نواكشوط ـ الربيع ولد ادومو
في بيته بمنطقة كرفور بالعاصمة نواكشوط، يجلس القاضي محمد لمين ولد المختار، في الصالون يحظى القاضي بتعاطف أسرته ومعارفه وعدد كبير من المحامين، بعد قرار فصله المثير للجدل في دوائر القضاء من طرف المجلس التأديبي للقضاة الاحد الماضي.على خلفية حكم اصدره كرئيس لتشكلة جنائية خاصة، في واحد من أكبر ملفات المخدرات
لم يكن الوقت لصالح القاضي فحين كنا في الطريق اليه كان هنالك من أصدر أمرا بانهاء خدمة رقم هاتفه الذي كان تحت شرفه كقاض في قصر العدالة، إهانة استقبلها القاضي بكثير من سعة الصدر وفي 10 دقائق كان يستعمل رقما آخر في هاتفه.
ينظم القاضي الموريتاني عشرات الوثائق والأدلة التي يقول انها تثبت عدالة الحكم الذي أصدره مضيفا: ( أتمسك بعدالة قضيتي، أصدرت احكاما كثيرة ومثل امامي كثير من الناس منذ 1994 حين انضممت لسلك القضاء، كنت دائما أحكم ضمير القاضي النزيه، وأتعامل مع الادلة التي توضع أمامي بكل نزاهة، من غير المنصف ان يتم فصلي، هنالك هيئة دفاع من 30 قاضيا تقريبا ستتابع هذا الفصل غير المنصف، وأتمنى ان ينصفني رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس الجمهورية، ومن ناحيتي سأدافع بكل قوة عن حقي).
فصل القاضي البالغ من العمر 45 عاما يتعلق بملف خطير تداولته المحاكم الموريتانية وهو الملف 760-07 الذي اتهمت السلطات فيه 32 من رجال الأعمال الموريتانيين والأجانب وأشخاص عاديين بالمتاجرة بالمخدرات بينهم ، حكم القاضي مع أربعة مستشارين يمثلون تشكلة المحكمة بتبرئة 10 متهمين بانقضاء الدعوة العمومية في حق شخصين استفادوا من عفو رئاسي.
اثارت القضية جدلا واسعا يغذيه بالنسبة للقاضي ولد محمد لمين داعمين رئيسيين: ( 1- خلاف مع رئيس المحكمة العليا السيد ولد الغيلاني الذي أمرني في العام 2009 باعادة اشخاص الى السجن حين كان مدعيا عام وكنت أنا وكيل جمهورية في سيليبابي وعندما رفضت ذلك لانه غير قانوني بدأ معه خلاف لا يبدو انه في صدد الحسم، انا اعتبر انني قاض واعتز بذلك، ولا أخضع لرغبة أحد عندما اصدر حكما قانونيا يمس حياة الناس، 2- ان ملفا من نوع ملفات المخدرات يأخذ حجما أكبر من حقيقته حيث يضخمه الاعلام ويصبح تحقيق العدالة فيه مخيبا لما قد يتوقعه بعض منتابع الملف عن بعد، المتاجرة بالمخدرات جرائم خطيرة فعلا، وعند إثبات الجريمة يعاقب المتهم ردعا له واصلاحا لحالته، ولكن خطورة الموضوع لا يجب ان تحجب قيمة الإنسان وإدانته بما لم يرتكب، القضاة لا يحكمون كما يحكم الناس عن بعد، انهم يتعاملون مع ادلة وإجراءات محددة وفقا للقانون وعليهم مسؤولية دقيقة وخاصة).
لجنة تأديب.. وتصدع في تشكلة القضاء
أحال وزير العدل الموريتاني بموجب المادة 38 من القانون الأساسي للقضاء رسالة في تاريخ 06-09-2011 مضمنا رسالته وقائع رآها خطيرة تمس الشرف والامتناع عن القانون لتوقيع العقوبات الرادعة ضد القضاة المعنيين (رئيس التشكيلة والمستشارين الاربع).
وفي وثيقة خاصة توصلت بها صحراء ميديا تتعلق بالتشكيلة التأديبية الخاصة بالمجلس الاعلى للقضاء المحضر رقم 01-2011 فإن بدأ التصدع بدأ يظهر داخل التشكلة التي أصدرت الحكم حيث اعتبر بعض مستشاريه انهم لم يكوني مقتنعين تماما بالقرار.
حيث قال أحد المستشارين –بحسب نص الوثيقة- انه كان معترضا على القرار وانه ساير التشكيلة بتحفظ، وقال قاض آخر انه كان في ظرف خاص قبل انعقاد تشكلة المحكمة التي اصدرت القرار وانه كان ينوي السفر الى والده وان القضية عرضت على المحكمة على ابواب العطلة رئيس المحكمة (القاضي المفصول) أصر على للاسراع في البت في القضية، وانه وافق على القرار بتحفظ، القاضي الثالث قال ان الملف كان خطيرا جدا وانه قال بمبدإ الادانة وليس تبرئة المتهمين (عكس ما حصل).
بقي رئيس التشكلة القاضي محمد المختار ولد محمد لمين ومستشاره عضو التشكلة القاضي عثمان ولد محمد محمود الذين دافعا عن القرار بشدة وعتبرا انهما قاما بعملهما وفق ما يمليه القانون مع بقية التشكلة.
