ما يحدث اليوم في موريتانيا من صخب وغوغاء ليس نشازا عن ما حدث بُعيد الاستقلال وما تلاه من حقب تكرر فيها نفس السيناريو بتنوع وتفوق في الإفساد في الأرض وزيادة في إهلاك الحرث والنسل.
غير أن النافخ في هذا الكير إنما يملأ عينيه ملّا وكذالك الضارب إنما يضرب في حديد بارد فهو عود على بدء يهدف أصحابه من ورائه إلى تسور جدار الأمن والسلامة السميك الذي بناه أبناء موريتانيا على أساس الدين الإسلامي القويم بغية إحداث تصدعات فيه وإن لم تمكن تشققات.
لكن كيف؟ ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطمس علينا تلك الأحاجي أو تفوتنا تلك الألاعيب البهلوانية الخداعة فقد أصبح سرهم علنا من حيث لم يدروا أن السم في الدسم، فمتى كان الموريتانيون يحتكمون إلى تلك المفاهيم الرتيبة الضيقة النتنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: {دعوها فإنها منتنة}.
هي قضية عششت وفرخت في أذهان البعض، ومرجعيتهم في ذالك معروفة وأجلى منها الهدف، وهو سيادة منطق (الشعوبية) الهدامة، فيصبح كل عرق بما لديهم فرحون وضرب كامل النظم والقوانين بما فيها الدين الإسلامي بعرض الحائط فيختلط الحابل بالنابل ويضيع كل مصون وتصبح الفوضى في البلاد خلاقة بكل ما تنم عنه الكلمة من مدلول، فكثيرا ما تسربت لنا هذه الدعوات وتكررت وتنوعت أشكالها حتى بلغ السيل الزبى.
فلماذا نترك الطريق سالكا لمثل هذا النوع من الأفكار دون أن نحرك ساكنا اتجاهه رغم خطورته وتهديده لنا في الصميم وإن كنا نقف على أرضية صلبة منيعة تتحطم على صخورها تلك الدعوات وأمثالها وبنظرة بسيطة نستجلي ذالك، فوجودنا على هذا الأديم قديم قدمنا حققنا ضمنه تناسقا وتعايشا عجيبا يحسدنا عليه الكثير، وإن كان ثمة استثناءات فإنما تأكد القاعدة وتثبتها، هذا منطلق وأكبر منه منطلق الانتماء للدين الإسلامي فالشعب كله مسلم مسلمة لا تقبل الشك ولا المكابرة، أضف إلى ذالك ما توارثناه عن الأجداد من قيم اجتماعيه وأخلاقيه كانت قيمة في سموها وضبطها لكل سلوك أفرادنا أيا كانوا في عصر كانت أسباب المناكفة والمشاكسة أكثر، حينها ضبطناها فكيف والعصر عصر رقي واتحادات واندماجات، لا يمكننا ذالك؟ بل يمكنا ذالك وأكثر، فالصائح إنما يصيح في واد والنافخ إنما ينفخ في رماد، إلا أننا مدعوون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى شد المئزر لأن تكرار هذا النوع من الدعايات المغرضة يفرض التصدي له وبحزم، وأعتقد أن ذالك يتم باعتماد النظرة الإسلامية إلى الأمور التي تنطلق في رأيتها من التثبت أولا والتحقق قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
وبعد تحقيق هذا الإجراء ننظر إلى مدى انسجام هذا العمل المراد منا قيامه مع الدين الإسلامي أو مدى مخالفته له، فقد أثبت التاريخ أن كل الدعايات سقطت من شيوعية وقومية واشتراكية كما أثبت أن الدعايات الهدامة لا تأكل محددا وإنما تأكل كل شيء، ومع هذا كله فإن كبراء هذا البلد ومثقفيه وأصحاب النظر أشد حرصا بطبيعة الحال على أن يظل طريق قطار النجاة معبدا نقيا من العثرات أحرى من المطبات الكبار التي تهوي به لا قدر الله في هوة ما ذات قعر بعيد.
فالرسل رغم إيابها بالفشل في كل محاولة مازالت تترى حتى هذه الأيام، تلبس على الناس حياتهم من أجل الإفساد وكون المتصدي لها هو ردة الفعل الصامتة التي أفرزتها عوامل متعددة منها التاريخي والاجتماعي والديني ولكي تؤتي أكلها لابد أن تكون هناك معاينة ومكاشفة لهذه القضايا وبالطبع من المعني بذالك وأخذ القرار المناسب الذي يخدم وحدة الشعب وتماسكه ويوقف هذا السيل عند حده فلا مكسب للشعب أعظم من وحدته ولا خسارة للشعب أعظم من ضياعها.