كان بإمكان طالب العلم في وادان المتجول في المدينة مراجعة المتون على أي شيخ عند باب أي منزل
وادان ـ م. عبد الله ولد عبد الوهاب
في العام 536 هجري الموافق 1142م، قرر الحاج يعقوب القرشي، والحاج عثمان الأنصاري، والحاج علي الصنهاجي أن يؤسسوا مدينة وادان على بعد 170 كلم إلى الشرق من مدينة أطار في ولاية أدرار.، وكانت تلك هي البداية لمشروع تحول فيما بعد إلى مدينة مزدهرة عامرة فترة زمنية غابرة.
ويعتبر القرن الثامن عشر، وكذلك العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر، فترة الازدهار الذهبية للمدينة، وقد كان ذلك لعدة عوامل تضافرت مجتمعة، من بينها الموقع المتميز في قلب الصحراء، والأمن والاستقرار اللذان وفرهما سور وادان، وقد بدأ السكان في تشييد سور حول المدينة في عام 540هـ واستمر العمل فيه إلى عام 547هـ، ولهذا السور أربعة أبواب مشهورة ـ ما زالت بقاياها قائمة خصوصا في الشمال الشرقي ـ كل باب منها كان يمكن أن يمر منه جمل يحمل هودجا، دون أن يلمس أي جزء من أجزاء السور العلوية أو الجانبية حسب تصريح الأستاذ محمد فاضل؛ الخبير في تاريخ المدينة.
وكان هذا السور على شكل دائرة تمتد من أعلى الجبل غربًا لتنتهي عند سفحه شرقًا.وبُنِيَ دائريًّا ليضم عيون المياه التي تقع على بعد مسافة نصف كيلو مترا شمال المدينة.
ويبلغ سمكه مترًا ونصف المتر، وارتفاعه أربعة أمتار في بعض الأماكن، ويرى “الأستاذ البنان” أن اغلب مواد البناء التي استخدمت في بناء السور هي من الحجارة والطين.
وقد وفَّر هذا السور لأهل المدينة فرصة نادرة، من أجل الحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم. إذ تحكي الروايات الشفهية أن وادان لم تُنهب منذ إنشاء السور. وذلك لما يوفره من حماية.
شارع الأربعين
في داخل السور يوجد شارع الأربعين علما كشاهد على التطور الثقافي والعلمي الذي عرفته المدينة فيعكسه، حيث كان يوجد في وادان أربعون منزلا متجاورا في كل منزل عالم على الأقل.
وكان بإمكان طالب العلم في وادان أن يتجول في المدينة وإذا ما واجه صعوبة أثناء مراجعته لأحد المتون فما عليه إلا أن يقف عند باب أي منزل، و سيجد من يقوم بمهمة الأستاذ ليصحح له أي فن يسأل عنه كما يؤكد الأستاذ سيدي محمد.
لا يمكن للمتحدث عن “وادان” إلا أن يزور الصخرة الأكثر شهرة في المدينة، والتي يقول الوادانيون إنها أصبحت قبرا للعالم العابد الطالب أحمد ولد اطوير الجنة، وهو قبر لا يزال قائما في وسط المدينة القديمة. حيث تروي الرواية الشفاهية المتواترة إن الطالب أحمد ولد اطوير الجنة كان قد أوصى قبل موته بأن يوضع جثمانه في صخرة كبيرة، منادين إياها “يا صخرة انشقي فقد جاءك الطالب أحمد”، وتقول الروايات بأن الصخرة انشقت، ووضعت فيها جنازة الطالب أحمد لتنغلق عليه وتعود كما كانت.
أما الصخرة الثانية فهي صخرة الفاضل ولد أحمد امحمد، وهي صخرة كبيرة يقول الوادانيون إن الفاضل هو الذي جاء بها إلى المكان الذي توجد فيه الآن بعد عجز كافة القوم عن حملها.
البئر المحصنة
حفر الوادانيون بئرا داخل السور لجلب الماء في حالة إغلاق السور، عند التعرض لأي تهديد خارجي. وتعرف هذه البئر الآن بالبئر المحصنة، ولها طريق سري يوصل إليها يمر من داخل ثلاثة ديار من منازل المدينة.
ولم يكن يسمح لأي أسرة بأن تجلب الماء من البئر المحصنة، مرة ثانية، قبل أن يأتيها الدور وبعد أن يكون كل أهل المدينة قد أخذوا نصيبهم من الماء.. هذا فضلا عن التكافل الاجتماعي الذي ضرب فيه السكان أروع الأمثلة لتبقى “وادان” قلعة شامخة رغم عاديات الزمن لا تموت إلا وهي واقفة بين وادي النخيل الباسقات ووادي العلماء.
وهكذا يترك المؤسسون العظماء لمدينة “وادان” إرثا معماريا وحضاريا نادرا تحول بعد عدة قرون إلى أطلال بالية لا صوت فيها غير أزيز الرياح العاتية التي تضرب المدينة بشكل دائم، ورحل عنها الخلف ليؤسس “وادان الحديثة” التي ما زالت تعاني نقصا كبيرا في أساسيات الحياة فضلا عن كمالياتها.