من حيث الشكل يقدح هذا في قرار بالاجماع تتخذه محكمة، حيث ان القضاة 5 وعندما يتبرأ منهم ثلاثة من الحكم هذا يعني ان الاغلبية غير موافقة علىا لحكم الذي صدر.
يعلق القاضي المفصول على هذا الرأي الذي يبدوا ان لجنة التأديب اعتمدته بالقول: (اولا القضاة الأربعة اصدروا معي هذا القرار، لقد قمنا (اعضاء التشكيلة ال 5) معا بصياغة منطوق الحكم، ودخلنا القاعة واصدرنا الحكم علنيا، هذا يقدح في قول البعض انهم لا يتحملون المسؤولية، في اسوإ الاحتمالات فان القرار اتخذ باغلبية التشكيلة المكونة من 5 قضاة، انا والقاضي عثمان وقاض ثلاث لدينا دليل مادي حول انه كان مقتنعا بالحكم وانه كتب بخط يمينه نصف نص الحكم الذي يقع في 45 صفحة، ولا يمكنه القول اليوم انه لم يكن مقتنعا هذا يقدح حتى في مصداقيته كقاض، على الأقل في ظل موجة الانكار هذه هنالك اغلبية التشكيلة التي اصدرت الحكم، ولم يكن إطلاقا قرارا فرديا، ثالثا القضاة لو انهم لم يكونوا مقتنعين بالحكم لما خرجوا معي للقاعة، وجلسنا معا لنعلن الحكم الذي نتحمل مسؤوليته أمام الله وامام الناس، لكن بعض الناس لا يثبت على الحق في الاوقات الصعبة وهذا امر غير جيد، بالنسبة لي غير مقتنع بما ورد في الوثيقة التي تتحدثون عنها، انا أثق في القضاة الأربع وأنهم قضاة يتميزون بالنزاهة ربما ان اللجنة لم تستمع جيدا لما قالوه، او ربما انه صيغ بطريقة غير دقيقة).
في 10 صفحات برر القاضي قراره رقم 63-11 الصادر بتاريخ 2011 المتعلق بتبرئة المتهمين، حيث قال ان حكم المحكمة المستأنف بني على ثلاث مسائل:
1- اعترافات المتهمين الواردة في محضر الانابة القضائية 2- تصريحات المتهمين الواردة في محاضر الضبطية القضائية 3- الخبرة المعدة على المحجوزات.
وقد بدت هذه الحجج ضعيفة بالنسبة للقاضي: (استعرضنا الانابة القضائية وما شابها من نواقص، ومحاضر الشرطة التي تبقى عنصر اثبات يرجع فيه لتقدير القضاة، وكذلك الخبرة، واصدرنا قرارنا بكل قوة ونزاهة وسندافع عنه،هنالك اخطاء واضحة ارتكبت ومست حق الدفاع في الملف الذي عرض علينا) ويضيف: (إصدارنا للحكم لا يجعلنا نخفض رؤوسنا اطلاقا، وإذا تمت معاقبة كل قاض بسبب إصداره لحكم يشكل قناعته لن يتمكن أي قاض من إصدار حكم في حياته، حتى القاضي الذي سيأتي بعدنا ويحاكم المجموعة التي اصدرنا قرار بتبرئتها، لن يحكم بالبراءة في حال شكلت له قناعة بالنسبة له، لأنه إذا فعل سيتم فصله هذا يعني انه يجب ان يحكم بغير البراءة، بهذه الطريقة نحن لا نشيد قضاء، نحن نرسم طريقة للقاضي ونقول له سر عليها والا فستفصل من وظيفتك).
نتج قرار فصل القاضي على خلفية تحقيق اجرته المفتشية العامة للقضاء والسجون وهذا ليس من مهامها يقول القاضي: ( هنالك امور تتعلق بتحقيق المفتشية غير المختصة، هنالك مثلا الخطأ التأديبي الذي ينشأ عن تصرف قام به القاضي وأخل بشرف المهنة، ويخضع القاضي في هذه الحالة لرقابة المفتشية العامة للقضاء والسجون، اما فيما يتعلق بالخطأ في فهم القانون وتأويله مراقبته وتصحيحه فيرجع للمحكمة الأعلى درجة وهي (محكمة النقض) هذا في حال حدوثه وتم اثباته وهو مالم يحصل، في النهاية المفتشية غير معنية).
معلومات..
انضم القاضي محمد لمين ولد المختار لسلك القضاء 1966 الجريف النعمة.. القضاء 1994.. مارست عدة وظائف في سلكالقضاء: رئيس محكمة مقاطعة اكجوجت – رئيسة محكمة مقاطعة سيليبابي – وكيل جمهورية في الحوض الغربي – وكيل جمهورية بغورغول– وكيل جمهورية في نواذيبو – رئيس الغرفة التجارية بمحكمة الولاية في نواكشوط – رئيس الغرفة المدنية في محكمة ولاية نواكشوط– مفتش بوزارة العدل – نائب المدعي العالم لدى محكمة الاستئناف في نواكشوط– نائب وكيل الجمهورية في روصو – وكيل جمهورية في سيليبابي– رئيس الغرفة التجارية والإدارية بمحكمة الاستئناف بنواكشوط.