مثلث الفقر “الأكثر تضررا”.. والغطاء النباتي يفقد 10 آلاف هكتار سنويا
نواكشوط – محمد ولد زين
في بلد تغطي الغابات قرابة 242 ألف هكتار، أي نسبة 0.23 % من ترابه الوطني؛ ويعتمد اقتصاده المحلي على ثروة حيوانية تقدر بنحو 16.4 مليون رأس من الضأن والماعز و1.4 مليون رأس من الأبقار و1.4 مليون رأس من الإبل.. يكون للحديث عن التساقطات المطرية أكثر من مدلول.. ولنقصها أو تأخرها تطرح عديد الاستفهامات.
فموريتانيا البلد الصحراوي؛ الذي لا يتجاوز أعلى معدل للأمطار فيه حاجز 600 مم سنويا في منطقة الضفة، وينخفض المعدل شمال البلاد ليصل حاجز الـ 50 مم، يعاني هذا العام من نذر موجة جفاف لها ما بعدها؛ بحسب الخبراء.
خطر استشعرته موريتانيا الرسمية؛ فأقامت صلاة الاستسقاء.. بعد نفوق جماعي لعدد غير يسير من الأبقار في بعض الولايات الشرقية خلال الأشهر الأخيرة؛ بحسب مصدر في وزارة التنمية الريفية.
جاء موسم الخريف “متوسطا” كما توقعته مصالح الرصد الجوي الموريتانية، فهدد حياة المواشي، وتبخر أمل المزارعين في موسم زراعي علقوا عليه أكثر من أمل.
الأوضاع الحالية؛ يقول أحد مهندسي وزارة التنمية الريفية الذي تحدث لصحراء ميديا وفضل عدم الكشف عنه؛ “ستزيد من تهديد الثروة الحيوانية خاصة الأبقار المتواجدة في الحوضين ولعصابه”؛ مضيفا أن “قرابة 700 رأس من البقر معرضة للنفوق، منها ربع مليون رأس في مدينة كنكوصه وحدها تعيش حالة مزرية”.
و أكد مصدرنا؛ أن مصالح التنمية الريفية في ولاية لعصابه راضية عن نسبة الغطاء الرعوي في الوقت الحالي، الذي مازال في حدود 60 إلي 70%من المستوي الاعتيادي في مقاطعة كنكوصه وهي نسبة جيدة، بينما تكون دون المتوسط في “كيفه و باركيول”، ورديئة في “كرو وبومديد”.
هذه النظرة غير الوردية؛ يطلقها المختصون في ولاية بها 134 واحة تنتشر على مساحة تقدر بـ 16105 هكتارا من الغابات، انجبت 150 غابة نموذجية في مختلف ربوع ولاية لعصابه التي شهدت العام الحالي مابين 13 إلى 15 حريقا كبيرا؛ منها حريقين كبيرين في مقاطعة كنكوصه إضافة إلي مجموعة كبيرة من الحرائق الصغيرة، رغم تسجيل مصالح التنمية الريفية تقليص اندلاع الحرائق فيها بنسبة 60 في المائة.
أما فيما يتعلق بالحصاد الزراعي هذا العام؛ فيتوقع أن يؤثر النقص الحاد في الأمطار على المحاصيل الزراعية؛ وهو ما قد يعطى نتائج دون تلك التي حددتها الحكومة الموريتانية إبان انطلاق الحملة الزراعية 2011-2012 ، والتي استهدفت زراعة 290 ألف هكتار، ثلاثون ألف هكتار منها للزراعة المروية و260 ألف هكتار للزراعة المطرية، وكان متوقعا أن تمكن هذه الحملة من إنتاج 265 ألف طن من الأرز، و 130 ألف طن من مختلف عينات الحبوب الأخرى، “وهو ما لن يتحقق كليا”؛ يقول المهندس الزراعي.
الأكثر تضررا
النائب البرلماني المعارض محمد المصطفى ولد بدر الدين؛ والذي يُعد حزبه “اتحاد قوى التقدم” بشكل دوري دراسات عن أوضاع السكان في منطقة آفطوط، أكد في اتصال مع صحراء ميديا؛ أن الأمطار يعتمد عليها ثلثا التنمية الحيوانية في موريتانيا، إذ أن نسبة 90 % من الماشية تعتمد على المراعي؛ بينما تعتمد 10 % من الماشية على تربية البيوت والمزارع النموذجية.
وقال بدر الدين؛ إن نفس الشيء يمكن إسقاطه على قطاع الزراعة المعتمد كليا على موسم الأمطار، ماعدا الزراعة المروية على ضفة النهر، والتي لا تتجاوز الـ 10 % من منتوجات الحبوب في البلد، بينما تراهن 90 % الباقية على مياه الأمطار، مضيفا أن نقص الاخيرة هذه السنة “قد يهدد حياة المواشي والمزارعين”.
وأكد أن هذين التهديدين تفاقهما موجة الجفاف التي تجتاح جمهورية مالي، التي كانت ملاذا للمنمين الموريتانيين، وكون السنغال غير راغبة في استضافة المواشي الموريتانية بسبب الازمة القائمة بين الدولتين.
وأضاف النائب المعارض؛ أن النتائج المترتبة عن ذلك تتمثل في موجة نزوح للمزارعين والمنمين من الريف إلى المدن التي اجتازت طاقتها الاستيعابية مرات عديدة، وسيكون عليها استقبال “جيوش من العاطلين عن العمل”، وهو ما من شأنه أن يخلق اختلالات كبرى “ستزيد لا محالة من تفاقم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة أصلا في البلد”؛ وفق تعبيره.
