ترجمة : صحراء ميديا
يتحدث الجزء الأول من الوثائق التي سربها موقع ويكيليكس الأمريكي، عن لقاءات مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية تود موس، و المدير الرئيسي للشؤون الإفريقية في وزارة الدفاع، مايكل دومونت وكذا السفير الأمريكي بموريتانيا والملحق العسكري الأمريكي، بمجموعة شخصيات في مقدمتها الجنرال (سابقا) محمد ولد عبد العزيز، والوزير الأول السابق يحيى ولد أحمد الوقف، و رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحمد ولد سيدي بابا.
ونقلت الوثائق شكر ولد عبد العزيز لقلق الحكومة الأمريكية مشيرا إلى أنه تفهم موقفها وسيعمل على الإبقاء على الحوار مفتوحا. كما نقلت وصف أحمد ولد سيدي بابا لولد عبد العزيز بكونه شخصا يفتقد “التعليم والذكاء أو التجربة لقيادة الجيش.. ناهيك عن قيادة البلاد“.
لقاء مساعد نائب وزيرة الخارجية موس بالجنرال ولد عبد العزيز:
1- استقبل الجنرال محمد ولد عبد العزيز، مرفوقا بمدير مكتبه شياخ ولد اعلي، والمستشار الرئاسي والديبلوماسي محمدو ولد ميشيل، كلا مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية تود موس، و المدير الرئيسي للشؤون الإفريقية في وزارة الدفاع، مايكل دومونت وكذا السفير الأمريكي بموريتانيا والملحق العسكري الأمريكي. وأوضح موس أن الهدف من الزيارة هو التأكد من المجلس العسكري فهم موقف الحكومة الأمريكية، وأنه كان موقف الحكومة الأمريكية ككل، وبحث إمكانيات حل الأزمة. وأشار موس إلى أن الولايات المتحدة والمنتظم الدولي ككل اعتبروا أن الديمقراطية الموريتانية ليست إيجابية داخليا فقط بل ولكن كنموذج مهم لباقي إفريقيا والعالم العربي. وقال أن هذا التقييم لم ينتج عنه فقط استحسان دولي ولكن ترجم على شكل الدعم المالي المهم الذي تم التعهد بمنحه في لقاء المجموعة الاستشارية بباريس ديسمبر الماضي. هذا التقييم تم في فترة كان فيها الدعم الأمريكي نسبيا ضعيف، مما دفع بإطلاق عدة مبادرات كان من المنتظر أن تقود إلى ملايين الدولارات من الدعم العسكري والتنموي
2- وجدد ..موس تأكيده على أن الحكومة الأمريكية لا يمكن أن تقبل انقلابا عسكريا لأسباب أخلاقية ومقتضيات القانون الأمريكي. وأشار بأن 2008 لا تشبه بأي حال من الأحوال 2005، وأن إفريقيا كانت ماضية نحو عهد انتهى فيه زمن الانقلابات. مشددا على الضرورة الملحة لإيجاد حل للأزمة، قال موس بأن هناك وقت فصير قبل أن يصبح قرار تعليق الدعم رسميا ونهائيا. وطمأن موس الجنرال ولد عبد العزيز بأن الحكومة الأمريكية لا تريد أن ترى موريتانيا معزولة عن المنتظم الدولي ولا تريد أن تفتح نافذة للقاعدة. وعبر موس عن أمله بأن نبحث خطوات قادمة ستتضمن بالضرورة الإفراج عن الرئيس ولد الشيخ عبد الله وتوافقا مشرفا للجيش الموريتاني. وشدد موس على كون الحكومة الأمريكية تتفهم أهمية الجيش كمؤسسة وكشريك. وتحسر موس على كون تعاوننا العسكري حينها مهدد سيتقلص ما لم يتم إعادة السلطة للحكم المدني الدستوري المخلوع.
