تحتاج الدولة للقيام بواجباتها تجاه المواطن والوطن ، إلي مبالغ مالية كبيرة توزع حسب معايير الأولوية والشمولية ، فلا يخولوا مجال من اقتطاع ،ويراعي في تلك الاقتطاعات من حيث المقدارمعيار الأولوية القائم أساسا علي تقديم الاحتياجات الملحة التي تشكل قاعدة لضرورات أكثر إلحاحا ،مثل المعدات واللوازم …في البنية التحتية عموما، فهي مقدمة علي المصادر البشرية وفي بلد فقير ومتخلف كموريتانيا ،فإن مثل هذه القواعد وتلك الضرورات ، تشكل اختبارا صعبا لكل نظام جاد في تطبيق برنامجه السياسي الذي اختاره الشعب . فينبغي إذا أن تشكل حجر الزاوية في اهتمامات الدولة ،ليقوم الإصلاح علي أسس صلبة لارجوع إليها حتي بعد رحيل النظام ، لكن ذلك علي مايبدوا يحتاج إلي وعي غير زائف من نخبة المجتمع ومثقفيه ، حتي تثمر جهود الدولة المبذولة في ذلك المجال .
إن مانشاهده اليوم من إضرابات واعتصامات في هذا القطاع أوذاك ، أمام هذه الوزارة أوتلك المنفذ منها والملوح به هي محمية بموجب قوانين ومشروعة بسبب أخري لامراء في ذلك ، مع التحفظ أحيانا علي بعض المطالب ، والتحفظ علي أوقاتها ومع ذلك فإننا لم نسجل قبل هذا النظام ظهورا بهذا الحجم لتلك الظواهر، وتلك فرينة لامراء فيها هي الأخرى علي أن التطور النوعي ومستوي الحريات الذي أصبح متاحا منذ مجيئ هذا النظام لم يكن موجودا من قبل ،وللسائل الحق في أن يسأل لماذا ؟
وللمجيب الحق في أن يقول إن الحسنة الوحيدة لدكتاتورية الأنظمة السابقة وسلبها للحريات ، أنها سدت ذريعة الفوضى بحجة وعي زائف للحقوف دون الواجبات ودون مراعات الواقع والأولويات ، وهذا لايعني أنني أخذت علي النظام أسلوبه الرائع والمتميز في المعاملة مع هذه الظواهر في هذا الوقت بخصوصياته ، بل إن مأخذي إنما يتعلق بمن يقول : لننتهز فرصة وجود هذا النظام الحريص علي الإصلاح والتغيير ، ولنستغل فرصة هذه الأوضاع المتفجرة في العالم العربي لنحصل علي كل مطالبنا المشروعة من خلال الاعتصامات والإضرابات المكفولة بموجب القانون .
إن مايقول هؤلاء هو حجة عليهم لاحجة لهم ، فما دام النظام يسعي بجدية إلي التغيير الحقيقي والإصلاح الجذري ،فيجب ان نكون له لاعليه ، فلانثير له من الشاكل المالية مانعلم أن ميزانية الدولة لاتتسع له ، ونؤثر في ذلك علي أنفسنا ولوكانت بنا خصاصة ، مع الاطمئنان علي أن الوقت سيحين لتلبية تلك المطالب من دون ضغوط ـ إن استمرت مسيرة الإصلاح هذه وتكللت بالنجاح ـ الذي لم يعد يحتاج إلا إلي سواعدنا
إن أصحاب هذه التوجهات ـ حسب وجهة نظري ـ بحاجة إلي أن ينظروا قليلا إلي أبعد من أنوفهم ، ليعلموا أن ما يريدون لايحتاج فقط إلي التشريع والمصادقة ،بل الأهم من ذلك أنه يحتاج إلي أموال ضخمة وميزانية كبيرة خصوصا ما يتعلق منه بعلاوات قطاعي الصحة والتعليم فإنها رغم مشروعيتها محرجة كثيرا ، و قفزة كبيرة فوق خطوات إصلاحية أخري أسبق في سلسلة الضرورات الموجودة ضمن لوائح الإصلاح ، فما فائدة أن يمتلك الطبيب أو المدرس علاوات كبيرة ، في الوقتالذي يتأخر عن مقر عمله القريب منه ـ مثلا ـ نصف ساعة بسبب مشاكل النقل (قلة الطرق وكثرة السيارات )، وماهي فائدة تلك العلاوات إذاكان أحدهما يأتي لمقرعمله متأخرا، ولا تساعد المعدات والوسائل الموجودة في استغلال المتبقي من الوقت لما استوجب أصلا وجود تلك العلاوة (كظاهرة الاكتظاظ في الفصول ) والتي تأثر سلبا علي العملية التربوية كما تعلمون ، أو بسبب انشغالات أخري كالعيادات والمدارس الحرة ، ألايجدر بنا أولا أن نقضي علي هذه الظاهرة وغيرها كثير ،باكتتاب المزيد من المدرسين وبناء المزيد من الفصول وتجهيزها ، وبما يليق لكل مشكل علي حدة .
إن تلك المشاكل المتجذرة تحتاج إلي أموال طائلة واقتطاعات أكبر من ميزانية الدولة التي تعتمد بشكل أساسي علي الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، والتي لاينبغي أن نعول فيها علي القروض والهبات أكثر من تعويلنا علي ضرائب المؤسسات المتحايلة وضرائب عقارات يما طل أهلها باستمرار.
إنها تحتاج إلي ميزانية كبيرة لتسويتها وتجاوزها إلي ما يليها إلحاحا، داخل مجتمع متخلف للأسف الشديد ، فلطالما ظل ولايزال معول هدم لميزانية مقدرة علي ما يجب أن يدخل إلي الخزينة العامة من ضرائب باتت موضع إهمال من المؤسسات وتحايل من المواطن البسيط العادي الذي قد لا يدرك مساوئ المماطلة وعدم دفع الضريبة المستحقة عليه وانعكاس ذلك سلبيا علي المجتمع والدولة بأكملها ، ولم تسلم هذه الميزانية من معول هدم آخر ولكنه الآن في يد نخبة المجتمع ومثقفيه المنخرطين في النقابات ، وحال لسانهم يقول نضرب اليوم لرفع الأجور ونضرب غدا لتسديدها عند عجز الميزانية دون رأفة ولا رحمة بالدولة والمجتمع ، في الوقت الذي تراعي الدولة خصوصية مجتمعها المتخلف ،فتتعامل معه بالرفق والرحمة ، ولم تشدد عليه في جباية الضرائب التي إن فعلتها في مختلف القطاعات والمجالات ولكل موجباتها ،لعصفت بالعلاوات وزادت عليها.إن الرحمة والرفق المتبادلين بين النظام من جهة والشعب عامة والنخبة خاصة من جهة أخري ، إن لم يكن هو السبيل المناسب لحل كل المشاكل العالقة ، لم تكن الغلظة والتشديد سبيلا أنجع.
سيد الأمين ولد باب
Siba64@ymail .com