القائمون عليها البنت الشرعية لأنواء الربيع العربي في الساحة الموريتانية.
انتشر شباب فبراير، الذين مضى على ميلادهم، كحركة شبابية ذات مطالب محددة، أحد شهرا بالتمام والكمال، على جنبات الشارع الرئيس في العاصمة، وهو شارع يحمل اسما ليس غريبا عن الاحتفاء بالثورة المصرية الثانية، فقد وهبه الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، اسم جمال عبد الناصر قائد الثورة المصرية الأولى عام 1952، وهو الرجل الذي تردد اسمه وتواتر حمل صوره في تظاهرات ميدان التحرير، التي أودت بحياة نظام ثاني خليفة له.
شباب فبراير انغرسوا تماما مثل الجنود على جنبات نفس الشارع، عندما يمر موكب رئاسي من المطار إلى القصر الرئاسي، الجنود عادة يحملون مسدسات، ويديرون ظهورهم للشارع الذي يمر منه الضيوف، محدقين في خلفية الشارع، أما شباب فبراير فقد حملوا لافتات حبلى بمطالبات وشعارات تتناول عديد القضايا التي تهمهم، وهم يواجهون مباشرة الشارع، عكس الجنود تماما.
على بعد حوالي خمسمائة متر جنوب شارع جمال عبد الناصر، وأمام ملعب العاصمة، شمال الثانوية العربية، التي بناها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهو أحد من أطاح بهم الربيع العربي، تمركز بضع عشرات من شرطة مكافحة الشغب، وقد ارتدوا بذلاتهم الداكنة، وخوذهم الواقية من الحجارة وما أشبه، كانوا يقفون على طريق “الأمل” بالمرصاد للطلاب؛ الذين يرفضون أن يسافر معهدهم تسعمائة كيلومتر على طريق الأمل.
ملأت الأدخنة المشبعة بالكريموجن هواء المكان، وأفسح المجال أمام وصلات حرة من العطاس والاختناقات في صفوف الطلاب والمارة.
صباح لا يبدو عاديا في المنطقة، فرغم أنه بين المكان علاقة غرامية مع الشرطة والقنابل المسيلة للدموع، فقد شهدت منذ ثلاثين سنة على الأقل إنتاج الحلقة الأولى من مسلسل “الطلاب والشرطة”، في معركة بالدم واللهيب يتم التعريب، التي وقف خلفها قوميو موريتانيا، أيام كانوا يعيشون ربيعهم الذهبي، قبل أن يفسحوا المجال أمام الظاهرة الإسلامية، إلا أن ما استقبلته شباك المعهد أمس من قنابل مسيلة للدموع، فاق حصيلة السنوات الماضية، يقول أحد الطلاب، وهو يحمل بيده نعليه، وقد أسلم ساقيه للريح، استعداد لكرة أخرى من يوم غضب أراده الطلاب طويلا، وتصر الشرطة على أن ينتهي بسرعة.
غطى الدخان المكان لساعات قبل أن يرضى البوليس من الغنيمة بمحاصرة المنطقة من الجهات الأربع، وذلك بعد سقوط عدد من الجرحى في صفوف الطلاب.
الرابعة مساء كان هناك عدد من الطلاب قد تموقعوا فوق أسطح المعهد، وهم يحملون الحجارة استعداد لتنظيم استقبال ملائم للشرطة، تكون هي وقوده، فيما جلس عدد من عناصر الشرطة قرب إحدى سياراتهم، وهم يتناولون كؤوسا من الشاي، هم في أمس الحاجة إليها بعد يوم طويل من الكر والفر مع الطلاب.
على الجانب الآخر انهي شباب فبراير سلسلتهم البشرية كما أرادوا لها، بعد أن أمضوا ساعات، وهم يحملون لافتاتهم، في يوم أطروه ضمن حملة سموها حملة “عائدون” (الرفع للحكاية)، ستبلغ أوجها حسبهم في الخامس والعشرين فبراير، عندما تغلق حركتهم التي شهدت عديد الهزات صفحة عامها الأول من الحياة.
تظاهرة الجنوب كانت صاخبة ودامية، فيما كانت تظاهرة الشمال هادئة وبيضاء من غير سوء.. فهل انتقلت جدلية الشمال الهادئ “المتحضر” والجنوب الصاخب المكهرب، من نظرية جيوبولتيكية تدرس في المعاهد والجامعات، ويلوكها المثقفون وعلماء الإجتماع والفلاسفة إلى واقع معيش في العاصمة الموريتانية؟