3- وفيما عبر ولد عبد العزيز عن شكره للاهتمام الذي أبدته الحكومة الأمريكية، أصر على أن ما حدث في موريتانيا لم يكن انقلابا. لقد اتهم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بالفساد (مستشهدا بتصنيف موريتانيا من طرف منظمة الشفافية الدولية) وانعدام الكفاءة والتسلط وفقدان الدعم السياسي بما في ذلك من طرف الإسلاميين والشيوعيين المشاركين في الحكومة، وبعدم اللامبالاة بالأمن القومي للبلاد وبالتسبب في شلل حكومي ومأزق سياسي. وأدان ولد عبد العزيز قرار ولد الشيخ عبد الله إقالة القيادات العسكرية واصفا إياه بأنه قرار غير شرعي كان يهدد بإطلاق شرارة العنف. وقال ولد عبد العزيز أن أربع-أخماس البرلمانيين كانوا يريدون جر ولد الشيخ عبد الله إلى المحاكمة وأن “الواقع في موريتانيا” كان يقول بأن ولد الشيخ عبد الله كان مرفوضا بشكل قاطع من طرف الموريتانيين. ولد عبد العزيز قال أن علاقتنا العسكرية هي مهمة وأنه هو، وليس ولد الشيخ عبد الله ، هو من قواها. وبما أن “السلطة التنفيذية” وحدها من طالها الانقلاب، فإن العلاقة العسكرية يمكن أن تستمر.
4- موس اعتبر أن الديمقراطية هي مسار متقلب وليس دائما فعالا، وحتى الديمقراطيات الراسخة تواجه تحديات مشابهة. قال موس أن الأخطاء التي يمكن أن يكون ارتكبها الرئيس ولد الشيخ عبد الله وإدارته فإن خلعه وتوقيفه تعد أخطاء أكثر فداحة، وبالتالي لم يكن بإمكان المجتمع الدولي سوى اعتبار هذه الحركة كانقلاب. وأكد موس أن علاقاتنا الثنائية كانت قوية ليس بفضل الرئيس ولد الشيخ عبد الله شخصيا ولكن لأن موريتانيا صارت ديمقراطية وبالتالي لم يكن بإمكان هذه العلاقات أن تظل كما هي في ظل هذه الظروف. واعتبر أن الإجراء الفوري الواجب اتخاذه هو إعادة الديمقراطية وأن أيا من المشاكل التي سردها ولد عبد العزيز لا يمكن أن تبرر الانقلاب. وكرر موس النوايا الحسنة التي يكنها المنتظم الدولي لموريتانيا والدعم الدولي والعلاقة العسكرية التي تجمعها بالولايات المتحدة كانت جميعها مهددة حينها.
5- ألح موس على ولد عبد العزيز “بأن يخبرنا عن حل للخروج من الأزمة”. مجددا تأكيده على مبدأ التآزر بين الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وعبر عن اعتقاده بأن لا بد وأن يكون هناك وسيلة لإعادة الرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى السلطة مع مراعاة قلق الجيش وكذا الانخراط مع مجتمع دولي مستعد لهكذا التزام في حل مشاكل موريتانيا العديدة منها الفساد. وقال موس بأن أول خطوة إيجابية وإشارة تظهر جدية الجيش ستتمثل في السماح له بزيارة ولد الشيخ عبد الله قبل مغادرة نواكشوط وأنه سيعدل برنامج لتحقيق هذا الغرض إذا ما سمح له بذلك. وأشار موس إلى الاهتمام الذي يحمله الجانب الأمريكي في شخص الرئيس ووزيرة الخارجية رايس ونائبها نيغروبونتي، اعتبر موس أن إجراءا مثل هذا قد يكون “إشارة مهمة“.
6- وأشار المدير الرئيس مايكل دومنت، حينما طلب منه أن يقدم وجهة نظر وزارة الدفاع الأمريكية في الموضوع، باعتباره ضابطا عسكريا سابقا وكونه محاميا، أنه حينما يقوم الجيش في أي وقت ما بخلع وتوقيف رئيس منتخب فهذا يعتبر انقلابا. واعتبر دومنت أن الانقلاب تسبب في وصمة عار في شرف الجيش لا يمكن لوزارة الدفاع أن تتغاضى عنها وأن وحده الجنرال ولد عبد العزيز يمكنه إزالتها.
7- وجدد ولد عبد العزيز شكره لقلق الحكومة الأمريكية مشيرا إلى أنه “تفهم” موقفنا وأنه سيعمل على الإبقاء على الحوار بيننا مفتوحا. بالمقابل، فقد تأسف لكون دواعي “الأمن الداخلي” تمنع السماح بزيارة الرئيس ولد الشيخ عبد الله في الوقت الراهن.