وبخصوص تداعيات نقص الأمطار بالنسبة لمنطقة آفطوط، لفت “بدر الدين” الانتباه إلى خصوصية هذه المنطقة المتمثلة في “انعدم المياه الجوفية بها”، حسب البحوث الجيولوجية؛ مما جعل الساكنة تعتمد في الشرب على “مياه السدود وبعض الآبار غير العميقة، التي تؤمن مياه الشرب طيلة فصلي الصيف والشتاء”.
وسجل بدر الدين انهيار السدود في المنطقة العام الماضي بسبب كثرة التساقطات، وهو ما خلق موجة من العطش.. قد تتفاقم هذا العام في مثلث الفقر ما عدى قرى وبلدات قليلة.
وخلص ولد بدر الدين؛ إلى أن سكان آفطوط الذين كانوا يعتاشون على زراعة الواحات و ما يسمونه “لخريف”؛ مهددين في الوقت الراهن بثالوث “العطش، وانعدام الزراعة وهلاك المواشي”، متوقعا أن يكون مثلث الفقر “أكثر المناطق تضررا من هذا الجفاف”.
الخاسر الأكبر
تتحكم في توزيع الغطاء النباتي في موريتانيا عوامل عديدة أهمها “التحكم المتزايد للجفاف من الجنوب إلى الشمال، وكثرة السباخ، ووجود نهر في الجنوب الغربي”، وتقسم هذه العوامل الثلاثة المناظر النباتية الموريتانية إلى أربعة مجموعات كبرى هي: “منطقة الساحل، ضفة نهر السنغال؛ مناطق الأراضي المالحة.. ومنطقة الصحراء”.
ويوفر هذا الغطاء النباتي المتنوع؛ حسب خبراء وزارة التنمية الريفية، ما مجموعه 242 ألف هكتار من الغابات تغطي ما نسبته 0.23 % من الأراضي الموريتانية؛ في وقت تواجه فيه موريتانيا عددا كبيرا من “التحديات البيئية التي تفقدها 10 آلاف هكتار سنويا من غطائها النباتي”، بحسب تقرير أعدته الجهات الرسمية بالتعاون مع الاتحاد الأوربي.
نهاية موسم
خبراء الأرصاد الجوية في دول منطقة الساحل؛ اجتمعوا في الثلث الأول من العام الجاري؛ لتقريب وجهات نظرهم حول “التنبؤات” المحتملة لموسم الأمطار هذه السنة في بلدانهم، فوجدوا “صعوبة بالغة” في تحديد ذالك لكون اغلب التوقعات أظهرت “موسما فاترا”.
الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في موريتانيا؛ حسمت أمرها خلال شهر مايو الماضي، معلنة توقعاتها بموسم أمطار “متوسط”، مع وجود “جيوب عجز في بعض المناطق”.
سيدي ولد محمد الأمين؛ مدير التنبؤات بالهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في موريتانيا، أكد في تصريح لـ”صحراء ميديا” أن نقص الأمطار هذه السنة عائد إلى مسألتين؛ الأولى وجود “تبرد في المحيط الأطلسي الجنوبي (خليج غنيا) وفي الشمال (جزر الكناري) حتى الشواطئ الموريتانية السنغالية”، هذا التبرد يخلق ظروفا غير ملائمة تمنع سقوط الأمطار.
وقال ولد محمد الأمين؛ إن 80 % من التساقطات ناتجة عن تحرك “خلايا بردية من الشرق نحو الغرب، وعندما تجد الظروف الملائمة (الحرارة والرطوبة) تعطى أمطارا”
وأرجع خبير الأرصاد الجوية؛ النقص الملاحظ في الأمطار هذه السنة لسبب آخر؛ وهو أن الجبهة المدارية، والتي هي الخط الفاصل بين كتلتين هوائيتين، إحداهما في الشمال جافة وحارة.. والأخرى في الجنوب حارة ورطبة، “لم تتجاوز هذه السنة خط (آدرار- انشيري)، وهي التي كانت في السابق تصل (بير ام اكرين) خلال شهر أغسطس من كل سنة”، مضيفا أنه كلما “تقدمت الجبهة المدارية نحو الشمال، كلما كانت الظروف ملائمة لسقوط الأمطار الجنوبية”، فضلا عن كون “المرتفع الجوي الآزوري” المنتشر شمال البلاد وعلى السواحل أدى إلى هبوب رياح باردة تعرف محليا بـ”الساحليه” قادمة من البحر، تمنع في العادة تكوين السحب الماطرة.
وتتفاوت المعدلات السنوية للأمطار من منطقة إلى أخرى؛ ففي كيدماغه يتراوح المعدل مابين 500 – 600 مم في السنة، وكيفه 300-400 مم، وفي اترارزه من 250-300 مم، أما كوركول فيبقى في حدود 400 مم؛ وفي الشمال تتضاءل المعدلات السنوية لتصل حدود 50-60مم في ولايات الشمال وتكانت، بينما تبقى لا تتجاوز حاجز 70 مم في العاصمة نواكشوط.
وخلص مدير التنبؤات في الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية؛ إلى القول إن موسم الأمطار المعتاد في موريتانيا “ينتهي في 15 من اكتوبر الجاري”، وما سوى ذلك من تساقطات مطرية يدخل ضمن ما يعرف بـ”الظواهر الخارجة عن موسم الأمطار”، والتي يطلق عليها محليا “أردان” ويكون مجالها من نهاية أكتوبر إلى غاية الأسبوع الأخير من نوفمبر.
وأكد أن التوقعات تشير إلى أن الأسبوع الحالي؛ سيشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة المصحوبة بعواصف رملية، مع إمكانية تسجيل “تساقطات مطرية محدودة يومي 8-9 من الشهر الجاري على الشريط الجنوبي”.