-8 تعليق: كان واضحا أن الجنرال ولد عبد العزيز، الذي رأيناه لأول مرة منذ الانقلاب يرتدي بدلة، غير مرتاح في حديثه وشرع في توزيع قائمة اتهامات للرئيس ولد الشيخ عبد الله بطريقة أقل تنظيما وتهذيبا مقارنة بالمرات التي استقبل فيها مساعي سابقة. ورغم أنه ظهر وكأنه يتردد حينما أثار مساعد نائب وزيرة الخارجية موس لأول مرة إمكانية زيارة ولد ولد الشيخ عبد الله ، رفض في النهاية تاركا إيانا عمليا من دون نقطة انطلاق للحوار الذي صرح بأنه يرحب به.
اللقاء مع الوزير الأول الواقف:
9- التقى مساعد نائب وزيرة الخارجية تود موس وا المدير الرئيسي للشؤون الإفريقية في وزارة الدفاع مايكل دومنت، مرفوقا بالسفير الأمريكي، يوم 15 أغسطس الوزير الأول يحي ولد الواقف ورئيس المجلس الوطني بوخير ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحمد ولد سيدي بابا في منزل الوزير الأول.
-10وصف الوزير الأول أن هناك حالة من “الضغط المستحيل” يمارسها المجلس العسكري على الشعب الموريتاني والقادة السياسيين. لقد سجلنا ما قاله الوزير الأول من أن رئيس المجلس الوطني ورئيس مجلس الشيوخ كانا تحت التهديد بأن يتم التحقيق معهما على خلفية اتهامات مزعومة بسوء التسيير والفساد إذا لم يصطفوا إلى جانب المجلس العسكري وأضاف أنه هو نفسه تعرض للتهديد إذا لم يشارك في تنصيب الوزير الأول “الجديد” لغضف ويصطف إلى جانب المجلس العسكري- وهو الذي رفضه بالتأكيد. الوزير الأول أشار إلى أن هناك “فقط قلة” من الذين يستطيعون الصمود في وجه الضغط وأضاف أن المجلس العسكري يتحكم في الإعلام ويسخره كخزان للدعاية الموالية للانقلاب على مدار 24 ساعة. وعبر الوزير الأول عن اعتقاده بأن عامة الموريتانيين، بعد عقود من الانقلابات المتوالية، حبطت عزيمتهم وصاروا يجنحون إلى إظهار مقاومة ضئيلة للانقلاب بعد أن أضحوا يرون أن مجهوداتهم هي غير ذات جدوى.
-11رأى الواقف أن الرد على الانقلاب يكمن في “الفرصة الوحيدة لموريتانيا وإفريقيا” للقطيعة نهائيا وبلا رجعة مع السلوك القائم على تغيير الحكم بالقوة. قال أنه إذا ما استسلمنا لهذا الانقلاب هو الآخر- الذي يقوده نفس قادة انقلاب 2005- لن تكون هناك فرصة حقيقية للديمقراطية في موريتانيا. وقال الواقف “يجب أن يفشل الانقلاب”، لأنه إذا فشل، لن يعيد أي قائد عسكري المحاولة في موريتانيا- ربما في المنطقة. وحذر من قبول المحادثات حول “انتخابات جديدة” لأنها لن تساهم سوى في شرعنة الانقلاب. ونادى الواقف بعقوبات سريعة وموجهة ضد الانقلابيين العسكريين وشركائهم المدنيين وطالب بموقف صارم من المجتمع الدولي لوقف “كل اتصال” مع المجلس العسكري. وطالب أيضا مجلس الأمن باتخاذ إجراء صارم ضد الانقلابيين. وألح الواقف على أن لا يقتصر رد المجتمع الدولي على تجميد المساعدات الإنمائية فقط بل يمتد إلى وقف التعاون العسكري وتوضيح أن هذا الإجراء يخص ولد عبد العزيز أكثر من غيره.
-12رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بولخير قال إن الجيش استولى على السلطة بطريقة غير دستورية تماما وأنه يحاول توجيه الجمعية الوطنية لشرعنة أعماله. واعتبر أن العملية الانتقالية للانتخابات التشريعية تم التلاعب بها من طرف الجيش لهذا الغرض. من بين 95 مقعدا في المجلس، تم شغل 50 مقعدا من طرف “المستقلين” الممولين من طرف الجيش. واستبعد ولد بولخير احتمال كون ثلثي البرلمان يؤيدون الانقلاب قائلا أن أي برلماني يتخلى بإرادته عن التزامه تجاه الدستور يفقد مشروعيته ويصبح مثله مثل الانقلابيين. وقال ولد بولخير أنه رفض أن يتعاون مع الجيش في مساعيه لتوجيه في البرلمان قائلا للعسكريين “إذا كنتم ستدبرون انقلابا فعليكم أن تقوموا أيضا بحل البرلمان والأحزاب”. وأشار بولخير إلى أن أول قرار للمجلس الأعلى للدولة لا ينقلب فقط على مؤسسة الرئاسة بل يخول له صلاحيات فوق سلطة البرلمان مخافة أن تفشل مساعيه للتحكم فيه. وأضاف أنه إذا ما نجح الانقلاب لن يكون هناك أي فرصة للديمقراطية.
-13واستبعد أحمد ولد سيدي بابا ما يقال عن الجنرال ولد عبد العزيز كونه شخصا يفتقد “التعليم والذكاء أو التجربة” لقيادة الجيش- ناهيك عن قيادة البلاد، وأكد أن العبث الناتج عن الوضع الحالي نابع من كون هذا الشخص رفض قبول قرار قانوني يقضي بإقالته. واعتبر سيدي بابا أن الستة عشر شهرا من الديمقراطية التي مرت عرفت ازدهارا للحرية وبداية اهتمام للاستثمار العالمي بالبلاد، كلها أمور صارت على المحك الآن، لأن الجنرال ولد عبد العزيز يحاول أن يجعل من نفسه “الإمبراطور بوكاسا الجديد”. وأكد ولد سيدي بابا أن 80 إلى 85 % من السكان يعارضون الانقلاب رغم أن قلة فقط لديها الشجاعة لتقول ذلك علانية.
-14وقال ولد سيدي بابا أن الوضعية الحالية للبلاد هي جد هشة، وأنه إذا لم يتم حل الأزمة في غضون أسابيع فإن المواطنين الموريتانيين هم من سيعانون. وأضاف أن الشخص الوحيد القادر على التفاوض حول تسوية للأزمة، مادام أنه لا هو، ولا الوزير الاول ولا رئيسي المجلس الوطني ومجلس الشيوخ لديهم الشرعية الدستورية للقيام بذلك. ودعا ولد سيدي بابا الأمم المتحدة لمحاكمة الانقلابيين على اعتبار أنها تحاكم المذنبين في ارتكاب جرائم إبادة.
-15وطمأن مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية موس الموريتانيين بخصوص الموقف الأمريكي الذي ينبني على:
أ- الرفض التام للانقلاب
ب- المطالبة بالإفراج الفوري وإعادة الرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى السلطة
ت- الالتزام بإفهام المجلس العسكري بأن هذا الانقلاب لن يدوم
ث- رفض دعوات المجلس العسكري بإقامة انتخابات جديدة
ج- الاستمرار في تعليق الدعم الذي، إذا لم يتم التراجع عن الانقلاب بسرعة، سيصبح حالة دائمة وستتخذ التمويلات وجهة أخرى.
وقال موس أن الولايات المتحدة ستتشبث بموقفها كمسألة مبدأ وكترجمة لمتمنياتنا لموريتانيا وتماشيا مع مقتضيات القانون الأمريكي. وقال أن هدفه كان هو إقناع الجنرال ولد عبد العزيز بأنه لا يمكن أن يكرر سيناريو الانقلاب الذي حدث في 2005. زمن الانقلابات في إفريقيا انتهى ونحن نرى الرد القوي من طرف الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وحتى الجزائر والمملكة العربية السعودية. وأضاف موس أن أي مفاوضات سياسية يجب أن تبدأ بالضرورة مع الرئيس ولد الشيخ عبد الله بعد أن يتم إعادته إلى الرئاسة (لقد عاد موس بصفة متكررة إلى هذه النقط خلال ندوته الصحفية في 15 أغسطس). وأشار السفير إلى أن مشاركة وزارة الدفاع في شخص السيد دومنت في مساعي إقناع الجنرال ولد عبد العزيز بأنه لن تكون هناك أي تسوية “تحت الطاولة” تضع التعاون الأمني فوق أولويتنا بإعادة الديمقراطية.